تظاهر عدد النقابيين التابعين للاتحاد العام التونسي للشغل السبت في العاصمة احتجاجا ضد سياسات السلطة والأوضاع الاجتماعية، ورفضا لضغوط الرئيس قيس سعيّد ضد المنظمة، الذي حذر من مشاركة أجانب في احتجاجات السبت.

وتجمع النقابيون في ساحة محمد علي في العاصمة تونس، قبالة المقر المركزي لاتحاد الشغل، بعد أسبوعين من تنظيم مظاهرة حاشدة في صفاقس، جنوب شرق البلاد، ضد استهداف سعيّد للنقابة.

وفي كلمته، قال الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إنه "لن يكون في تونس قمع واستبداد مهما كان الثمن"، مضيفا: "كنا نأمل أن يلقي الرئيس خطابا مطمئنا للجميع بدلا من توزيع الاتهامات".

وأضاف:"إذا ثبت بالفعل من يريد اغتيال الرئيس (قيس سعيد) فإننا سنكون جميعا في مقدمة القوى التي تنبذ العنف والإرهاب (..) نريد تغيرا سلميا بالأليات الديمقراطية".

وأردف: "هناك من يشيطن الاتحاد ويزايد عليه (..) آخر قلعة بقيت في البلاد هي القوى الصامدة من مكونات المجتمع المدني فلنكن صامدين".

واستطرد قائلا: "سلاحنا الوحيد هو الحجة والإقناع ولسنا دعاة عنف وإرهاب".

وتابع: "كلمة الحوار أصبحت جريمة ونحن في تونس أرض الانفتاح والتسامح والالتقاء رغم الاختلاف في الرأي".

انتقادات للترهيب

وفي سياق متصل، انتقد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ما وصفه بحملات الترهيب، خلال عمليات الإيقاف الأخيرة لعدد من السياسيين ورجال الأعمال.

وقال الطبوبي في تصريح له: "نرفض الترهيب،نرفض هرسلة القضاء، نريد محاكمات عادلة طبقا للقانون".

وطالت حملة اعتقالات عددا كبيرا من المعارضين السياسيين ورجال أعمال في الآونة الأخيرة وتلاحق المعتقلين تهمة التآمر على أمن الدولة.

وشدد الطبوبي قائلا "تونس حرة ولها سيادة وطنية ولن يكون فيها قمع أو استبداد مهما كان الثمن، والتكاليف"، على حد تعبيره .

وانتقد الطبوبي خطاب الرئيس سعيد  "كنا نتمنى أن نستمع إلى خطاب يزرع الطمأنينة ويوحد الشعب التونسي حول خيارات وطنية، لكنه تضمّن رسائل مشفرة وتم الحديث عن أن الاتحاد يستأنس بالخارج.. لا أحد يزايد على الاتحاد وعلى المبادئ والقناعات التي تأسست عليها المنظمة النقابية من استقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية".

كما أكد الطبوبي أنه لن يسمح  "بضرب الحق النقابي والحق في الإضراب كلفنا ذلك ما كلفنا ولو كان على جثتنا..اخترنا الطريق الصعب والنضال له فاتورة ".

بدوره قال الأمين العام المساعد سمير الشفي إن الاتحاد منظمة وطنية ليس لها أي عداء لأي حزب سياسي خاصة من لم يتعلق به شبهة فساد أو إرهاب.

وأكد الشفي في تصريح له على أن كل الأحزاب المؤمنة بالدولة الديمقراطية ولها بعد وطني فإن الاتحاد لا يقصيها وإنه يتحفظ فقط على من به شبهة.

وحول احتمالية توجه الاتحاد إلى إضراب جديد، قال "نأمل ألا نصل لإضراب عام أو خاص، ولكن إن اقتضت الضرورة فإن مؤسسات وهياكل الاتحاد قادرة على اتخاذ ما تراه مناسبا".

تحذير سعيّد

والجمعة، حذّر الرئيس التونسي قيس سعيّد الاتحاد العام التونسي للشغل من مغبة التسامح مع مشاركة أجانب في تظاهرة ينظمها السبت.

يأتي هذا التحذير غداة إعلان الاتحاد أن ماركو بيريز مولينا، القيادي النقابي الإسباني، مُنِع من دخول تونس للمشاركة في هذه التظاهرة المعارضة لسياسات سعيّد.

وشدد سعيّد خلال مقابلة مع وزير الشئون الاجتماعية مالك الزاهي بحسب فيديو نشره موقع الرئاسة على أن "الاتحاد العام التونسي للشغل حرّ في تنظيم مظاهرات (...) لكنه ليس حرّا في دعوة أجانب للمشاركة" فيها.

وأضاف: "البعض يريد دعوة أجانب للمشاركة في مظاهرات في تونس وهذا أمر غير مقبول"، مؤكّدا أن بلاده "ليست أرضا بلا سيّد".

وفي وقت سابق من الجمعة، منعت السلطات النقابي ماركو بيراز موليونا من دخول تونس بدعوى أنه شخص "غير مرغوب فيه"، وهي الخطوة ذاتها التي اتخذتها السلطات ضد رئيسة اتحاد النقابات الأوروبية إيستر لينش بعد مشاركتها في تجمع عمالي لاتحاد الشغل قبل أسبوعين.

وقال الاتحاد النقابي: "تم منذ قليل منع الرفيق ماركو بيز مولينا مسؤول التعاون مع أفريقيا وآسيا بالنقابات الإسبانية من دخول التراب التونسي عند وصوله إلى مطار تونس قرطاج ليقع ترحيله فورا".

وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يستعد لتنظيم تجمع عمالي احتجاجي السبت ضد سياسات السلطة والأوضاع الاجتماعية، عن اجتماع طارئ.

وقال الاتحاد إنه تلقى إخطارا من السلطات أيضا بمنع قدوم وفد من الاتحاد الدولي للنقابات للمشاركة في التجمع العمالي، واصفا قرار السلطات بأنه "خطوة تصعيدية عدائية" واستهداف للعمل النقابي.

وفي 18 فبراير، أمر سعيّد بطرد الأمينة العامة للكونفدرالية الأوروبية للنقابات إيستر لينش بسبب تصريحات وصفتها تونس بأنها "تدخل فاضح" خلال مشاركتها في تظاهرة للاتحاد في محافظة صفاقس.

إلى ذلك، رفضت السلطات التونسية الخميس طلبًا للمعارضة لتنظيم تظاهرة بالعاصمة الأحد للتنديد بحملة اعتقالات طالت قياداتها.

ونشرت ولاية تونس بيانا جاء فيه: "يعلم والي تونس أنه تبعا للطلب الذي تقدمت به ما تسمى بجبهة الخلاص الوطني واعتزامها القيام بمسيرة الأحد... تقرر عدم الموافقة على هذه المسيرة وذلك لتعلق شبهة جريمة التآمر على أمن الدولة ببعض قياديي الجبهة".

وكانت الجبهة وهي تكتل لأحزاب وشخصيات معارضة بما فيها حركة النهضة قد أعلنت عن تنظيم تظاهرة الأحد "تنديدا بالاعتقالات السياسية والانتهاكات الجسيمة للحريات العامة".

وطعنت الجبهة في وقت لاحق في حق الوالي منع المظاهرة، معلنة في بيان أنها ستمضي في تنظيمها الأحد اعتبارا من الساعة التاسعة صباحا بتوقيت غرينتش في وسط العاصمة.

ويلاحق القضاء التونسي نحو عشرين معارضا من الصف الأول للرئيس قيس سعيّد وإعلاميين ورجال أعمال، بينهم القيادي في "جبهة الخلاص الوطني" جوهر بن مبارك ورجل الأعمال كمال اللطيف والوزير السابق لزهر العكرمي والناشط السياسي خيام التركي ومدير الإذاعة الخاصة "موزاييك أف أم" نور الدين بوطار، والقيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.

وجاءت الاعتقالات في الوقت الذي يسعى فيه سعيّد إلى إكمال تأسيس مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حد للنظام البرلماني الذي تم اقراره إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي ووضعت البلاد على طريق انتقال ديمقراطي فريد في المنطقة.

وفي يوليو 2022 تم إقرار دستور جديد إثر استفتاء شعبي، تضمن صلاحيات محدودة للبرلمان مقابل منح الرئيس غالبية السلطات التنفيذية ومنها تعيين الحكومة ورئيسها.

ومطلع العام الجاري، نظم سعيّد انتخابات نيابية عزف عن المشاركة فيها نحو تسعين بالمئة من الناخبين.