يقول الشيخ (محمد الغزالي) ـ رحمه الله ـ في كتابه "خلق المسلم ": " ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﺼﺪﺭ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﺗﺠﻌﻞ ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻻ ﻳﺮﺑﻂ ﺑﻴﻦ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻩ ﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺫﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﺭﺑﻤﺎ ﻓﺸﻞ ﺣﻴﺚ ﻧﺠﺢ ﻏﻴﺮﻩ٬ ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺗﺨﻠﻒ ﺣﻴﺚ ﺳﺒﻖ ﺁﺧﺮﻭﻥ. ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻐﺒﺎء ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﺎﻋﺔ ﺃﻥ ﺗﻠﺘﻮﻯ ﺍﻷﺛﺮﺓ ﺑﺎﻟﻤﺮء ﻓﺘﺠﻌﻠﻪ ﻳﺘﻤﻨﻰ ﺍﻟﺨﺴﺎﺭة ﻟﻜﻞ ﺇﻧﺴﺎﻥ، ﻻ ﻟﺸﻲء ﺇﻻ ﻷﻧﻪ ﻫﻮ ﻟﻢ ﻳﺮﺑﺢ..

ﺛﻢ ﺇﻥﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻭﺳﻊ ﻓﻜﺮﺓ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﻋﺎﻃﻔﺔ، ﻓﻴﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻻ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺷﻬﻮﺍﺗﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ.

ﻭﺟﻤﻬﻮﺭ ﺍﻟﺤﺎﻗﺪﻳﻦ ﺗﻐﻠﻰ ﻣﺮﺍﺟﻞ ﺍﻟﺤﻘﺪ ﻓﻰ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻷﻧﻬﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﺠﺪﻭﻥ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﻮﻧﻪ ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺪ ﻓﺎﺗﻬﻢ ﻭﺍﻣﺘﻸﺕ ﺑﻪ ﺃﻛﻒ ﺃﺧﺮﻯ ... ﻭﻫﺬﻩ ﻫﻰ ﺍﻟﻄﺎﻣﺔ ﺍﻟﺘﻰ ﻻ ﺗﺪﻉُ ﻟﻬﻢ ﻗﺮﺍﺭﺍ

ﻭﻗﺪﻳﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﺃﻥ ﺍﻟﺨﻄﻮﺓ ﺍﻟﺘﻰ ﻳﺘﺸﻬﺎﻫﺎ ﻗﺪ ﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﺁﺩﻡ، ﻓﺂﻟﻰ ﺃﻻ ﻳﺘﺮﻙ ﺃﺣﺪﺍ ﻳﺴﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺣﺮﻣﻬﺎ.

” ﻗﺎﻝ ﻓﺒﻤﺎ ﺃﻏﻮﻳﺘﻨﻲ ﻷﻗﻌﺪﻥ ﻟﻬﻢ ﺻﺮﺍﻃﻚ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ * ﺛﻢ ﻵﺗﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻭﻣﻦ ﺧﻠﻔﻬﻢ ﻭﻋﻦ ﺃﻳﻤﺎﻧﻬﻢ ﻭﻋﻦ ﺷﻤﺎﺋﻠﻬﻢ ﻭﻻ ﺗﺠﺪ ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ ﺷﺎﻛﺮﻳﻦ" .. انتهي كلام الشيخ الغزالي .

إن سلامة الصدر من النعيم المعجل للعبد في هذه الحياة، بل هو جنة الدنيا ولذة العيش: أن يرزق الله العبد نعمة سلامة الصدر على كل من عاش معه، أو خالطه، بل على كل أحد! فقلبه أبيض من ثوبه، يرى أن لكل مسلم عليه حقاً، وليس له حق على أحد، ولذا فحياته طيبة مطمئنة، يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه.

وجاءت سلامة الصدر في القرآن الكريم: فقال الله تعالى] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10).

قال ابن رجب: )أفضل الأعمال سَلَامة الصَّدر من أنواع الشَّحْناء كلِّها، وأفضلها السَّلَامة من شحناء أهل الأهواء والبدع، التي تقتضي الطَّعن على سلف الأمَّة، وبغضهم والحقد عليهم، واعتقاد تكفيرهم أو تبديعهم وتضليلهم، ثمَّ يلي ذلك سَلَامة القلب من الشَّحْناء لعموم المسلمين، وإرادة الخير لهم، ونصيحتهم، وأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، وقد وصف الله تعالى المؤمنين عمومًا بأنَّهم يقولون: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ( [الحشر: 10]

وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها: [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ] [الحجر: 47] 

وسلامة الصدر من أسباب دخول الجنة فقصة الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة..................إلى آخر الحديث "

وذكر قصة سيدنا عبد الله بن عمرو مع هذا الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ..... الحديث ويقول ابن رجب رحمه الله عن بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة أرأيتم كيف شهد النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه بالجنة مع شهادة الرجل على نفسه أنه ليس كثير صلاة فما السر في ذلك؟ هو سلامة الصدر.

وهذا سيدنا  أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

وقد اعتبر الإمام حسن البنا – رحمه الله – أن سلامة الصدر من الأحقاد من أدنى علامات تحقق الأخوة بين المسلمين، حين تحدث عن الأخوة بين العاملين للإسلام واعتبرها ركنا من أركان الانتماء للدعوة، وذكر أن الأخوة أخت الإيمان والتفرق أخو الكفر، وأن الأخوة مراتب أدناها (سلامة الصدر من الأحقاد)، وأعلاها (الإيثار).

سلامة الصدر ونقاء السريرة وصفاء النفس من الأمور الدالة على الإيمان والطمأنينة واليقين ومن داوفع العمل الصالح، ومن موجبات الأجر والثواب وهي صفات تقرب صاحبها من الأعمال التي تفتح له أبواب الخير، وتورده مسالك الطريق إلى الجنة.