ناقشت الباحثة المتخصصة في شؤون حقوق الإنسان بالعالم العربي، سلمى المصري، ما اعتبرته "نقضا للعقد الاجتماعي" بين نظام الحكم والمواطنين في مصر، على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط والغذاء، خاصة الخبز، والتضخم، وتقلص الطبقة الوسطى.

وذكرت سلمى، في تحليل نشره موقع المركز العربي بواشنطن أن الأزمة الاقتصادية تفاقمت جراء الغزو الروسي لأوكرانيا ونقص القمح العالمي، الذي أضر بمصر بشدة، إذ تستورد معظم إمداداتها من الخارج.

ويعتمد أكثر من 70% من المصريين على برنامج الخبز المدعوم من الدولة، لكن الحكومة فشلت في توفيره للفقراء، ما أدى إلى نقض عرى الرابطة بين الدولة ومواطنيها، حسب تعبير سلمى، مشيرة إلى أن النساء والأطفال يتأثرون بسوء التغذية بشكل مضاعف، بسبب دورهم الضخم في إنتاج الخبز والحصول عليه.

وأشارت الباحثة إلى تلميح قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، مؤخرًا إلى أن المصريين "يجب أن يأكلوا أوراق الشجر" من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة في البلاد، لافتة إلى أن تلك التصريحات جاءت وسط ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار السلع المدعومة، ما تسبب في زيادة معاناة الفقراء للحصول على السلع الأساسية.

وأشارت الباحثة إلى أن مصر بحاجة إلى مزيد من الاستثمار في برامج الرعاية الاجتماعية لـ "تنشيط عقدها الاجتماعي"، ودعت الولايات المتحدة إلى استخدام نفوذها لتوجيه المساعدات الاقتصادية لدفع حكومة السيسي نحو ذلك.

أسعار القمح

ونوه التحليل إلى أن الخبز المدعوم لطالما كان محوريًا في المظالم الاقتصادية للمصريين، ومؤشرًا مهمًا على علاقة الحكومة مع مواطنيها، ولذا فإن أزمة أسعار الخبز في مصر الآن تعبر عن بعد سياسي أيضا.

وفي الأيام المائة الأولى من الحرب الروسية في أوكرانيا، ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 60% تقريبًا، ما دفع مصر إلى تنويع وارداتها من القمح واستكشاف الشراء من المناقصات الدولية، ورغم انخفاض أسعار القمح منذ ذلك الحين، يقول الخبراء إن الإمدادات العالمية لا تزال قليلة، وأن أزمة الغذاء العالمية لا تزال احتمالًا حقيقيًا.

ولتجديد إمداداتها من القمح، اعتمدت الدولة المصرية على بعض القطاعات الأكثر ضعفًا من سكانها، وهم المزارعون، إذ فرضت عليهم شراء المحصول بأسعار لا ترضيهم، ما أدى إلى صعوبات مالية للعديد منهم.

وترى سلمى المصري أن استعداد الحكومة لاستغلال صغار المزارعين الفقراء في كثير من الأحيان ديل آخر على تدهور العقد الاجتماعي في مصر، مشيرة إلى أن السيسي أقر، في العام الماضي، سلسلة من السياسات لإجبار المزارعين على بيع القمح للحكومة، وألقت الشرطة القبض على ما لا يقل عن 41 مزارعًا لمخالفتهم بيع القمح للحكومة بدلاً من بيعه في السوق المفتوحة أو الاحتفاظ به لاستهلاكهم الخاص.

وفي مارس 2022، رفعت الحكومة السعر الذي تشتري به القمح المزروع محليًا لتشجيع المزارعين المحليين على زيادة كمية المحصول، كما أعلن مجلس الوزراء أنه سيقدم الأسمدة المدعومة لتحفيز البيع للحكومة.

لكن السعر الذي حددته الحكومة لشراء القمح المحلي لا يزال هزيلًا مقارنة بما يمكن أن يحصل عليه المزارعون إذا باعوا لمشترين في القطاع الخاص، وهو عامل يمنع الأسعار من الخروج عن نطاق السيطرة، لكنه يضر أيضًا بالمنتجين المحليين.

معاناة النساء

وهنا أشارت سلمى إلى أن المرأة المصرية تواجه عبئًا إضافيا بسبب نقص القمح في البلاد، إذ غالبا ما يُطلب من النساء الريفيات العمل لساعات طويلة في الحقول والمشي لمسافات طويلة للحصول على الطعام والماء والوقود، بالإضافة إلى أداء العديد من الواجبات المنزلية.

ولأن عملهن ضروري لتوفير الطعام، فغالبًا ما تضطر النساء في تلك المناطق المصرية إلى تعويض عدم قدرة الحكومة على تلبية الاحتياجات الغذائية، عبر تحمل مسئولية تقنين الموارد وإدارة ميزانيات أسرهن من أجل إنتاج ما يكفي من الغذاء منزليا.

ويعد الحصول على الخبز المدعوم رخيص الثمن أحد العوامل العديدة التي سمحت للمرأة الحضرية بدخول سوق العمل المصري وكسب دخل إضافي، لكن نقص القمح في مصر أدى تاريخياً إلى طول طوابير الحصول عليه من المخابز، أجبر المصريات على قضاء ساعات إضافية في الحصول على الطعام لأسرهن، ما يؤدي بهن إلى إهمال تعليمهن أو الإضرار بقدرتهن على المشاركة في القوى العاملة بالدولة.

ورغم الدور الضخم للنساء في إنتاج الخبز بمصر، لا يزال أكثرهن يعاني من معدلات أعلى من سوء التغذية، وغالبًا ما يُتوقع منهن تناول كميات أقل من الطعام لتوفير قدر أكبر من القوت للرجال والأطفال.

وفي السياق، نقلت سلمى المصري عن إحدى النساء المشاركات في برنامج الغذاء المدعوم في مصر، أنها لجأت إلى شرب المياه للحد من جوعها وتوفير الطعام لأطفالها، مشيرة إلى أن "هذا الوضع مريع بشكل خاص للأمهات المرضعات، لأن الحصول على الخبز المدعوم، المطعم بالحديد وحمض الفوليك، له أهمية حاسمة لصحة وتغذية كل من الأمهات والرضع".

ولذا فإن أزمة الخبز الحالية ربما تكون ذات تأثير سلبي على الأجيال الحالية والقادمة، بحسب الباحثة بشؤون حقوق الإنسان.

عدم المساواة

وأضافت أن سياسات الحكومة المصرية تعزز من عدم المساواة في ظل أوضاع اقتصادية كهذه؛ فعلى الرغم من أن أكثر من ثلثي سكان مصر يكافحون للحصول على السلع الأساسية، أجرت الحكومة تخفيضات كبيرة على دعم الوقود والكهرباء في السنوات الأخيرة للوفاء بالشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي لإقراضها.

وأجرى البنك المركزي المصري تخفيضات متعددة على قيمة الجنيه لتلبية شروط قرض صندوق النقد الدولي، ما تسبب في انخفاض قيمة مدخرات المواطنين بشكل حاد، وارتفاع معدلات التضخم.

كما استمرت الحكومة، خلال السنوات الأخيرة، في تحويل مبالغ كبيرة إلى تطوير البنية التحتية، في شكل مشاريع عملاقة لم تقدم سوى القليل من القيمة لمواطني البلاد.

ولم يقدم نظام السيسي أي مؤشر على أنه سيوقف مشاريعه العملاقة مؤقتًا، ومن شأن اعتماده المستمر على صندوق النقد الدولي؛ للحفاظ على استثماراته في البنية التحتية، زيادة تفاقم الظروف السيئة التي يعانيها معظم المصريين، حسبما ترى سلمى المصري.

وترى الباحثة أن الولايات المتحدة يمكنها أن تلعب دورا في هذا الإطار، باعتبارها أحد أقرب حلفاء مصر، عبر اتخاذ إجراءات ضاغطة على حكومة السيسي لمتابعة الإصلاحات التي تسمح لمصر بمواصلة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية.

وأوضحت أن دعم الولايات المتحدة لقروض صندوق النقد الدولي لمصر يجب أن يكون مصحوبًا بإدراك مفاده أن الإلغاء السريع للدعم ودوافع الخصخصة المتزايدة، مثل تلك التي تقوم بها مصر حاليًا، ستسبب ضررًا كبيرًا للغالبية العظمى من الشعب المصري.

وأشارت إلى أن دعم إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لسياسات الحكومة المصرية سيؤدي بلا شك إلى الإضرار بمصداقية الولايات المتحدة في مصر، والتي تم تقويضها بالفعل بسبب ردها الفاتر على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.