بسم الله الرحمن الرحيم

إن الإخوان المسلمين لم ولن يكونوا في يومٍ من الأيام إلا دعاةَ خيرٍ، يبتغون مصلحةَ الوطن وأمنَه واستقرارَه ومصلحةَ الأمة ونهضتَها ورقيَّها، يعملون لوجْهِ الله، ولا يرجون من أحد غيره جزاءً ولا شكورًا؛ ولذلك فقد آلَمَنا أشدَّ الإيلام ما صرَّح به السيد الرئيس قبل أيام، من أننا خطرٌ على أمْنِ مصر؛ لأننا ننتهج نهجًا دينيًّا، وهذا يقطع بأن هناك مِن أصحاب القرار مَن لا يعرف حقيقتَنا، ولقد سبق أن نادَيْنَا كثيرًا أن اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا، وأنَّ قلوبَنا وعقولَنا مفتوحةٌ لكل حوار، وأيدينا ممدودة للتعاون مع كل مخلص للوطن على البر والتقوى، ولكن للأسف لم يستجب لنا أحد.

 

إن أمن مصر نفتديه بأرواحنا وأولادنا وأموالنا، فنحن على مستوى الفكر رفَضْنا عقيدةَ التكفير داخل السجون، رغم ما كان يحيق بنا من أليم العذاب، وأصدر إمامنا الهضيبي- رحمه الله- كتاب (دعاة لا قضاة)، وفاصلنا مَن تَبَنَّى هذه العقيدة وأخرجناه من زمرتنا؛ لعلمنا أنها مقدمةٌ للعنف الذي يمسُّ أمن مصر واستقرارها، وبعد خروجنا من السجون ظللنا ندعو إلى الفكر الإسلامي الصحيح وحمَينا- بفضل الله- مئات الآلاف من الشباب من الوقوع في منزلق التكفير والعنف وحمل السلاح، وأدنَّا كل أعمال الإرهاب وصوره ومصادره، وعندما تَراجع قادة الجماعة الإسلامية عن أفكارهم، وأصدَروا كتبًا بمراجعاتهم الفكرية لم يفعلوا إلا أن اقتربوا من أفكارنا ونقلوا عن بعض علمائنا وهو ما رحَّبنا به.

 

وعلى مستوى العمل فقد كنا وكان مرشدنا الراحل عمر التلمساني- رحمه الله- صمامَ أمان لإطفاء نار فتن طائفية في الزاوية الحمراء وغيرها، وغير طائفية في أماكن كثيرة، وشهد بذلك النبوي إسماعيل- وزير الداخلية الأسبق- ورغم الاضطهاد الشديد الذي طالَنا قديمًا وحديثًا، ولا يزال!! لم تمتد يدُ أحدٍ منا بالسوء إلى أحد، وإنما نصبر ونحتسب.

 

ولقد سبق للرئيس مبارك أن صرَّح لصحفيٍّ فرنسيٍّ سنة 1994 أن الإخوان جماعة يلتزمون بالعمل السلمي ويترشَّحون للنقابات والبرلمان، ولا شأنَ لهم بالعنف، وصرَّح قُبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن مِن حقِّهم أن يترشَّحوا كمستقلين، وعندما ترشَّحنا منَحَنا نحو ثلاثة ملايين ناخب ثقتَهم، ونجح لنا- بفضل الله- ثمانية وثمانون مرشحًا، هذا غير الذين مُنعوا من الإدلاء بأصواتهم من الناخبين، ومَن أُسقطوا من المرشَّحين بغير حق، وأداء نوابنا في مجلس الشعب منذ عام 1984 وحتى الآن يشهد بحِرصهم التامّ على المصلحة الوطنية وأمن الوطن واستقراره، وتحقيق رخائه وازدهاره، فهل يمكن بعد ذلك كله أن نكون خطرًا على أمن مصر؟! وهل يمكن أن ينتخب المصريون مَن يهدِّد أمنَهم وأمنَ وطنهم؟!

 

أما استعراض طلبة الأزهر الذي اتُّخِذَ ذريعةً للتصعيد والاعتقال، وضرب المصالح الاقتصادية للأفراد والعمال والشركات.. فهو حادثٌ فريدٌ في تاريخ ناصع استمر أكثر من ثلاثة عقود، خصوصًا إذا نظرنا إليه بإنصاف في إطار ظروفه وملابساته، ومع ذلك فقد استنكرناه واعتذر عنه فاعلوه، وكان المتوقَّع أن يتم تجاوزه بعد ذلك، على الأقل حرصًا على مستقبل هؤلاء الشباب، مثلما حدث في واقعة أخرى من آخَرِين سبَّبت أضرارًا في الناس والممتلكات.

 

أما أن يُعزَى الخطر على الأمن لأننا نتبع نهجًا دينيًّا فهو أمرٌ غريبٌ، فالنهج الذي نتبعه هو النهج الإسلامي الذي تؤكد عليه المادة الثانية من الدستور، والثابتة في كل دساتير مصر منذ عرفت دستورًا مكتوبًا؛ حيث دين الدولة هو الإسلام، والذي يسعى لإقامة الحق والعدل والمساواة، ويحترم حقوق الإنسان وكرامته، ويقدِّس حرياته العامة، ويجعل الشعب مصدرَ السلطات، ويقيم الأخلاق ركنًا ركينًا في كل أنشطة الحياة..

 

فالسياسة لا بد أن تكون مبرَّأةً من الكذب والغشّ والخداع، ونقض العهود وخيانة الأمانة والتزوير، واغتصاب السلطة والاستبداد بها، وتقنين الظلم وقهر إرادة الشعب، وسجن المخالفين والتحالف بين السلطة والثروة، والهيمنة على التشريع والقضاء.

 

والاقتصاد لا بد أن يكون قائمًا على الأمانة والشفافية والإتقان والعلم والتخطيط وعدم الإسراف والتبذير..

 

والاجتماع لا بد أن يقوم على التعاون والتكافل والتراحم والمساواة وتكافؤ الفرص، والتقريب بين الطبقات ومحاربة الفساد والبطالة.. إلى آخر ما قرَّره المنهج الإسلامي للإصلاح الذي يُعنَى بإصلاح النفس والباطن، مع إصلاح الواقع والظاهر، فكيف يمثل هذا النهج خطرًا على أمن البلاد؟!

 

أما إذا كان المقصود بالنهج الديني هو احتكار الحقيقة والحكم بالحق الإلهي وعصمة الحكَّام والتفرُّد بالسلطة، والتمييز بين المواطنين على أساس العقيدة أو المذهب أو الدين.. فهذا لا يعرفه الإسلام ولا يقرُّه، ولذلك فنحن نرفضه ونأباه.

 

أما الذي يتسبَّب في هروب المستثمرين فهو الاستبداد والفساد وقانون الطوارئ، الذي تم في ظله اعتقال عشرات الآلاف، دون تحقيق ولا اتهام ولا محاكمة لمدد تجاوزت العشر سنوات، وهو المحاكم الاستثنائية، وهو جحافل الأمن المركزي التي توحي للغريب أن البلد في حالة حرب، وهو الاعتداء المستمر على حقوق الإنسان وكرامته ومصادرة حرياته وعدم احترام أحكام القضاء، والفساد المستشري في كل قطاعات الدولة والذي يتحدث عنه الجميع في الداخل والخارج، والذي وضع مصر في ذيل قوائم الدول في مجالات التنمية والشفافية واحترام حقوق الإنسان وجذب الاستثمار.

 

ولذلك فنحن نطالب بتعاون الجميع- مَن في السلطة ومَن في المعارضة- على العمل على القضاء على كل هذه الأسباب؛ لكسر الأغلال التي تعوق مصر عن الانطلاق لتتبوأ المكانة التي تليق بحضارتها وتاريخها وريادتها، وأما ما يُثيره الغرب من التخويف بالحصار والتضييق، فلا يصح مطلقًا أن نتخلَّى عن مبادئنا ومصالحنا لذلك، وإنما يجب أن نزداد اعتصامًا بالله، وتوحُّدًا فيما بيننا، والتحامًا بين الحكومة والشعب، وإنكارًا للذات، والتنافس الشريف على خدمة المصالح العامة، والتماس أسباب القوة المادية والمعنوية بالعلم والعمل والإنتاج والإتقان، والتعاون مع أصحاب قيم الحرية والعدل والسلام والمساواة.

 

وأخيرًا وليس آخرًا.. نقرر أن مصر هي روحنا، وأن أمنها أغلى من أمننا، وأن رفعتها وسيادتها وتقدمها هو هدفنا، ولن نكون يومًا من الأيام خطرًا عليها.

 

ونكرر أن قلوبنا وعقولنا مفتوحة للحوار، سواءٌ مع أهل الحكم أو فصائل المعارضة من أجل مصلحة مصر، وأيدينا ممدودة للتعاون مع الجميع بغير استثناء ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. (المائدة: من الآية 2).

 

محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة: الثلاثاء 27 من ذي الحجة 1427هـ= الموافق 16 يناير 2007م.