أشرف الفار

كتاب الله عز وجل، فيه نبأ ما قبلكم، وفصل ما بينكم، وخبر ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تلتبس به الألسن، ولا تزيغ به الأهواء، ولا يخلُق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم يتناه الجن إذ سمعته أن قالوا: {إنا سمعنا قرآنا عجبا} من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن اعتصم به فقد هُدي إلى صراط مستقيم.

أنزله الله لهذه الأمة، هدى ورحمة، موعظة وشفاءً، دستورًا وتبيانا، أغرى الله المؤمنين بتلاوته، وجعل لهم بذلك الأجر الجزيل على لسان رسوله صلى الله عيه وسلم.

وحَرُم على كل مؤمن أن يهجره، ولا معنى لأن نؤمن بكتاب الله ثم نهجره. لكننا -يا للأسف الشديد- نفعل، نحن نهجر القرآن، ونحرم أنفسنا من هذه النعمة الكبرى، نحرم أنفسنا من القرآن، ونلقى بأنفسنا بعيدًا عن رحمة القرآن، ونعيم القرآن، وهداية القرآن، وحكمة القرآن، وعلوم القرآن، وحقائق القرآن، وخير القرآن.

ومن الحق والأمانة أن يعترف كل منا بذنبه، وتلك أولى مراتب التوبة، عسى الله أن يغفر لنا، ويهدينا سواء السبيل. ويبدأ كل منا فصلًا جديدًا فى حياته، فصلًا يتواصل فيه مع القرآن على أحسن صورة، ويقطع ذلك الهجر القمئ، ومن أجل تحقيق تلك الغاية المباركة على كل منا أن يراجع نفسه، متهمًا معترفًا، مقرًا بالتقصير، واضعًا الأمور فى نصابها.

 فحينما أجد الوقت للكثير من الأعمال فى يومى وليلتى، ثم لا أجد الوقت للقرآن الكريم فقد هجرت القرآن.

حين أقضى ساعات ذوات عدد أتابع وسائل التواصل، أقرأ ما ينشر، بلا حساب ولا خوف على الوقت، وأنشغل بالرد والتعليق، وأتهافت لأى مناقشة حول ما فيها، وأسترسل، ثم لا أجد ساعة واحدة لأقرأ فيها القرآن الكريم فقد هجرت القرآن.

حين أجد الساعات لمشاهدة المباريات الرياضية، وأتابع ما يقوله عنها الناس، بل ألتزم بأوقاتهم، وأفرغ نفسى، وأرتب ظروفى وأغير ما يجب تغييره لتناسب أوقاتهم، ثم لا أجد نفس القدر من الوقت -على أقل تقدير- ولا أقدم نفس الاهتمام والحرص- إن لم يكن أكثر- لأقرأ القرآن فقد هجرت القرآن.

حين أقضى الساعات الطوال نائمًا كسلان، ثم لا أستقطع من هذه الساعات وقتًا للقرآن الكريم، فقد هجرت القرآن.

حين أقضى فى أعمالى المعيشية، والسعى على الرزق ساعات من اليوم، أطلب رزق الله الحلال، ولا أتصور استقطاعًا أو تقليصًا لهذا الوقت، ثم لا أجعل بعض الوقت لقراءة القرآن، فقد هجرت القرآن.

حين أحرص على متابعة الأخبار، على منابرها، أو من أفواه الناس، ثم لا أحرص على قراءة القرآن فقد هجرت القرآن.

حين أسمر مع الرفاق والأصدقاء لساعات وساعات، نتحدث فيما لا نفع فيه- إن لم يكن إثمًا- ثم لا أجد مثل هذا الوقت لقراءة القرآن فقد هجرت.

بل، حين تضطرنى الظروف للانتظار، فى وسائل مواصلات، أو أماكن قضاء المصالح، ثم يمر علي مثل هذه الأيام من دون قراءة القرآن فقد هجرت القرآن.

بل حين تجدنى فارغًا لست فى شئ من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ثم لا أقرأ القرآن فقد وقع الهجر.

وتلك كانت بعض النماذج لما أقع فيه، ولا ريب أن لدى كل منا ما يمكن إضافته، فبالجملة- نستطيع القول أننا مشغولون عن القرآن، مشغولون بما نتوهم أنه يفيد أحيانا- وبما نتيقن أنه لا يفيد فى الغالب، ولكن الحقيقة الكبرى أننا نحن مشغولون بما هو أدنى من القرآن، وأقل نفعًا! ونستثمر أعمارنا فيما هو أخس قيمة وأقل ربحًا! لذا فنحن الخاسرون، والتوبة واجبة لا محالة، والتغيير هو الحل.

وهذه التذكرة اليوم هى حول هجر القراءة فقط، لكن لجريمة هجر القرآن صور أخرى، نتعرض لها فى قابل الأيام- إن شاء الله، عسى أن نحسن الاستعداد لاستقبال ضيفنا العظيم المبارك، شهر القرآن، شهر رمضان.