لا تكن من الخائبين الخاسرين

 أشرف شعبان الفار

"خاب وخسر من أدرك رمضان ثم لم يغفر له" صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونسأل الله العلى العظيم أن ينجينا من الخيبة والخسران، والعجيب أن أحدًا يحب ألا يوصف بالخيبة أو الخسران، ولا يقبل أن يتهم بهما، بل، تراه يبذل كل ما في وسعه لنفي ذلك عنه وعمن يحب، وتلك من الفطرة التى فطر الله الناس عليها، فجميعنا يحب أن يكون ناجحًا موفقًا رابحًا فائزًا.

فهل نسعى لتحقيق هذا النجاح وحيازة ذلك الربح؟ هل نجتهد أن نباعد بيننا وبين الفشل والخيبة والخسران؟ بل، هل ثمة بديل عن النجاة من ذلك الخسران؟ اللهم لا. فالمؤمن لا يقبل أن يكون من الخاسرين، ولا يرضى لنفسه إلا الفوز المبين، وإحراز رضوان الله وجنته، فتلك فريضة لازمة، وحتم لا مفر منه، فليس لنا إلا طريق واحد صراط الله المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

ورمضان ميدان نجاتك، وعلامة استقامتك، وبوصلة دينك، وهو الاختبار الحقيقى لصدق عزيمتك، ومدى جديتك، وقوة استعدادك، بل هو مرآتك التى ترى فيها ما خفي من قوتك وضعفك. فكن حازمًا، وأغلق باب الفشل، وأول الفشل ضياع وقتك الثمين بلا عائد مقبول.

فالوقت في رمضان هو كل شيء، وهل رمضان إلا وقت محدود، {أياما معدودات} فرمضان أيام معدودة، وما اليوم إلا ساعات معدودة، والساعة دقائق محدودة، وكلما ضاعت منك دقيقة فى غير عمل يعود عليك نفعه، كانت الخسارة، فأول أسباب الربح والتوفيق الفوز بالوقت، أو استثماره على خير وجه، والحصول من إنفاقه على أعظم المكاسب، لذلك كان أشد الخطر عليك في رمضان لصوص الوقت، ولكل فرد لصوص وقته، التى تستنفذ ساعاته بلا عائد، وتضيع عليه فرصته، وتدفعه لمنطقة الخيبة والخسران، يأتيه رمضان، ثم ينقضي، وهو لم يربح مع الرابحين، ولم يعتق من النيران مع التقاء، ولم يغفر له ذنبه، ولم يتضاعف رصيد حسناته، فأية خسارة تلك! 

فمن لصوص الوقت كثرة النوم، والرغبة فى راحة الجسد، وضعف الروح أن تشد الإنسان لتحقيق الجليل المحبوب من الأهداف، فترى صاحب النوم قد استسلم لداعى الكسل، ونسي عظيم الأجر، ضعف أمام شهوة الراحة ونسي روعة البشرى يوم يلقى الله فرحًا بصومه، متنعمًا بأجر الصائمين.

ومن لصوص الوقت ثرثرة الفارغين، الذين غابت عن نفوسهم عظائم الأهداف، وعوالي الغايات، غمسوا أنفسهم في ملهيات الحياة، وأضاعوا أعمارهم فيما لا فائدة فيه، أو فيما لا يبذل فيه عاقل عمره، يوشك أن يكونوا ممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ترى أحدهم عظيم النشاط كريم إنفاق الوقت فى التافه من الأمور، فإذا جد من الأمر ذو فائدة كان آخر الناس، فأمثال هؤلاء يحذر منهم المؤمن، ويتجنبهم العاقل، فإنهم لا يعينون على خير، ولا ينفعون عند الشدائد. فلا بديل عن اجتنابهم في رمضان، والتوبة عن مجالستهم، والفرار منهم، واعتبارهم خطرًا، فهم إن لم يكونوا سببًا في ضياع صومك، وإخراجك من عداد الصائمين، كانوا سببًا في إخراجك من قوائم الفائزين في رمضان.   

ومن لصوص الوقت وسائل التواصل الاجتماعى، لا سيما في زماننا الذى سهل على الجميع أن يشارك في عشرات البرامج والتطبيقات، يقرأ ما ينشره الناس، وينتظر تعليقاتهم على ما نشر هو، تأتيه من الرسائل سابقة التجهيز أو غيرها العشرات وربما المئات، فيها من النصائح ما تمله النفوس، وما لا نعرف مصدره، وما لم يتحقق منه من أرسله، يضيع الإنسان وقته في قراءتها، ثم يضيع وقته في الرد عليها، وكأنه قد رضي لنفسه أن يكون مخزن نفايات، يلقي فيها الجميع بما يشاء، وقد تعهد لهم بمراجعتها! ومثلها مواقع الأخبار والاجتماعيات، والتى يزدحم فيها أسباب ضياع الوقت من كل لون وشكل، والموفق هو من وفقه الله للنجاة منها، لا سيما فى رمضان.

ومن لصوص الوقت كذلك تغير الطبع، وغلبة الوساوس، وسوء المزاج، وكل ذلك من حيل النفس والشيطان، فهو مما يعوق المؤمن عن سعيه الكريم وفوزه الكبير، ينشغل به عن فنون الطاعات والقربات، ينشغل بمعالجة ما ألم به منها، فيفوت عليه الفرص، ويضيع عليه وعد الله بالخير الجزيل. فليحذر المؤمن ولا يسمح للنفس والهوى بقيادة الركب في هذا الموسم الضخم، بل، عليه أن يرغم نفسه على الخير، ويراغمها في كل واجب، وينتصر عليها عند كل مقابلة. وعليه أن يدافع هواه، ويعصيه في الله ولعل ذلك يبقى معه بعد رمضان، فيكون الربح مضاعفًا مباركًا ميمونًا.

ومن لصوص الوقت في رمضان انشغال الإنسان بطاعاته، بالعد والحصر والجدولة والتخطيط، والإلغاء والتجريب، والإعادة والمراقبة لما كان خططه من قبل، ومراجعة ذلك مرات ومرات، والأصل أن يكون التخطيط قبل رمضان، وكذلك التجريب، ولا يضيع المؤمن وقت رمضان الثمين في غير العبادات التى خطط لها، ويجهز حاله وما يحتاج إليه قبل دخول الشهر الكريم، فإذا بدأ رمضان اطلع الله منه على حسن الاستعداد، وجدية الطلب، فوفقه الله- وهو الكريم- لأحسن ما يوفق عباده الصالحين.