الانتساب لدعوة الحق كما أنه شرف وميزة فهو واجب ومسئولية، فمن ينتسبون للدعوة بحق وصدق لابد لهم من البذل والعطاء تجاه أنفسهم، وتجاه غيرهم، ويجب أن يعرف أصحاب الدعوات أن لهذا الطريق ضريبة وثمن من أوقاتهم وجهودهم وأموالهم وأنفسهم.

ولقد حدد الإمام حسن البنا مجموعة من الواجبات التى تجعل من الانتساب للدعوة أمانة ومسئولية، وهي بمثابة دلائل ومؤشرات على صدق الانتماء وشرف الانتساب للدعوة، فيقول – رحمه الله:

«أيها الاخوة الفضلاء: إن الله ميزكم بالانتساب إلى الدعوة، فاحرصوا على التميز بآدابها وشعائرها بين الناس، وأصلحوا سرائركم، وأحسنوا أعمالكم، واستقيموا على أمر الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوجهوا بالنصيحة في رفق ولين إلى الناس أجمعين، واستعدوا للبذل والاحتمال والجهاد بالنفس والمال، وأكثروا من تلاوة القرآن، وحافظوا على الصلوات في الجماعات، واعملوا لوجه الله تعالى مخلصين له الدين حنفاء، وانتظروا بعد ذلك تأييد الله وتوفيقه ونصره، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: 40)»

والإمام البنا هنا يركز على واجبات أصحاب الدعوات تجاه أنفسهم بالرعاية والربانية وحسن العلاقة بالله وبكتابه، وحسن عرض دعوتهم على الناس.

إلى الذين آمنوا بسمو دعوتهم:

إن الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم يجب عليهم أن ينطلقوا من هذا الإيمان إلى كل ميدان؛ يبذلون ويُضحون من أجل دعوتهم، بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء فى سبيل عزها ورفعتها، فلا تضيع فى سبيل دعوة الحق تضحية.

أما من ينتسبون لها ويبخلون عليها، أو يُعطُونها ما بَقِيَ من أوقاتهم، أو يُؤخرونها فى مراتب أولوياتهم، فلابد أن يُراجعوا أنفسهم ويتفقدوا قلوبهم، لأنها دعوة خالصة لا تقبل الشراكة، ولا يليق بها أن تكون آخر الهم أو تنال فضل الوقت.

(1) «أيها الأحبة: إنكم تنتسبون لدعوة الحق، دعوة الإسلام العظيم، دعوة خير رسول أرسِل، وخير كتاب أنزِل، إنها الدعوة الربانية العاملة، العالمية الشاملة؛ التى إمتدت طولاً حتى شملت آباد الزمن، وامتدت عرضاً حتى وسعت آفاق الأمم، وامتدت عمقاً حتى انتظمت واستوعبت شئون الدنيا والآخرة.

فهنيئاً لمن انتسب لها وبذل في سبيلها، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فصلت 33)، فيا له من شرف ومنزلة؛ أن يحيا المرء في كنف دعوة الحق؛ مخلصاً عاملاً».

(2) «ومن ينتسبون لدعوة الحق رسمياً وعملياً، قولياً وفعلياً، في شَرَفٍ مَرُوم، لماذا؟

لأنهم أصحاب دعوة تملأ الأرض خيراً ورشداً، بمبادئها وتضحيات أبنائها، دعوة لا تعرف الحدود، ولا تقف أمامها الحواجز والتخوم، ولا يحول دونها جنس وقوم أو لغة ولون، وبالتالي كان عليهم الاعتزاز بها، والافتخار بالانتساب لها، والتمسك بمبادئها والتزام طريقها، ليس فخر عصبية ومباهاة، ولكن فخر عِزة وعطاء ورفعة ووفاء، في زمرة الصالحين وركب الدعاة المُصلحين».

وختامًا: كتب الإمام حسن البنا يومًا حول حقيقة الإنتساب لدعوة الحق، فقال – رحمه الله -: «وأهيب بكم أن اعملوا فليس ينفعكم من الدعوة أن تنتسبوا إليها وتتصلوا رسميًا بها ثم تقعدون بعد ذلك عن خدمتها ونشرها والجهاد فى سبيلها، وما كان كذلك أسلافكم الصالحون، فهم رضوان الله عليهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ودأبوا على الجهاد لدينه، والعمل مع نبيه ﷺ حتى أتاهم اليقين، وهم أشد ما يكونون بدينهم استمساكًا، وفى سبيل نشره عملًا وجهادًا».

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين