من أخطر المعوقات والعثرات التي تقف في طريق الداعي إلى الله (فساد النيّة) أو الشهوة الخفية التي تدخل على الداعي من عدة مداخل كحب المدح والثناء من الناس، وحب الظهور والبروز بينهم، وحب التصدر والرئاسة عليهم، وحب الشهوة وذياع الصيت لديهم، وذلك كله من مداخل الشيطان – والعياذ بالله -.

ولأن النية نواة الصلاح، وبذرة القبول، وأعمال العباد مرهونة بصلاح النيات، وحظ العامل ونصيبه من العمل نيته، فإن كانت صالحة كان له الأجر، وإن كانت فاسدة فعليه الوزر، صلاح القلب بصلاح العمل، وصلاح العمل بصلاح النية.

قال سفيان الثوري – رحمه الله -: «ما عالجت شيئًا أشد عليّ من نيتي لأنها تنقلب عليّ».

وقال رجل من العلماء: اثنتان أنا أعالجهما منذ ثلاثين سنة: ترك الطمع فيما بيني وبين الناس، وإخلاص العمل لله ، تخليص العمل حتى يخلص أشد من العمل، والخوف على العمل وحفظ العمل بعد أدائه أشد من العمل نفسه، تخليص النية من فسادها أشد من طول الاجتهاد؛ لأن قطاع الطرق كثيرون، وأنت في سيرك إلى الله يخرج عليك العدو من هاهنا وهاهنا، وأنت تقاوم، وتجاهد، وتصحح، وتوجه، وتذكر نفسك.

أنا الآن لن أتحدث عن أهمية النية إذ يكفي حديث " إنما الأعمال بالنيات .........."  في الدلالة على أهمية استصحابها قبل الشروع في أي عمل ويكفي من ذلك أنها ركن في كل الطاعات التي أمرنا الله بها إذ أن عدم تقديمها يبطل العمل من الأصل
بل إنها الركن الأول المقدم فهي مفروضة أول الصلوات وعند الإحرام وتبييتها مطلوب عند صوم رمضان وفي الزكاة والصدقة وغيرها من أعمال البر.....

وهنا تجدر الإشارة إلى ملحوظتين في هذا الصدد:

الأولى: أن ثناء الناس على الداعية إزاء نشاطه الدعوي دون قصد منهم، لا يقدح في إخلاصه إن صدقت نيته مع الله عز وجل، بل إن ذلك الثناء من عاجل بشراه في الحياة الدنيا. فعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قيل لرسول الله ﷺ: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال ﷺ: «تلك عاجل بشرى المؤمن» (أخرجه مسلم).

والثانية: أن الخوف من الرياء لا يسوِّغ ترك العمل الدعوي. قال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: «ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص الخلاص من هذين».

حين نهم بعمل ما لأول مرة تكون نياتنا صادقة صالحة نرجوا بها رضا الله ولكن مع الوقت قد تحيط بنا ظروف أو شبهات تنقص من إخلاص نيتنا هذا إن لم تذهب بها بالكلية وتجعلها نفاقا و رياءا

النية كالثوب الجديد يبدو زاهيا باهيا حين ترتديه أول مرة ثم يزول رونقه مع الغسيل الأول......ويذهب لونه الغسيل الثاني........
ويخرج الغسيل الثالث خيوطه......وهكذا إلا أن يصبح باليا أو ممزقا لايصلح للاستعمال.
هذا حال الثوب
فهل ترضى أن يكون هذا حال نيتك؟؟
أقصد هل تسمح أن تضيع منك أعمال أنت في أمس الحاجة إليها يوم العرض بسبب أن نيتك بليت ؟
والنية كما الثوب لا تبلى دفعة واحدة فلا يقولن مغتر نيتي خالصة والحمد لله
أفلا اختبرتها لتتأكد؟؟
أو تظن الشيطان يأتي ليقول لك: صم ليقال صائم أو قم ليقال قائم؟
أبدا... ما هذه حيلته ولو كان هكذا لصددناه منذ الوهلة الأولى.
مداخل الشيطان خفية فهو يأتيك دون شعور، ويذهب بإخلاص قلبك شيئا فشيئا.
دعني أقول: إن حديثي عن تجديد النية لا يقتصر فقط على تخليصها من شوائب الرياء والنفاق فهذا وإن كان مطلوبا وذو أهمية قصوى إلا أن الأحاديث عنه كثيرة والتصانيف فيه أكثر
حديثي هنا لأصحاب الهمم
للذين لا ينتظرون فساد النية لإصلاحها بل لا يسمحون بنزولها عن قمة الإخلاص قيد أنملة
الحديث عن تجديد النية غايته تعاهدها الدائم لتبقى كما الأول خالصة صادقة تدعوك لكل خير وتجعلك تستسهل كل صعب
فالله الله في النية يا أحبتي الدعاة

اختبر نيتك
انظر إلى عملك هل ما زلت تشعر بلذته كما حين شرعت فيه ؟أم أنه صار آليا بلا طعم؟
ولنقرب الصورة أكثر.......في حياتنا الدعوية أفعالنا هل هي بنفس النية التي بدأنا بها الدعوة أول مرة ؟
أم أن الهدف تغير؟ إبراز نشاط؟....زيادة شهرة؟؟اكتساب أجرة؟ هل هذه هي النية التي استصحبتها بداية؟؟
أجزم أنها لا
فما الذي غيرها؟أو فلنقل ما الذي أبلاها؟
أنا أجيبك: عدم تعاهدها.
أصلحناها ابتداء ثم اتكلنا وغفلنا من كونها قد تبلى.

وهذه العقبة الكئود لن تتزحزح عن طريق الداعي إلا بجهاد كبير للنفس، والاستعانة بالله عز وجل، والاستعاذة به من الرياء اقتداءً بالنبي ﷺ، والإلحاح في الدعاء بالإخلاص بين يدي كل عمل أو قول يقدمه الداعي.
جدد نيتك
غذها....... تعاهدها....لا تتركها للزمن، ولا تغفل عنها، احرص على أن تبقى كما أول مرة جديدة.....نقية .....زاهية....تدفعك للمزيد من العمل..... للمزيد من الطاعة....
دعها ترقى بك في سلم الفضائل؛ فإنها إن بليت هوت بك إلى أدنى المنازل.
لا تجعلها تبلى.
اعزم الآن.............وجدد نيتك