في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر وانخفاض قيمة الجنيه، نشرت وكالة رويترز تقريراً كشفت فيه عن وجه آخر للمعاناة التي يعيشها المصريون، إذ سلطت الضوء على قصة الشباب الذين كانوا يخططون للزواج، لكن تدهور العملة والأزمة التي تعيشها البلاد جعلا من "فرحة العمر"،  "مهمة مستحيلة" يحاولون الخروج منها بأقل الأضرار.

حيث قالت إن ندى وخطيبها كانا قد أنهيا في شهر مارس الماضي رحلتهما في البحث عن الشقة التي طالما تمنيا أن تكون هي "عش الزوجية".. ولم يكد يمر ثلاثة أسابيع حتى باغتهما هبوط الجنيه المصري 14% مقابل الدولار الأمريكي، وتغيرت معه كل خططهما.

وسمح نظام الانقلاب للجنيه بالهبوط نحو 50% مقابل الدولار خلال العام الماضي بعد إبقائه ثابتا لما يقرب من عامين، فيما أوضحت بيانات رسمية هذا الشهر أن التضخم السنوي ارتفع إلى 21.3% في ديسمبر، وهو أعلى مستوى في خمس سنوات، متأثراً بضعف العملة والقيود على الواردات.

الأزمة الاقتصادية والزفاف

الشابة المصرية ندى التي طلبت عدم نشر اسمها بالكامل، كما هو الحال مع كل من شاركن في هذا التحقيق قالت: "كنا نأمل في الانتهاء من تجهيزات الشقة والزواج بحلول يوليو المقبل، لكن ارتفاع الأسعار حال دون ذلك، وقررنا التخلي عن تجهيز الشقة والإقامة في شقة مستأجرة كحل بديل.

ولم تكن ندى العروس الوحيدة التي قدمت بعض التنازلات من أجل التكيف مع الصدمات الاقتصادية المتكررة، فمثلها مثل نادية، التي كان من المقرر أن تتزوج بحلول شهر مايو القادم، ولكن تم تأجيل الزواج إلى أجل غير مسمى حتى تتمكن هي وخطيبها من استكمال تكاليف الشقة.

كانت نادية تحلم بحفل زفاف على ضفاف نهر النيل يجمع كل أفراد أسرتها وأصدقائها، ولكن بعد أن سمح البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة العملة للمرة الثانية في أكتوبرأصبح هذا الحلم بعيد المنال، إذ قالت نادية: "في الأول كان خطيبي قايلي ممكن نعمل الفرح اللي إنتي عايزاه، بس بعد الأسعار ما عليت قالي أنا آسف إني هرجع في كلامي، لكن ممكن ما أقدرش (أستطيع) أعمل فرح كبير".

وحينما تتحسن ظروفهما المادية، ستقيم نادية وخطيبها حفلاً بسيطاً بأحد المساجد لإتمام شعائر الزواج، وهو الاتجاه الذي لجأت له العديد من العرائس من أجل توفير تكاليف حفلات الزفاف الباهظة، ومن بينهن مريم التي ستكتفي بإقامة حفل الزواج الديني بإحدى الكنائس.

وأوضحت مريم: "أنا شايفة إن في حاجات ليها أولوية أكثر. لو البيت مش خلصان ليه أرمي فلوس في الفرح لو ممكن أكمل بيها حاجات في البيت؟". وأكدت عدم تأثرها بالعادات الاجتماعية "مش لازم أدفع كل اللي معايا عشان الناس تبقى راضية.. التكلفة أنا ممكن أجيب بيها حاجات تعتبر رفاهيات أو كماليات أو حتى أتفسح بها".

فيما لم يقتصر التوفير على فكرة الاستغناء عن حفلات الزفاف فقط، فقد لجأت بعض العرائس لسبل أخرى لترشيد المصروفات المالية، مثل "ن.م" المتزوجة منذ ثلاثة أشهر والتي أيضاً اقتصر حفل زواجها على عرس بأحد المساجد.

قامت "ن.م"، التي طلبت الإشارة إليها بالحروف الأولى من اسمها، وزوجها بالتوفير في مستلزمات الزواج قدر المستطاع: "اشترينا سجادة واحدة في البيت، واستغنيت عن غرفة الأطفال ومرايات الحمام". وأضافت: "بعد كل تعويم للجنيه، كل اللي ممكن نتحمل تكلفته كان بيقل".

حلول بديلة لمواجهة الأزمة

ولمزيد من التوفير، لم تستعن ندى بخبيرة تجميل يوم "كتب الكتاب" مثلما تقوم العديد من النساء، بل قامت بشراء مستلزمات التجميل الخاصة بها واستعانت بفيديوهات لتعليم أساليب وضع المكياج لتتزين بنفسها.

وتتجه العديد من العرائس إلى الاستعانة بخبرات صديقاتهن المتمكنات من تزيين الوجه وتجميله للحد من مصاريف يوم الزفاف، الأمر الذي أثر على دخل بعض خبراء التجميل.

وقالت إحدى خبيرات التجميل والتي رفضت نشر اسمها خوفاً من زيادة تأثر عملها سلباً، إن ارتفاع الأسعار وعدم إقبال العرائس على إقامة حفلات الزفاف التقليدية كان له وقع شديد على دخلها.

وأضافت أنه في عام 2021 قامت بتجميل ما يقرب من 40 عروسة في يوم زفافهن لينخفض العدد إلى حوالي 25 عروسة في العام الماضي بعد تراجع الجنيه.

وتابعت: "اللي بصرفه أكثر بكثير من اللي أنا باخده ومن اللي بدفعه أنا بدفع للمساعدة بتاعتي، وبدفع مواصلات وثمن المكياج اللي بستخدمه. فأي رقم أنا بحطه بيبقى عشان أفضل أشتغل ويفضل اسمي في السوق. لكن لو هنتكلم على المكسب، مافيش مكسب".

ورغم استعداد الكثير من المقبلات على الزواج للتنازل عن إقامة حفل الزفاف الذي طالما حلمن به، فقد اتفقن جميعاً على عدم التنازل عن ارتداء فستان الزفاف الأبيض، لكن بعضهن على استعداد للبحث عن طرق مختلفة لتوفير تكلفة الفستان مثل تأجيره أو اختيار تصميمات بسيطة لا تحتاج لأقمشة مرتفعة الثمن.

وعند سؤالها عن استعدادها للتضحية بفستان الزفاف قالت نادية: "لأ مش لدرجة الفستان، أنا عروسة.. بس مش لازم فستان مكلف، هدور على حاجة بسيطة"، ولكنها كانت أكثر تقبلاً لاعتذار خطيبها عن إقامة حفل الزفاف كما وعدها من قبل: "هي ظروف أنا اتحطيت فيها فأنا هقبل بالأمر الواقع عشان أعيش راضية".

وتشهد الأسر المصرية، بمختلف مستوياتها الاقتصادية، تآكلاً سريعاً في قدرتها الشرائية. فخلال الشهور الأخيرة، تظاهر العشرات بسبب تأخير تسليم السيارات الجديدة بسبب القيود المفروضة على الاستيراد وانخفاض قيمة العملة المحلية.

حذرت مؤسسة Moody الائتمانية في شهر مايو من "المخاطر الاجتماعية والسياسية"، وخفضت توقعاتها للاقتصاد المصري لهذا العام من مستقرة إلى سلبية. ويبدو أن حكومة الانقلاب تشاركها تلك المخاوف.