https://ikhwan.online/article/261235
الجمعة 19 رمضان 1445 هـ - 29 مارس 2024 م - الساعة 12:38 م
إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون
زاد الداعية

الذكر المُسْعِد

الذكر المُسْعِد
الأربعاء 10 مايو 2023 12:32 ص
قلم: د. محمد منصور

 

كل ذِكر لله تعالى لا بُدَّ أنْ يؤدِّي مؤكدًا إلى سعادة في الدنيا وإلى ثواب عظيم في الآخرة؛ فهو عمل يسيرٌ لكنَّ أثره كبير، كما يقول تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت: من الآية 45)، والذي قال فيه الإمام القشيري في تفسيره: "ويُقال: ذكره لك بالسعادة أكبر من ذكرك له بالعبادة.. ويُقال: ذكر الله أكبر من أن َتبْقيَ معه وحشة.. ويُقال: ذكر الله أكبر من أن يُبْقِي معه للفحشاء والمنكر سلطانًا..".

 

وباجتماع الأذكار، وبحصاد آثارها، تجتمع السعادات الناشئة عن كل ذِكر، فتتِمَّ السعادة الكاملة للمسلم في دنياه ثم آخرته، كما يقول تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة: من الآية 152)، والذي قال فيه الإمام حقي في تفسيره: "فاذكروني بالطاعة.. أذكركم بالثواب والإحسان وإفاضة الخير وفتح أبواب السعادات".

 

وليس مقصود الذِكر هو باللسان فقط! وإنما مقصوده ما قاله الإمام النووي في كتابه "الأذكار" في "فصل: الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان: "كل عامل لله بطاعة يكون ذاكرًا لله تعالى.."، ويؤكده الإمام الرازي في تفسيره للآية الكريمة السابقة: "فاذكروني: متضمِّنًا جميع الطاعات..".

 

فالمُحسِن مع ربه ونفسه ووالديه وزوجه وبنيه وجيرانه وأصدقائه وزملائه وأقاربه، ومع الناس جميعًا على اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وبيئاتهم وأقوالهم وأفعالهم، ومع عمله وعلمه وإنتاجه وكسبه وماله، ومع كل شيء وأي مخلوق.. هذا المحسن دائمًا، المُسْتَحضِرُ لنوايا الخير في عقله مع كل أعماله، المُستبشِرُ المُنتظِرُ لأعظم درجات الجنات، هو ذاكرٌ دائمٌ لله تعالى، وهو سعيدٌ مُوَّفق مُرْزَق آمِن في الداريْن، كما يقول تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)) (الرعد).

 

والذي قال فيه الإمام ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز": "السرور بذكر الله والسكون به..".

 

إنَّ المسلم يكفيه سعادةً واستقرارًا واطمئنانًا في حياته ثم آخرته شعوره بالذكر أنَّ ربه معه في كل لحظة وفي كل شأن من شئونه يُؤيّده ويُعينه ويُوّفقه ويَرزقه ويكرمه، كما وعده بذلك على لسان رسوله الصادق الأمين الذي يقول: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في مَلأ ذكرته في مَلأ خير منهم، وإنْ تقرَّبَ إليَّ بشِبْر تقرَّبتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ إليه باعًا، وإنْ أتاني يمشي أتيتُهُ هَرْوَلة" (رواه البخاري ومسلم).. يقول الإمام النووي في "شرح مسلم": "أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية"، "فإن أتاني يمشي أتيته هرولة": أي صَبَبْتُ عليه الرحمة وسبقتُه بها..".

 

إنَّ المسلم الذي َتفرَّدَ وَتمَيَّزَ عن غيره من البشر بدوام تواصله مع ربِّه وذِكره الدائم له عند كل أعمال حياته، لا بُدَّ سيكون له السَّبْق عنهم في الانطلاق والتوفيق والسعادة، لأنه دَوْمًا مع أقوى الأقوياء سبحانه خير الرازقين المُوفق المُعين، كما وَعَدَ الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: "سَبَقَ المُفرْدِون (وأيضًا: المُفرِّدون)"، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟، قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات" (رواه مسلم).

 

يقول الإمام المناوي في "فيض القدير"، شارحًا هذا الحديث: "وقال الحكيم: المفرد هنا مَن أفرَدَ قلبه للواحد.. فكأنه بين يدي ربه، فبه يفخر ويصول وبه يفرح ويَمْرَح ويجول".

 

إنَّ المسلم الذي يبدأ يومه بذكر ربه، مُرَبِّيه ومُعينه ومُوَفقه ورازقه، داخل صلاة أو خارجها، ويستمر على ذلك حتى نهايته في كل أقواله وأعماله، باستحضار نوايا الخير في عقله أثنائها كلها، لا بُدَّ أن يكون طوال اليوم قويًّا مُوَفقًا رابحًا سعيدًا.

 

وكيف لا؟!.. وقد قال وَطبَّق عمليًّا ما قال وفعَلَ رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: "اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور" (رواه الترمذي).. فهو يحيا بربه وعونه، فلا بُدَّ أن تكون حياته سعيدة بكل تأكيد!.

وهو يحتمي به من كل سوء ليَسْعَد: "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" (رواه الترمذي).

ويطلب منه تمام وكلَّ الخير والنعمة والسعادة فيجدها: "اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتمَّ عليَّ نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة" (رواه ابن السني).

ويشكره فيزيده، لوعده تعالي: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (ابراهيم: من الآية 7)، ويرضيَ: "رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولاً"، فيرضيه أكثر بمزيدٍ من الأمن والهناء، كما وعد صلى الله عليه وسلم لمَن قال وفعل ذلك: ".. كان حقًّا على الله أن يرضيه" (رواه الترمذي).

وهو يستعيذ به من الشيطان الرجيم، من كل تفكير أو مخلوق شرِّيّ مُتعِس ليكون خيْريّ مُسْعِد: "أعوذ بكلمات الله التامّات من شرِّ ما خلق" ( رواه مسلم )

ويتحصَّن بعظمته من كلِّ ما يهمّه أو يحزنه ليعيش مُنتعِشًا مُنطلقًا نشيطًا سعيدًا: "اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الديْن وقهر الرجال" (رواه أبو داود وغيره).

ويطلب مُعافاته الدائمة التامَّة العقلية والمشاعرية والجسدية لتكتمل سعادته: "اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت" (رواه أبو داود).

ويستغفره أوَّلاً بأوَّل عن أي خطأ يصدر منه حتى لا يتعس به ويستعيد راحته وهناءه سريعًا مِن مَرارات خطئه، كما وعده صلى الله عليه وسلم بقوله: "مَن لزم الاستغفار، جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" (رواه أبو داود).

ثم هو يُنهي يومه بذكره سبحانه فينام سعيدًا هانئًا آمنًا بيومٍ سعيدٍ مَضى وُمستبشرًا مُنتظرًا مُتفائلاً بيومٍ قادم أسعد سيأتي غدًا بإذن الله وعونه وتوفيقه وفضله وكرمه، كما يُفهَم من دعائه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك عند نومه: "باسمك ربي وضعتُ جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها لها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" (رواه البخاري ومسلم).

إنَّ الذاكر لربه المُتواصِل معه لحظيًّا هو الحيّ، الحيّ الحياة الحقيقية، الحياة السعيدة المستقرَّة المكتملة الآمنة الهانئة الهادئة، الضامِن لآخرة أسعد وأكمل وأهنأ وأخلد.. بينما المُنقطِع عنه الناسي له هو الميت، لأنَّ حياته مُظلمة كئيبة قلقة ناقصة متوترة، وبالتالي تعيسة ميّتة... يقول صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنا هذا: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحيّ والميِّت" (رواه البخاري)، يقول الإمام القاري شارحًا الحديث في "مرقاة المفاتيح": "باب ذكر الله عز وجل "الفصل الثالث": "..... الذكر نور وحضور وسرور، والغفلة ظلمة وغيبة ونفور.. "، ويُضيف الإمام ابن حجر في "فتح الباري": ".. فشبَّهَ الذاكِر بالحيّ الذي ظاهره مُتزيِّن بنور الحياة وباطنه بنور المعرفة، وغير الذاكر.. ظاهره عاطل وباطنه باطل..".

فكن أيها الداعي إلى الله والإسلام مِمَّن يذكرون ربهم ويتواصَلون معه في كل لحظة، وفي كل شأنٍ وبكل قولٍ وعمل (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران: من الآية 191)، وادْع ُغيرك لمثل ذلك، لتفلحوا وتسعدوا في دنياكم.. (واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون) (الجمعة: من الآية 10)، ثم أخراكم (.. وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب: من الآية 35).