ممدوح الولي

أشار التقرير السنوي عن الإحصاءات الثقافية لعام 2021، الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط المصرية، إلى بلوغ عدد النسخ اليومية الموزعة من الصحف التسع اليومية الصباحية باللغة العربية 351 ألف نسخة، ليصل المتوسط اليومي لتوزيع الصحيفة الواحدة إلى 39 ألف نسخة. وهذا في بلد يتخطى عدد سكانه مائة مليون نسمة، مع الأخذ في الاعتبار بشمول تلك الأرقام النسخ المجانية، التي توزعها الصحف على الجهات الحكومية كالمرور لتسهيل مهمة سياراتها ونحو ذلك.

وانخفض التوزيع المحلي للصحيفتين اليوميتين الصادرتين باللغة الإنجليزية إلى أقل من خمسين نسخة، وبلغ عدد نسخ الصحيفة اليومية باللغة الفرنسية 315 نسخة، وبلغ المتوسط اليومي لتوزيع صحيفة الوفد الحزبية اليومية 1501 نسخة، وعدد النسخ لصحيفة الأهالي الأسبوعية الصادرة عن حزب التجمع 12 ألف نسخة، أما التوزيع الخارجي فبلغ 5840 نسخة للصحف اليومية التسع الصادرة باللغة العربية، و1118 نسخة للصحيفة الصادرة باللغة الإنجليزية.

ولا تنشر المؤسسات الصحفية القومية التابعة للدولة أرقام التوزيع الخاصة بها، ونفس الأمر بالنسبة لميزانياتها، رغم نص المادة 23 بقانون تنظيم الصحافة الصادر عام 1996، على قيام المؤسسات الصحفية القومية بنشر قوائمها المالية كل ستة أشهر، وأن توافي جهاز المحاسبات بالحسابات الختامية خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية.

        تأخر اعتماد القوائم المالية للمؤسسات

وقد أشارت بيانات الهيئة الوطنية للصحافة المشرفة على تلك المؤسسات القومية، بديلا عن المجلس الأعلى للصحافة منذ أواخر عام 2016 إلى أن آخر قوائم مالية وافقت عليها الجمعيات العمومية بتلك المؤسسات تعود إلى عدة سنوات سابقة، حيث إن الجمعية العمومية بمؤسسة الأهرام قد اعتمدت في أبريل 2021 القوائم المالية لعامي 2013/ 2014 و2014/ 2015، أي أن هناك سبع سنوات مالية لم يتم اعتماد قوائمها المالية بعد، وتكرر ذلك بباقي المؤسسات الصحفية، فمؤسسة دار الهلال قد اعتمدت خلال عام 2022 القوائم المالية لعامي 2015/ 2016 و2016/ 2017 وبالتالي فما زالت لديها ست سنوات لم تعتمد قوائمها المالية.

وفي مؤسسة أخبار اليوم تم عام 2021 اعتماد القوائم المالية لثلاثة أعوام مالية من 2013/ 2014 حتى 2015/ 2016، وفي العام الماضي تم اعتماد قوائم مالية لعامي 2016/ 2017 و2017/ 2018، لتبقى لها أربع سنوات لم تعتمد بعد، وهو نفس عدد سنوات القوائم المالية غير المعتمدة بمؤسسة دار التحرير.

أما باقي المؤسسات وهي: روزا اليوسف ودار المعارف ووكالة أنباء الشرق الأوسط، فما زالت لديها ثلاث سنوات مالية لم يتم اعتماد قوائمها المالية بعد.

ورغم عدم نشر أي تفاصيل عن بيانات أي مؤسسة من تلك المؤسسات الصحفية القومية فإنها خاسرة، وهو ما أشار إليه رئيس الهيئة الوطنية للصحافة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، حينما صرح بأنه قد تم خفض الخسائر بالمؤسسات الصحفية بنسبة 10% منذ 2018.

ويؤكد هذه الخسائر قيام الهيئة الوطنية خلال العامين السابقين، بزيادة رؤوس أموال غالبية المؤسسات بقيمة الإعانات التي حصلت عليها من الهيئة، والتي ترد أصلا من وزارة المالية لتصل إلى المؤسسات عبر الهيئة، وهو ما يعني أن الخسائر قد أدت إلى تآكل حقوق الملكية بها فاحتاجت إلى تعويض ذلك، كما يشير من ناحية أخرى إلى كبر حجم الإعانات التي تقدمها الحكومة لتلك المؤسسات سنويا.

فقد كشفت بيانات الهيئة الوطنية للصحافة عن حصول مؤسسة أخبار اليوم على دعم بقيمة 195 مليون جنيه في العام المالي 2016/ 2017، و198 مليون جنيه في العام المالي 2017/ 2018، ولم يعلن باقي قيمة الدعم لنفس المؤسسة في السنوات التالية نظرا إلى عدم اعتماد قوائمها المالية بعد.

وهو الدعم الذي تكرر بباقي المؤسسات الصحفية القومية ولم تُعلَن قيمته أيضا، وأكد تصريح رئيس الهيئة في نوفمبر 2021 أن الدعم المقدم من وزارة المالية للمؤسسات الصحفية القومية يمثل نسبة 35% من أجور العاملين بها.

       ديون المؤسسات تتخطى 14 مليار جنيه

وإذا كان رقم خسائر المؤسسات الصحفية غير معلن، فإن رقم ديون تلك المؤسسات المتراكمة قد بلغ 13.9 مليار جنيه حتى أغسطس 2020 حسب تصريح الهيئة الوطنية للإعلام، حينما أصدرت بيانا في يناير2021 تنفي فيه تصريح وزير الإعلام حينذاك، الذي ذكر خلاله أن ديون تلك المؤسسات 22 مليار جنيه أو تزيد.

لكننا نرى أن الرقم الحقيقي أكبر مما ذكرته للهيئة، لأنه حتى ذلك الحين لم تكن غالبية القوائم المالية قد تم اعتمادها، وهو ما لم يحدث أيضا حتى الآن، وإذا كانت قد حصرت الأمر في ديون البنوك فهناك ديون للمرافق من مياه وكهرباء وغيرها من مستحقات للموردين.

أما خسائر الهيئة الوطنية للإعلام فهي معلنة لكونها هيئة اقتصادية، حيث بلغت 62 مليار و945 جنيها حتى منتصف 2020، رغم ما تحصل عليه من الدولة سنويا لدفع الأجور والمساهمات، وذلك فضلًا عن 8.5 مليارات جنيه هي خسائر العام المالي 2020/ 2021، ليصل إجمالي الخسائر إلى 71.5 مليار جنيه، ولم يتم بعد إعلان رقم خسائر العام المالي الأخير 2021/ 2022.

ويظل السؤال حول أسباب خسائر تلك المؤسسات الصحفية، رغم ما تتميز به من الحصول على النصيب الأكبر من إعلانات الجهات الحكومية، التي تمثل لاعبا رئيسيا بسوق الإعلانات خاصة فيما يخص المناقصات والعطاءات الحكومية. ويعد المضمون التحريري الحكومي سببا رئيسيا في ذلك، حيث يقل تناولها للقضايا الجماهيرية.

فرغم معاناة الجمهور من مشكلة ارتفاع الأسعار فمن النادر أن تتناول هذه الصحف التطورات السعرية للسلع الرئيسية، ولم تذكر مطلقًا أسعار الدولار بالسوق السوداء الموجودة منذ مارس الماضي وحتى الآن، وتلتزم تماما بضوابط النشر الرسمية، مثلما امتنعت عن نشر خبر وفاة المستشار طارق البشري أو عن خبر القبض على رئيس التحرير الأسبق، أو حتى خبر الإفراج عن رجل الأعمال صفوان ثابت وابنه، أو خبر تولي الحزب المعارض ذو التوجه الإسلامي رئاسة الوزارة في ماليزيا مؤخرا وهكذا.

    أكثر من 5.5 مليارات للإعلام بالموازنة الحالية

وحفلت موازنة الدولة في العام المالي الحالي 2022/ 2023 بالعديد من البنود الخاصة بتمويل الجهات الإعلامية الحكومية، ومنها 482 مليون جنيه للهيئة الوطنية للصحافة، و230 مليون جنيه للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، و8 ملايين جنيه لوزارة الدولة للإعلام، و340 مليون جنيه لهيئة الاستعلامات، وإذا كانت محصلة تلك الجهات تتخطى مليار جنيه، فإن الهيئة الوطنية للإعلام المشرفة على القنوات التلفزيونية والإذاعات الحكومية تحصل على أكثر من ذلك.

فهي تحصل شهريا على 220 مليون جنيه لأجور العاملين بمبنى ماسبيرو منذ عدة سنوات، وتضمنت موازنة العام الحالي مليارًا و845 مليون جنيه للهيئة الوطنية للإعلام، لتعويض خسائرها المستمرة، ليصل نصيب الهيئة من الموازنة إلى 4 مليارات و485 مليون جنيه.

وإذا كان إجمالي البنود السابقة يصل إلى 5 مليارات و545 مليون جنيه تحصل عليها الجهات الإعلامية بالموازنة، فإن هناك مبالغ أخرى تحصل عليها الجهات الإعلامية من احتياطيات الموازنة العامة للدولة لا يتم الإعلان عن قيمتها، مثل المبالغ التي تحصل عليها المؤسسات الصحفية القومية سنويا لدفع أرباح للعاملين بها، رغم أنها خاسرة، حفاظًا على السلام الاجتماعي داخل المؤسسات، والمبالغ التي يتم تخصيصها لنقابة الصحفيين بالموازنة سنويا وغير ذلك.

وهي مبالغ مرشحة للاستمرار والزيادة في الفترة المقبلة، خاصة مع زيادة أسعار ورق طباعة الصحف في ظل تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، والزيادات التي تلحق بتكلفة المستلزمات الطباعية والوقود والمرافق والأجور.

وهو أمر دفع الهيئة الوطنية للصحافة لتقليل عدد إصدارات الصحف والمجلات الصادرة عن المؤسسات الصحفية القومية، حيث تم دمج جريدة الرأي في جريدة الجمهورية، وتحويل ثلاث صحف مسائية إلى إصدارات إلكترونية، ودمج مجلتي الكواكب وطبيبك الخاص في مجلة حواء، ومحاولة استثمار الأصول غير المستغلة في تلك المؤسسات، والتوسع في الاستثمار بالتعليم الجامعي وإقامة معرض سلعي.

المصدر : الجزيرة مباشر