ثمة ثلاثة مرتكزات لنجاح العمل الإسلامي يجب أن يدركها العاملون للإسلام وهي:

1 ـ وضوح الغاية.

2 ـ وضوح الطريق.

3 ـ الالتزام بهما.

أولًا: وضوح الغاية:

إن وضوح الغاية من العمل الإسلامي يوفر على العاملين كثيرًا من الجهود، وبالتالي يحفظ هذه الجهود من أن تستهلك وتضيع في قضايا هامشية ومعارك جانبية لا تتصل من قريب أو بعيد بالغاية الأساسية التي يستهدفها (العمل الإسلامي) والتي ينبغي أن تفرد لها كل الطاقات والإمكانات.

ومن خلال دراستنا للمنهج الإسلامي، ومن خلال تدبرنا لكتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله ﷺ، ومن خلال الممارسات التطبيقية العملية في شتى مراحل التاريخ الإسلامي يتأكد لنا أن المبرر الأساسي لرسالة الإسلام، والغاية الأصيلة لهذا الدين هي: تعبيد الناس لربهم أفرادًا ومجتمعات. تعبيدهم له في المسجد أثناء الصلاة كما في السوق أثناء البيع والشراء. تعبيدهم له في (الصوم) كما في (الحكم). وفي الدعاء كما في القضاء سواء بسواء (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)). الذاريات

وبصراحة أكثر. تعبيد الناس لله يعني أن يكون ولاؤهم له في كل شأن من شئون حياتهم. ليس في شئون الدين فحسب وإنما في شئون الدين والدنيا. ذلك أنه لا انفصال أو انفصام في المفهوم الإسلامي بين شئون الدين وشئون الدنيا. وهذا ما يفسر رفض الإسلام (للعلمنة) التي تقوم على أساس فصل الدين عن الدولة، وإن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وإن الدين لله والوطن للجميع.

إن تعبيد الناس لله ـ في المفهوم الإسلامي ـ يعني بالتالي نقض كل المناهج البشرية التي من شأنها تعبيد الناس للطاغوت. نقض هذه المناهج لأنها تمثل أولًا: الاعتداء الصارخ على حق الله في العبودية والحاكمية (إن الحكم إلا لله)، ولكونها ثانيًا: فاشلة في ذاتها عاجزة في إمكاناتها عن تحقيق إنسانية الإنسان في معركة تحقيق الذات: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ ۗ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)). سورة النحل

ثانيًا: وضوح الطريق:

ويجب أن ندرك كذلك أن العمل للإسلام يعني العمل لتطبيق شرعة الله في الأرض. يعني إحلال هذه الشريعة مكان شرائع الهوى والطاغوت. ومنهج الله وشريعته فيها من (الكفاية) ما يغنيها، ومن (الغنى) ما يكفيها. فيها من العقيدة جلالها، ومن الأخلاق جمالها، ومن التشريع سعته وعمقه ومرونته.

وبذلك لا يكون التعايش مع الجاهلية ـ أمدًا ـ وقدرًا ـ إلا في حدود ما تحتاجه عملية الانقلاب عليها من قوى وإمكانيات. لأن الغاية هي تحقيق هذه النقلة. وكل عمل لا يكون مساعدًا على تحقيقها، أو مساهمًا في بلوغها، يكون تلهيًا بما هو أدنى عن الذي هو خير (فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)). سورة الشوري

أما فيما يتعلق بطريق العمل للإسلام. وهو مدار الخلاف بين العاملين. فيمكن تحديده في ضوء الغاية التي جاء الإسلام لتحقيقها. ومن خلال المسلك النبوي الذي اعتمده رسول الله ﷺ لتحقيق هذه الغاية.

فغاية المنهج الإسلامي تحدد طبيعة الطريق وأبعاده، وترسم بالتالي المعالم الأساسية للخطة التي يجب أن تعتمدها الحركة الإسلامية في كل زمان ومكان.

هذا يعني بالتالي، أن طريق العمل للإسلام يجب أن تخضع لقواعد وأصول ثابتة تمليها الغاية الأساسية من العمل، وتؤكدها الترجمة العملية في سيرة الرسول الأعظم ﷺ.

ذلك أنه إذا كانت غاية منهج من المناهج (علمية) فإن طبيعة الطريق ستكون بالتالي علمية ثقافية متوافقة مع الغاية نفسها. كذلك الحال إذا كانت الغاية (تربوية أو اقتصادية أو سياسية أو رياضية أو خيرية) فإن طبيعة الطريق ستكون متجانسة مع الغاية نفسها.

فإذا كانت غاية المنهج الإسلامي ـ كما هو معلوم ـ هي تعبيد الناس لله في سلوكهم ومعاملاتهم، في أنظمتهم وتشريعاتهم وفي كل مناحي حياتهم. فإن ذلك يعني إحلال المنهج الإسلامي محل النظم الوضعية. يعني استبدال وضع بوضع. يعني نقض الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها المجتمع ونقض الحضارة التي يتبناها ويعتمدها، ليتم بعد ذلك عملية البناء على قواعد الإسلام ووفق أسسه ومرتكزاته.

طبيعة تغييرية:

إن ذلك يفرض أن تكون طبيعة العمل للإسلام (تغييرية) وليست (ترميمية).

تغييرية بمعنى أنها تأبى الترقيع والقبول بأنصاف الحلول. تأبى الانسجام مع المناهج الجاهلية. تأبى التعايش مع المذاهب الوضعية، كل المذاهب الوضعية.

طبيعة كلية:

ثم إن ذلك يفرض أن تكون طبيعة العمل للإسلام (كلية) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وما تحمله من دلالات وما تطرحه من أبعاد.أن تكون كلية في استيعابها لكل ما تتطلبه المواجهة من إمكانات، وما يحتاجه تحقيق (الغاية الكبرى) من وسائل وطاقات.

إن الوعي الفكري والسياسي والحركي، وإن التربية النفسية والحركية، وإن التنظيم والتخطيط، وإن الإعداد البشري والمادي ـ على كل صعيد ـ من العناصر التي لا بد منها مجتمعة والتي لا غنى لبعضها عن الآخر لتحقيق الكلية في العمل الإسلامي، وصولًا إلى الغاية المنشودة (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ ..(39)). سورة الأنفال

طبيعة عالمية:

ومسألة أخرى يجب أن تكون واضحة للعاملين، وهي أن العمل للإسلام يجب أن يصل إلى مستوى العالمية وعيًا وتخطيطًا وتنظيمًا ولا يجوز بحال أن يبقى صيحات خافتة تعلو وتخفت هنا وهناك وهنالك.

فالإسلام في مضمونه الفكري ومحتواه العقائدي نظام عالمي، يتعدى الأطر الإقليمية والقومية والعرقية واللغوية، نظام يملك من سعة الأصول التشريعية ومرونتها ما يجعله فريدًا في قدرته على استيعاب مشاكل الحياة على كل مستوى وفوق كل صعيد،

وعالمية الدعوة تبدو من خلال الانتشار الأفقي للمجتمع الإسلامي والذي غطى أكثر من نصف المعمورة مع الحفاظ على وحدة القيادة فوق هذه البلاد جميعها.

إن عالمية العمل للإسلام حتمية بالضرورة فضلًا عن كونها واجبًا من حيث المبدأ. فنحن نعيش عصرًا عالمي المشكلات، عالمي القوى والاتجاهات، عالمي الأفكار والمذاهب، شئون الناس وقضاياهم وسياساتهم متداخلة متشابكة، كذلك أقطارهم ودولهم، بحيث يصعب العمل والتحرك من غير ملاحظة كل الجوانب والظروف والقوى، ظاهرها وباطنها، أمامياتها وخلفياتها، محلياتها ودولياتها.

إن دراسة أصغر قضية أو مشكلة محلية قد تؤكد في النهاية وجود مسببات وخلفيات خارجية لها، كما قد تؤكد الاحتياج إلى فعاليات وإجراءات دولية لحلها.

حيال كل ذلك. يفرض على العاملين للإسلام ـ وهم طلائع الحركة الإسلامية العالمية الأصيلة ـ أن يخرجوا من إطار التفكير والتخطيط والتنظيم الإقليمي، ليبعدوا بالطاقات الإسلامية عن دوامة التآكل والاستنزاف المحلي والجانبي. ليواجهوا بها قضاياهم الكبرى الأساسية. ليحققوا الغاية الأساسية من وجودهم (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)). سورة التوبة

إن مهمة الحركة الإسلامية أن تهيئ كل الطاقات والإمكانات الكفيلة بإزالة حكم الطاغوت، وليس مهمتها أن تتلمس الحلول لمشكلات المجتمعات الجاهلية التي تحكم بغير ما أنزل الله.

ليس من مهمة العمل الإسلامي أن يلتمس حلول المشكلات التعليمية والإعلامية، أو الغذائية والكسائية، أو السياسية والاقتصادية، أو سواها من المشكلات التي خلفتها النظم الوضعية الفاسدة، وإذا كان لا بد من التعرض لمثل هذه المشكلات من قريب أو بعيد، فبقدر ما يؤدي إلى إدانة النظم التي أفرزتها، وبقدر ما يعري هذه النظم ويفضحها ويؤكد بطلانها، ليس أبدًا بما يساعد هذه النظم على التسلط والاستمرار، أو يهيئ لها فرص البقاء والنماء.

فإذا عرضت (مشكلة الغلاء) مثلًا، كان على الحركة أن تبين أنها ثمرة طبيعية لحاكمية النظم الرأسمالية التي من شأنها خلق الأجواء المناسبة لنشأة الاحتكار وسيطرة فئة من الناس على ثروات البلاد وتسخيرها لمصالحها الذاتية، وإن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يملك خلق مجتمع نظيف تتحقق فيه العدالة وتصان فيه حقوق الإنسان وحرماته، والويل فيه لمن يعتدي على كرامة الإنسان وحقوقه، لا أن تعمل الحركة على مساعدة هذه النظم على حل المشكلة، لأنها بذلك تكون قد أعطتها مبرر البقاء.

وإذا عرضت لنا (قضية فلسطين) مثلًا. كان على الحركة الإسلامية أن تؤكد من خلالها على فشل الأنظمة الحاكمة الذريع. فشلها في تعبئة الأمة نفسيًّا وحسيًّا للجهاد في سبيل الله واسترداد الأرض المغتصبة. وعلى دوران هذه النظم في فلك المعسكرات الاستعمارية الشرقية والغربية. كما كان عليها أن تؤكد بكل ثقة واعتزاز أن الإسلام هو المنهج الوحيد القادر على إعداد الأمة وتهيئتها لمواجهة كل التحديات، وتحقيق النصر في كل ميدان.

إن قبضة الحركة الإسلامية ينبغي أن تكون موجهة دائمًا وباستمرار إلى مقاتل النظم الوضعية الحاكمة. إلى مرتكزاتها الأساسية وقواعدها ومنطلقاتها.

وحذار من خطوة تكون سببًا في عيشها لا مسمارًا في نعشها.

حذار من خطوة تكون مبررًا لبقائها لا عاملًا في زوالها وفنائها.

طريق الرسول ﷺ:

ثم لا بد من وقفة استطلاعية لطريق الرسول ﷺ لنعرف ونتبين مدى توافقها مع غاية المنهج الإسلامي وطبيعته.

والحقيقة أن سيرة الرسول ﷺ بكل سماتها وتفصيلاتها تشكل أساسًا لا مناص من أن تلتزم به مواكب العاملين للإسلام في كل زمان ومكان. فهي تعرض للأسلوب الأسلم في العمل للإسلام وتعرض لفن الدعوة والتعامل مع الناس، وبالتالي تبين كيفية مواجهة المجتمعات الجاهلية ونقضها. ويمكن تحديد معالم الطريق النبوية من خلال الخطوط الرئيسية التالية:

أولًا: إعلان العبودية لله من أول يوم، من غير مصانعة أو التواء. لتكون الغاية واضحة. في أذهان الدعاة كما هي واضحة في أذهان المدعوين (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

وقد جاء هذا الإعلان في قوالب شتى كان الوحي يتنزل بها على قلب محمد ﷺ وكلها ترتكز على معنى واحد، وهو تعبيد الناس لله في كل شأن من شئون حياتهم، تعبيدهم له في (الألوهية) وتعبيدهم له في (الربوبية).

ولقد قاسى الرسول ﷺ وصحبه شتى ألوان الأذى والاضطهاد دون أن يحيدوا أنملة أو يترخصوا في حمل العقيدة وفي دعوة الناس إليها (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)). سورة الكافرون، فالحق أحق أن يتبع مهما غلا الثمن وعزت التضحية (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ.. (29)). سورة الكهف

ثانيًا: إقامة تجمع حركي، يرتبط عقائديًّا وإيمانيًّا بالله، ويخضع تنظيميًّا وحركيًّا لقيادة واعية، ويسير على هدى من الله ونور.

تجمع حركي لا يخبط خبط عشواء، ولا تشغله الأحداث الجانبية والقضايا الهامشية عن مواصلة العمل والإعداد لتحقيق أهداف الإسلام الكبرى.

تجمع حركي، يرتبط بالإسلام ارتباط مصير، يتجاوز كل الاعتبارات والتعلقات الشخصية والمادية والزمنية.

تجمع شهدت ولادته دار (الأرقم بن أبي الأرقم) حيث تأصل الإيمان في قلوب أصحابه، وخبرت جهاده وتضحياته ساحات المعارك في بدر والقادسية واليرموك. وصفحات التاريخ زاخرة ببطولات هذا الجيل الذي تعهده محمد بن عبد الله ﷺ والذي به فتح الله الدنيا أمام دعوة الإسلام. (أولئك آبائي فجئني بمثلهم).

ثالثًا: مواجهة الجاهلية مواجهة كاملة ولكنها واعية. فالرسول ﷺ كان يدرك أن أهداف الإسلام تحتاج إلى تغيير كلي في حياة الناس. في أفكارهم ومعتقداتهم. في سلوكهم وتقاليدهم. في نظمهم وتشريعاتهم. وإن هذه المواجهة بالتالي تحتاج إلى إعداد (الطليعة المؤمنة) بما يتناسب وثقل الأمانة وضراوة التحدي وضخامة الأهداف. ولذلك. كان الإعداد كليًّا. بالعبادة والتربية كما بالفكر والثقافة. وبالتنظيم والتخطيط كما بالتدريب والتمرس على الجهاد النفسي والحسي. كل جانب من هذه الجوانب بحسب أهميته وحجم الحاجة إليه وفي مكانه من مراحل العمل كمًّا وكيفًا ووقتًا.

مكان القوة الحسية في استراتيجية الحركة:

وهنا لا بد من الإشارة إلى مكان (القوة الحسية) في استراتيجية العمل الإسلامي حتى لا يذهبن الشطط بأحد فيظن أنها كل شيء أو أنها لا شيء؟

ولقد بين الإمام البنا ـ رحمه الله ـ مكان القوة في استراتيجية الحركة الإسلامية، فقال:

يتساءل كثير من الناس: هل في عزم الإخوان المسلمين أن تستخدم القوة في تحقيق أغراضها؟ وهل تفكر في إعداد ثورة عامة على النظم السياسية أو النظم الاجتماعية؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إني أنتهز هذه الفرصة فأكشف اللثام عن الجواب السافر لهذا التساؤل في وضوح وجلاء، فليسمع من يشاء.

أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادي في وضوح وجلاء: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)، والنبي ﷺ يقول: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» بل إن القوة شعار الإسلام حتى في الدعاء، وهو مظهر الخشوع والمسكنة، واسمع ما كان يدعو به النبي ﷺ في خاصة نفسه ويعلمه أصحابه ويناجي به ربه: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال».

فماذا تريد من إنسان يتبع هذا الدين إلا أن يكون قويًّا في كل شيء، شعاره القوة في كل شيء؟ فالإخوان المسلمون لا بد أن يكونوا أقوياء ولا بد أن يعملوا في قوة.

ولكن الإخوان المسلمون أعمق فكرًا وأبعد نظرًا من أن تستهويها سطحية الأعمال والفكر، فلا تغوص إلى أعماقها ولا تزن نتائجها وما يقصد منها، ما يراد بها، فهي تعلم أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة والإيمان، ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعاني جميعًا، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهي مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان، فسيكون مصيرها الفناء والهلاك.

هذه نظرة، ونظرة أخرى، هل أوصى الإسلام ـ والقوة شعاره ـ باستخدام القوة في كل الظروف والأحوال؟ أم حدد لذلك حدودًا واشترط شروطًا ووجه القوة توجيهًا محمودًا؟ ونظرة ثالثة، هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي، وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟.

هذه نظرات تلقيها الحركة الإسلامية على أسلوب استخدام القوة قبل أن تقدم عليها، والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الحركة الإسلامية إليها أدق وأعمق.