في تقرير حديث، قالت وكالة رويترز إن خبراء اقتصاديين قدروا أن الوضع المالي لمصر لا يزال محفوفاً بالمخاطر، على الرغم من خفضين كبيرين لقيمة العملة هذا العام وحزمة إنقاذ جديدة بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.

وقالت رويترز إنه مع توقع امتصاص مدفوعات فوائد الدين العام أكثر من 40 % من إيرادات الحكومة العام المقبل، واستمرار نقص العملة الأجنبية في الإضرار بالاقتصاد، لا يزال المستثمرون حذرين على الرغم من ارتفاع المعنويات بعد حزمة صندوق النقد الدولي.

ورغم ارتفاع الدولار مقابل العملة المصرية بأكثر من 55 % هذا العام، ما زالت الهوة واسعة بين سعر الصرف الرسمي في البنوك، التي لا تبيع لعملائها كل ما يرغبون في شرائه من الدولار، والبالغ 24.5 جنيهاً، والسعر في السوق الموازية، الذي يتجاوز 26 جنيهاً للدولار، بفارق يتجاوز 6 %.

وأشارت رويترز إلى أن المتعاملين في سوق العملات يبدون مقتنعين بأن السعر سيكون 28 مقابل الدولار في هذا الوقت من العام المقبل، في إشارة إلى أسعار العقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDF، موضحةً أن بنك نومورا الياباني وضع مصر، في تقرير حديث له، على رأس قائمة الدول المعرضة لخطر كبير من جراء أزمة عملتها.

ونقلت الوكالة عن كارلا سليم، من بنك ستاندرد تشارترد، قولها "من المرجح أن يظل الجنيه المصري تحت الضغط حتى نشهد المزيد من تدفقات الدولار الأمريكي من دول مجلس التعاون الخليجي، أو تتحقق وعود الاستثمار الأجنبي المباشر على الأرض".

ووفر اتفاق حكومة الانقلاب مع صندوق النقد الدولي، الذي تم إبرامه الشهر الماضي، بعض الراحة للمستثمرين، حيث ارتفعت السندات الحكومية قريبة الاستحقاق نحو 15 %، وتقلصت علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بها بدلا من سندات الخزانة الأميركية بنحو الثلث، وفقاً للوكالة.

وأكدت الوكالة أن السندات التي لن يتعين دفعها قبل 15-20 عاما حققت مكاسب حادة، على الرغم من أن قيمتها الاسمية لا تزال تشير إلى الخطر عند 65-70 سنتا في الدولار، أي في حدود ثلثي قيمتها الاسمية.

وقال كبير الاقتصاديين في رينيسانس كابيتال تشارلي روبرتسون لرويترز إن "مصر لديها عبء ديون مرتفع ويمكن القول إنها أكثر عرضة للخطر حتى من باكستان، من حيث مدفوعات الديون كحصة من الإيرادات".

وأضاف روبرتسون "لكن الفرق هو أنها كانت استباقية وسريعة في الذهاب إلى صندوق النقد الدولي"، مشيرا إلى أن مصر تحظى أيضا بدعم قوي من دول الخليج الغنية.

وظلت مبيعات أذون الخزانة المصرية قصيرة الأجل للأجانب، وهي مصدر رئيسي للتمويل الحكومي حتى بداية الأزمة الأوكرانية، راكدة نسبيا عند حوالي 4-6 مليارات جنيه مصري ، وفقا لتقديرات مصرفيين في مصر طلبا عدم الكشف عن هويتهما.

وأرجعت رويترز ذلك إلى إحجام الحكومة عن رفع عائد تلك الأدوات فوق معدل التضخم، وخاصة مع الأخذ في الاعتبار احتمالات حدوث انخفاض حاد آخر في قيمة العملة.

عنق زجاجة

وقالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هذا الشهر إن عجز الحساب الجاري المتضخم في مصر، وما يستحق سداده من ديون خارجية، بلغت 33.9 مليار دولار حتى منتصف 2025، "يترك مصر عرضة للخطر"، محذرةً من خفض التصنيف الائتماني للبلاد.

وأشارت رويترز إلى عدم وجود دولة أخرى تنفق أكثر من 41 % من الإيرادات الحكومية على مدفوعات الفائدة، باستثناء سريلانكا، التي تخلفت عن السداد، وغانا التي ستتخلف عنه قريباً.

ومع توفر كميات محدودة جدا من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى في مصر، لا يزال المستوردون يواجهون مشاكل في تمويل السلع من الخارج، ما يخلق اختناقات للمصانع وتجار التجزئة، كما يقول المصرفيون.

وقال فاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في جولدمان ساكس، إن تراكم طلب الشركات لشراء النقد الأجنبي، والسيولة الشحيحة في النظام، سيستمران في دفع الجنيه إلى الضعف، إذا سمح له بالتداول بحرية.

وبينما يرى سوسة أن "نماذج التقييم الأساسية تشير إلى أن الجنيه مقوم بأقل من قيمته الحقيقية بما يصل إلى 10 % في الوقت الحالي"، قال جيمس سوانستون، من كابيتال إيكونوميكس، إن الجنيه ربما يتعرض للضعف إلى 25 جنيها على الأقل مقابل الدولار، لحساب فارق التضخم مع الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر.

واستمرت مفاوضات صندوق النقد الدولي مع مصر لمدة سبعة أشهر، وأدت إلى ثاني تخفيض كبير لقيمة العملة لهذا العام. ويواصل البنك المركزي السماح للجنيه بالضعف تدريجيا ببضعة قروش قليلة كل يوم.

ويقول محللون إن العديد من المصريين ينظرون إلى قوة العملة على أنها مقياس لمدى جودة إدارة الاقتصاد، ونتيجة لذلك كانت الحكومة مترددة منذ فترة طويلة في السماح للعملة بالتراجع بصورة سريعة.

وتضيف رويترز أن السلطات تخشى أيضا من أن تؤدي العملة المحررة بالكامل إلى تحركات مبالغ فيها في السعر، "ما يدفع الشركات إلى رفع أسعارها وزيادة التضخم الذي وصل لأعلى مستوى له منذ أربع سنوات".