إن التكافل في الإسلام يعني أن المجتمع كيان إنساني متواصل ومتراحم، وأن الإنسان فيه يجب أن يحيا حياة كريمة تليق بآدميته، وتتّسق مع كرامته الإنسانية، فلا يجوز في نظر الإسلام أن يبقى فردٌ في المجتمع يعاني الجوع ويقاسي الألم، أو يقهره الحرمان وتذله الحاجة، بينما يعيش الآخرون في رغد وهناء، فالمجتمع المسلم كالجسد الواحد في تعاضده وتضامنه، وهو ما عبر عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، بقوله: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (البخاري).

وتتعدَّد صور التكافل الاجتماعي في الإسلام لتشمل جميع العلاقات الاجتماعية، ونشير إلى أبرزها في النقاط التالية:

  • التكافل الخلُقي: وهو التعاون في الدعوة إلى الخير وإنكار المنكر، يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104].
  • التكافل الذاتي: ويتلخص في رعاية الإنسان لنفسه، بتزكيتها بالإيمان والعمل الصالح، يقول تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، ويقول- جل وعلا-: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
  • التكافل الأسري: ويقصد به رعاية الإنسان لأهله؛ لوالديه، وإخوته، وزوجته، وأولاده، يقول- تبارك وتعالى-: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: 83]، ويقول تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الإسراء: 26].
  • حق الجار: لقول الحق- سبحانه وتعالى-: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ [النساء: 36].
  • كفالة اليتيم: واليتيم مَن مات أبوه وتركه صغيرًا ضعيفًا يحتاج إلى مَن يكفله، وقد حثَّ الإسلام على إكرامه، فقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ [الضحى: 9].
  • رعاية اللقيط: واللقيط إنسان وُلد لا يعرف والده ولا أمه، ومِن حقِّه أن يَلتقطه الناس من الشوارع، ويأثَمون إذا تركوه يَهلِك؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
  • الفقراء والمُعوِزين: فهم لهم حق في مال الأغنياء، إلى أن يكتفوا إذا لم تَكفِهم الزكاة المفروضة.
  • كفالة أهل الذمة: ففي المجتمع الإسلامي، يمتد التكافل ليشمل المُنضوِين تحت مظلة المجتمع الإسلامي، وقد منح الإسلام أهلَ الذمة حقوقًا تمنحهم الأمانَ والاطمئنان على مُعتقداتهم، إذا شاؤوا البقاء عليها، ما لم يَقفوا في وجه الإسلام.
  • حق الأطفال والأبناء : فكما للوالدين حقوق، فإن للأبناء حقوقًا- أيضًا-، لقول الله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ [البقرة: 233].
  • كفالة أصحاب العاهات والشيوخ والعجَزة والمَنكوبين: وهؤلاء يدخلون في نطاق قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].

أبعاد تربوية

ولا شكّ أنّ التكافل في الإسلام له أبعاد تربوية هدفها تهذيب سلوكيات جميع الأفراد في المجتمع، ومن ذلك:

  • ترسيخ الإيمان الصحيح: وهو أثر وهدف تربوي عظيم للتكافل والتعاون بين الناس في المجتمع الواحد، وهذا لأن التكافل في الإسلام إيماني رباني والمسئولية فيه مزدوجة دنيوية وأخروية، بينما التكافل في النظام الوضعي مادي دون روح.
  • تربية النفس على الحب والرحمة: ويتحقق ذلك بخدمة الآخرين التي تُولّد الحب، والرحمة، والشفقة والحنان والأخوة في الله، فقد رسم القرآن صورة مشرقة للإيثار في نفوس الأنصار من أهل المدينة، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر -9].
  • تطهير النفس من الرياء: وهو ما يوضحه القرآن الكريم في قول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، وقال- سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
  • غرس الشعور بالأخوة بين المؤمنين: وهذا من أهم الآثار التربوية للتكافل الاجتماعي، فالأخوة في الله رابطة توجد بين شخصين أو أكثر بمجرد اشتراكهما في الانتماء إلى المنهج الرباني

 يقول تعالى :(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة- 11].

  • التربية على التوسط في النفقات: وهذا بهدف توفير ما نسد به الحاجات، يقول- عز وجل-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة-143]،

وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان-67].

  • تحريم الظلم بين العباد: لأن التكافل والتعاون والتراحم بين الناس مناقض للظلم والجور، الذي حرمه الله تعالى: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”.

ويقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل-90].

وإذا تم التكافل بين المسلمين بهذه الصورة التي يتحقق بها هذا البعد التربوي للتكافل فإن المجتمع المسلم سيصبح حقيقة متمثلا حديث الجسد الواحد فاللهم ألف بين قلوب هذه الأمة وردها إلى دينك ردا جميلاً.