أشرف شعبان الفار

أخي الحبيب هذه وصيتي لك من باب التذكير الذى ينفع المؤمنين، ولأني أحبك في الله، وأرجو بهذا الحب عند الله قربًا، وأرجو لك به عند مولاك خيرًأ ورفعةً، وجزى الله بالخير العميم كل من شارك هذه النصيحة، كاتبًا، قارئأ، مستمعاً، ناقلًا، ومجودًا، بالزيادة والتنقيص، والتعديل والتحوير، فسبحان من له الكمال. (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات)

أخي الحبيب، قد دعونا الله كثيرًا- اللهم بلغنا رمضان، الله بلغنا رمضان، وها هو فضل الله علينا ورحمته، ها هو عطاء الله، وكرم الله، ها هي الخزائن تتفتح، والكنوز بين يديك، ها هو رمضان، لا يفصلنا عنه سوى القليل من الأيام، نسأل الله أن يوفقنا فيه- وفي كل وقت- لما يحب ويرضى. 

أخي الحبيب، هل تتذكر مثل هذه الأيام الطيبة من العام الفائت؟ هل تتذكر استقبال رمضان كل عام؟ هل تتذكر الفرحة؟ هل تتذكر الآمال والوعود والأحاديث والأحداث؟ وهل تتذكر وداع رمضان؟ فمن رمضان إلى رمضان، عامٌ تامٌ كاملٌ، اثنا عشر شهرًا، أيامٌ وليالٍ، ساعاتٌ وساعاتٌ، كم من النعم توالت عليك خلالها، كم من خيرات ربك غمرتك، كم مرة استيقظت من نومك معافًى في بدنك، معافًى في سمعك، معافًى فى بصرك، معافًى فى عقلك، معافًى فى دينك؟ كم مرة خلال هذا العام، قد أحسن الله إليك، كم مرة لم يؤاخذك بالذنب، ولم يعاجلك بالعقوبة، كم مرة قد ستر الله عليك، كم مرة قد أسعدك الله، وأدخل عليك السرور، كم مرة قد صرف الله عنك من السوء ما علمت، وكم مرة قد صرف عنك من السوء ما لم تعلم؟ كم مرة قد رأيت فضل الله عليك، ولطف الله بك، وحسن تقديره لأمرك؟ وفي الجملة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).

أخي الحبيب، إنك لست نفس الشخص الذى كان في رمضان الفائت! ففي عام كامل من رمضان الماضي إلى الآن، قد سمعت، ورأيت، وتأثرت، وتعلمت، الكثير والكثير، قد لا تكون لذلك الأمر منتبهاً، قد لا تكون منشغلًا بالعد والإحصاء، لكن عامًا كاملًا يحوي من الدروس والعبر الكثير والكثير؛ فالأيام وأحداثها، والناس من حولنا بأحوالها وتفاصيل حياتها، والأخبار التى تزاحمنا، أخبار العائلة، والمجتمع، الأخبار المحلية، والعالمية، كل ذلك يحمل إلينا من الدروس والعبر والمعانى والتفاعلات ما يكفي لأن نتغير، ما يكفي لأن ننضج، لأن نكون مختلفين، إنك لست نفس الشخص الذى كان منذ عام، هذا أمر مؤكد، فالعقل ينمو، والمشاعر تنمو، والخبرات تنمو، والتجارب تنمو، كل ذلك يتغير ويتطور، وأنت تحتوي كل هذه العناصر. فأنت اليوم غيرك بالأمس، وفي الحديث (يصبح المرء مؤمنًا ويمسى كافرًا!) فليس هو هو. فلا تجعل شهر رمضان من عامك هذا هو نفسه الذى كان منذ سنوات وسنوات! إن هذا ظلم وتفريط، لقد اختلفت الآن، وتغيرت عما كان، فاجعل عبادتك مواكبة لهذا التغيير على أفضل وجه، فإن كان التغيير الذى أصابك هو تغيير بالخير، فاجعل لذلك الخير أعظم الأثر على علاقتك بربك، وإن كان تغييرك لما هو أسوأ، فليكن رمضان فرصتك للتغيير، ولاستدراك ما فاتك.  

أخي الحبيب، إنك لا تدري أيأتى عليك رمضان غير هذا، أم لا؟ بل إنك لا تدري أما زلت تملك الفرصة لتقرأ هذا المقال؟ ولتقوم من مقامك، أو يطلع عليك يوم جديد! نسأل الله العافية، لذلك كن حكيمًا عاقلًا، اغتنم فرصتك، وأحسن نيتك، وأحسن استعدادك، وأحسن صيامك وعبادتك. اجعل عبادتك في رمضان هذا العام خير عبادة، اجعل صيامك كأفضل صوم على الإطلاق، واجعل شهرك كأفضل شهر رمضان على الإطلاق، وصم صيام مودع، صم صيام من يموت ويلقى الله في رمضان، فكيف تحب أن تفد على ربك؟ كيف تحب أن تموت؟   

أخي الحبيب، إننا جميعًا أحد رجلين، أو كلاهما، رجلٌ قد صنع الله إليه ما أحب، ورجلٌ ما زال يسأل الله أن يصنع له ما. يحب، فإن كان الله قد صنع لك ما تحب، فاصنع له ما يحب، وإن كنت راجيًا أن يصنع الله لك ما تحب، فاصنع له ما يحب، وإن الله يحب أن يرى تنافسنا في مرضاته، يحب الله لنا أن نجتهد في عبادته، ونسارع إلى مغفرته، وأن تشكروا يرضه لكم) فكن من الشاكرين.