يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذاريات)، هذه هي الغاية من وجود كل فرد، أي حياته كلها عبادة.. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام)، فالفهم الشامل للعبادة ليس الشعائر التعبدية فقط من صلاة وصيام وزكاة، ولكن كل الأعمال اليومية الدنيوية أيضًا يمكن أن نحولها إلى عبادة بالنية من عملٍ وظيفي أو الطعام، النوم، الزواج، تربية الأبناء.. فننال بها الثواب العظيم من الله سبحانه وتعالى، فنُطوِّع حياتنا كلها لله ونصرة دينه.

فأنتِ أختي الحبيبة المسئولة عن أسرة عبارة عن قلعة من قلاع الإسلام فلا بد أن تكونِ قلعة متماسكة من داخلها، وكل فردٍ فيها لا بد أن يسدَّ أية ثغرةٍ فيها قبل أن يذهب بدعوته بعيدًا.
واعلمي أختي أن البيت المسلم بكل مَن فيه وكل ما فيه ملك لله، فيجب أن تراعي فيه طاعة الله عز وجل.

بعض الأسس في تأسيس هذا البيت:

- أسسيه على كتاب الله وسنة نبيه؛ فقد تم عقد الزواج أساسًا على ذلك.

- استحضري النية في كل عملٍ تقومين به داخل بيتك "إنما الأعمال بالنيات"

- ابذلي أقصى ما تستطيعين من جهدٍ فإن الله سيجزيك أضعافًا مضاعفة جنةً فيها ما لا عينُ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، واعلمي أن كل إنسانٍ عنده طاقة داخلية قوية جدًّا، ولكنه لا يستخدمها جيدًا فاستخدمي طاقتك بكفاءة واشغلي وقتك كله بما يرضي الله.

- سمعك وبصرك وبدنك وعواطفك وأولادك كلها أمانات ستحاسبين عليها فاجعليها في طاعة الله كذلك عقلك.

- تذكري ما أنت عليه من نعمة (زوج، وبيت، وأولاد) وتذكري كم من امرأةٍ حُرمت الزوج والأولاد، فاحمدي الله على هذه النعم يزدها لكِ.

أختي الحبيبة كوني كالنحلة تقع فلا تُكسر وتأكل فلا تفسد ولا تضع إلا طيبًا.

فبيتك هو حديقة أزهارك التي تشرح الصدر وتثمر الخير

فليكن بيتك بيتًا ربانيًا بيت قدوة في مظهره ومخبره

- وذلك بتوزيع المسئوليات بين كلٍّ من الزوج والزوجة لتستقم الحياة.

- كذلك التعاون بينهما لكمال تلك المسئولية لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده، وهو مسئول عنه. ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته" (حديث صحيح عن عبد الله بن عمر).

مسئوليات الرجل :

1- ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ (النساء: من الآية 34) فعلى المرأة أن ترجع إلى رأيه في الأمور الأُسرية، كما أن هذه الرئاسة ليست استبدادًا بل شورى، وهي أمر شرعي.

2- الإنفاق على الأسرة فهو الذي يتعب من أجل ذلك ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34).

مسئوليات المرأة:

1- طاعة الزوج في كل شيء بقدر استطاعتها ما عدا ما يُغضب الله لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف".

2- تربية أبنائها، وهذا الأمر مشترك بينهما.

وعلى كلٍّ من الزوجين أن يعملا على تنمية المودة والرحمة وحُسن العشرة بينهما، وكذلك على الزوجين الارتقاء بأهل البيت في جميع جوانب الحياة.

 

 الصورة غير متاحة

الصلاة على وقتها ترتقي بإيمان الأسرة

 

وذلك بـ:

1- الارتقاء الإيماني: لكل أهل البيت رجالاً ونساءً وأطفالاً مثل:

- الصلاة على أول وقتها للرجال والأولاد في المسجد والنساء جماعة في البيت والسنن المؤكدة، التبكير بصلاة الجمعة، وكذلك الاهتمام بصلاة الفجر (كل البيت)، "مَن صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى" (إسناده صحيح عن سمرة بن جندب).

- اشتراك الأسرة أو الزوجين في طاعةٍ مثل: صلاة قيام، تسميع قرآن، صيام، فهي تقوي العلاقة الأسرية أيضًا، استغلال المناسبات الإسلامية لتقوية الإيمانيات كما في رمضان.
- الأذكار، تلاوة القرآن (الورد اليومي) حبذا لو كان جماعيًَّا في بعض المرات، صيام النوافل مثل الإثنين والخميس، 3 أيام نصف الشهر.

- جلسات أسبوعية لأفراد الأسرة داخل البيت وخارجه (مسجد أو لقاء)؛ وذلك للثقافات الإسلامية والفقهية.

- حثهم على القراءة ومعرفة أحوال العالم الإسلامي.

- تحقيق الإيمانيات في حياتنا العملية من مراقبة الله في تصرفاتنا وإخلاص وتقوى وحب العمل لله؛ وذلك من الصغر، متابعتهم في عباداتهم.

 

2- (الارتقاء الأخلاقي): علاقة الأسرة داخل البيت:

وذلك من حسن العشرة مع الزوج والأولاد وأدب الأولاد مع الوالدين:

 الصورة غير متاحة

 القرآن الكريم يسمو بأخلاقنا ويعلمنا الأدب

- أن يكون الأصل في التعامل الحلم والحكمة وعدم العصبية وخفض الصوت وترك الجدل والخصومة، الإحسان إلى الزوج والأبناء بحسن تأديبهم فلا نسكت على سوء خلق أو سوء تصرف ونقول إنهم صغار ولا يفهمون.. لا، بل نوضح لهم الصواب من الصغر حتى يعتادوا الخير لقول ابن مسعود رضي الله عنه "عودوهم الخير؛ فإن الخير عادة"، وحثهم على حسن الخلق من صغرهم، كما ينبغي على كل فردٍ أن يخفض جناحه للآخرين والأم أولى بذلك.

- اجعلي نيتك في تربية أبنائك لله أن يكونوا من عباد الله الصالحين النافعين للإسلام، وأن ما تبذلينه من جهدٍ لخدمة أهل بيتك؛ خدمةً لعباد الله الصالحين، وأن الله سيجزيك عنه خير الجزاء.

- بعد أن تعلمي أبناءك أي أمرٍ تابعيهم حتى لا يقصروا فيه بعد ذلك، ولا تغفلي عنهم حتى لا يتركوه وأنت لا تشعرين.

- أنتِ قدوة لأبنائك في كل شيء، فكوني على قدر هذه القدوة.

 

3- العلاقات خارج البيت:

- حسن الصلة بذوي الأرحام بزيارتهم واستقبالهم ونقوم بحق الإكرام لهم سواءٌ من طرف الأم أو الأب (الزوجين) وغرس هذا المعنى في الأبناء.

- حسن الصلة بالجيران فهم آمنون إليه ومطمئنون مرتاحون معه حريصون عليه؛ لأنه يراعى حقوقهم ويكفَّ الأذى عنهم، فلا نرفع صوت المذياع أو التلفاز، فالبيت المسلم بيت هادئ لا يؤذي جاره برفع الصوت أو تنقيط الغسيل عليه، أو وضع القمامة أمام بيته، وأن يستأذنه في الزيارة ولا يزعجهم بضجيج الأولاد.

- ينبغي عدم التدخل الزائد مع الجيران، فلا نفتش عن أسرار البيت، ولا نتحدث بها خارجه.

- حسن التعامل مع زملاء العمل والجامعة والمدرسة.

- استقبال الضيوف وإكرامهم، فالبيت الذي تدخله الضيوف تدخله الملائكة مع عدم التكلف الزائد للضيف (فالكلفة مقدمة البخل).

- حسن الصحبة في المسجد والنادي.

4- النظام والنظافة:

النظافة من الإيمان.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله جميل يحب الجمال"، فيجب مراعاة الآتي:

- المحافظة على النظام والنظافة في كل ركن وقطعة في البيت، في جميع الحجرات حتى المطبخ والحمامات.

- أختي الحبيبة.. قبل طهارة المكان والبدن طهارة النفس من الذنوب.

- بيتك هو موطن السكن والمودة والرحمة والربانية ولقاء الزوج والأسرة، فهو يحتاج إلى تنظيف وترتيب وتجميل، وأن يكون هذا بصفة دائمة.

- كذلك النظام بوضع كل شيء في مكانه، وتعويد الأبناء على ذلك، فهذا يُوفِّر الوقت ويريح الأعصاب، ونُعود الأبناء على ترتيب أدواتهم الشخصية وحجراتهم، بل ومساعدة الأم في العطلات، فالمداومة على النظافة والنظام تجعل النفس لا تألف الفوضى وعدم النظام.

- يمكن عند ترتيب كل حجرة ذكر أو تسبيح أو استغفار.

- كذلك نظافة البدن بالاستحمام وتعويد الأنباء على ذلك، والحرص على الوضوء الدائم ما استطاعوا، فلا نخرج مثلاً إلاَّ على وضوءٍ، وكذلك نظافة الملابس.

وفقنا الله إلى ما يحبه ويرضاه، وتقبل الله منا هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم.. اللهم آمين.