- الجولات العائلية تقليد أصيل لم يطُلْه التغيير

- الخبراء: العامل الجغرافي يؤثر في طبيعة التواصل

 تحقيق: الزهراء عامر

فور انتهاء صلاة العيد تقوم وفود يمثل كل منها واحدةً من عائلات القرية؛ بزيارة جميع أبناء البلدة؛ ليهنئوهم بهذه المناسبة الإسلامية المميزة، ليس هذا سوى واحد من عشرات المشاهد التي يحرص سكان ريف مصر على أن يستقبلوا بها العيد.

التهاني التي لا تقتصر على أول أيام العيد تشمل أيضًا تقديم بعض الهدايا الرمزية في بعض القرى، في تقليد جميل تمَّ توارثه عن الأجداد منذ عشرات السنين، وما زال يعبِّر ضمن العديد من الأمور الأخرى عن الأصالة التي يتمتع بها الريف المصري، رغم التحولات العديدة التي أصابته.

وليس هنا تقليد واحد يميز فرحة أبناء الريف بالعيد، فالأمر يختلف في الصعيد عن الوجه البحري، بل إن العادات تتباين داخل المحافظة الواحدة من قرية لأخرى، ولكن تبقى السمة المميزة هي رغبة الجميع في التعبير عن فرحتهم بهذه المناسبة السعيدة.

ومن الظواهر الجميلة التي ما زال أهل الريف يحتفظون بها حرص أبنائهم المقيمين بالمدن على العودة إلى قراهم؛ لقضاء إجازة العيد مع أفراد عائلاتهم.

أما الأطفال فلهم طرق خاصة للاحتفال بهذه المناسبة؛ حيث يتم إعداد ملابسهم قبل العيد بأيام، ويذهبون في أيام العيد المختلفة إلى أماكن تجمع "المراجيح" للتمتع بركوبها.

وفي الوقت الذي يبدو فيه مشهد العيد في المدن اليوم باهتًا إلى حدٍّ كبيرٍ؛ فإن الريف ما زال عبر عاداته المتوارثة قادرًا على أن يبعث البهجة في قلوب أبنائه وزوَّاره خلال هذه الأيام الطيبة.

(إخوان أون لاين) قام بجولة ميدانية في عدد من قرى مصر، رصد خلالها أهم مظاهر استقبال العيد، وما طرأ عليها من تغيير، خاصةً خلال السنوات الأخيرة.

مصطفى عبد الرحمن (52 عامًا) يؤكد أن العيد يعدُّ يومًا مقدسًا، وله مكانته الخاصة في نفوس الجميع.

ويضيف أن الكل يحرص على تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في الخلاء وتهنئة الأقارب والجيران وكل من يلتقيهم في الشارع، وهو ما يزيد من درجة الألفة والحب والتماسك.

لمَّة الأهل

ويحكي أحمد البحراوي (مهندس زراعي- 34 عامًا) تجربته عندما قضى عيد الأضحى الماضي بعيدًا عن الريف؛ نظرًا لظروف عمله، قائلاً: "شعرت بالوحدة الشديدة، رغم وجود أسرتي وأبنائي معي؛ لأني فقدت كنزًا كبيرًا، وهو لمَّة الأهل وسؤال الأحباب وتهنئة المقربين بحلول العيد".

ويضيف: إن أولادي الصغار يشعرون بفرح شديد عندما يحضرون العيد في البلد؛ لأن الحال يتبدل من التقوقع في المنزل طوال أيام السنة؛ إلى الانطلاق واللعب والتنزه مع بقية أطفال العائلة.

 

فقُّد الأيتام

ويكشف ياسر إبراهيم (38 عامًا- مدرس تاريخ) أن العادات الريفية المعتادة بدأت تندثر بسبب إقبال أبناء الحضر على السكن في الريف لهدوئه ووجود المساحات الخضراء الشاسعة.

ويضيف: أحرص مع مجموعة من الشباب على زيارة كل أهالي القرية وتفقُّد الأيتام والفقراء والمساكين؛ حيث نقدم لهم هدايا بسيطة لإدخال السرور على قلوبهم، مثل بعض لعب الأطفال.

وفيما يتعلق بالتنزه في الريف يشير إلى أن الخروج في الريف أصبح قاصرًا على زيارة الأقارب، وأصبحت الأسر لا تحاول الخروج إلى المساحات الخضراء، على الرغم من توافرها؛ لأنهم يعيشون فيها طوال العام.

 

مواساة أصحاب الأحزان

وتؤكد منار عبد الله (20 سنة- طالبة) أن والدتها منعت أي مظهر من مظاهر الفرح أو الاحتفال بالعيد بعد وفاة والدها كعادة بعض الريفيين، وكنا ما زلنا صغارًا، وحاول جيراننا تعويضنا وتقديم بعض الهدايا لنا، مثل الكعك والبسكويت وجميع الحلويات كنوع من التكافل.

وتقول الحاجة سامية عوض (57 عامًا- ربة منزل): إن أجمل مظهر من مظاهر عيد القرويين هو التكافل، ويظهر ذلك عندما يبحث الأهالي ليلة العيد عن الأسر التي تُوفي لها شخص طوال السنة؛ حيث يقومون بزيارتها في مجموعات متفرقة لمواساتها.

وتشير إلى أنهم يحرصون أيضًا على الإصلاح بين المتخاصمين ليلة العيد؛ لأنه لا يمكن أن يأتي العيد واثنان متخاصمان؛ "لأنه ما ينفعش يمر أي واحد فيهم على بيت الآخر وما يكلموش أو يقول له كل عام وأنتم بخير".

وتضيف أن العيد في الريف اختلف عن الماضي كثيرًا، فقديمًا كان كل منهم يقوم بتوزيع الخبز واللبن على جيرانه خلال هذه المناسبة الطيبة لإدخال السرور عليهم.

 

الخير قل

ويقول محمود أحمد (ترزي- 49 عامًا): إن الريف على الرغم من أنه ما زال مليئًا بمعالم الحب والخير والتكافل؛ فإن الخير فيه قلَّ كثيرًا عن السابق، وأصبحت تظهر فيه بعض معالم الأنانية وحب الذات؛ نظرًا للأعباء الملقاة على أكتاف رب الأسرة.

ويوضح أن القرويين قديمًا كانوا بمثابة أسرة واحدة، كل منهم يدعم الآخر، وعند قدوم العيد يقوم الثري من العائلة بمساعدة من هو بسيط الحال، ويحنو على الصغير، لكن هذا كله لم يعد موجودًا الآن.

ويؤكد كمال محمد عبده (مهندس مدني- 26 عامًا) أنه تعلم من والده الريفي مفهوم الترابط واحترام الكبير عندما كان يصطحبه بعد أداء صلاه العيد لزيارة الأهل، قائلاً: "كان يطلب مني أن أقبِّل يد أعمامي لتهنئتهم بقدوم العيد، فكنت وقتها لا أعرف لماذا يصرُّ والدي على ذلك، ومع الأسف تغيَّرت هذه القيم وقل الاحترام".

وتشكو إيمان سليم (25 عامًا- موظفة) من أن العيد في المدينة تغيب عنه مظاهر الفرحة واللعب في المدينة، مؤكدةً أنهم يقضون أوقاته كلها في النوم، ولا يستيقظون من نومهم إلا إذا جاء أحد لزيارتهم، وهذا يكون نادرًا، موضحةً أن العيد عندها بمثابة محطة للراحة ولإعادة ترتيب كل أولوياتها؛ لأنه يقطع إجازة من وسط جو العمل المليء بالزحام.

أما يسرا عبد الله (طالبة دراسات عليا- 29 عامًا) فتقول إن العيد بالنسبة لهم هو أول يوم فقط؛ لأنهم يجتمعون في بيت جدهم، ويقابلون جميع أفراد العائلة الذين يظلون لشهور طويلة بدون رؤيتهم؛ نظرًا لضيق الوقت وانشغال كل واحد بعائلته وبأعماله ومسئولياته.

وتوضح أن الشيء الذي لا تحب وجوده في المدينة هو عدم تواصل الجيران بعضهم مع بعض حتى في العيد "إن شاف الجار جاره بالصدفة يهنئه بالعيد، ولو مش شافه مش بيحاول يخبط على بابه ويهنئه".

كسر الملل

أميرة علي (23 عامًا) تقضي العيد بأسلوب مختلف وتحاول كسر ملل المدينة، قائلةً: "قبل صلاة العيد كل سنة بفوت على جيراني، ونلمّ بعضنا وننزل نصلي العيد، وبعد انتهاء الصلاة نذهب لبيت أي واحدة فينا ونفطر معًا لتوطيد الأواصر بيننا، بعد ذلك نبدأ في الزيارات العائلية، ولكن بتكون للأقارب من الدرجة الأولى فقط، أما بقية العائلة نادرًا لو تمَّت زيارة لهم،

نكتفي بالتليفون، ولأنها مشتركة في فرقة أفراح بنات إسلامية فإنها تخرج كثيرًا، وبالتالي العيد عندها له مذاق خاص جدًّا".

 

من المدينة

من جانبه يؤكد هاشم البحيري "رئيس قسم علم النفس بجامعة الأزهر" أن هناك تغيرات شخصية طرأت على نفوس المواطنين؛ وذلك لأسباب شخصية واجتماعية واقتصادية وجغرافية.

ويضيف أن العامل الجغرافي يلعب دورًا كبيرًا في مؤشر التواصل والحب بين المواطنين؛ ففي القرية نظرًا لصغر حجمها وقلة عدد سكانها فالكل يعرف بعضه، ومن الممكن أن يجوب المواطن كل شوارعها ماشيًا على قدميه، أما في المدينة فإن الزحام تسبَّب في انتهاء عهد التواصل واللقاءات الأسرية، فضلاً على أن المجاملات المادية والهدايا في المدينة مرهقة ومكلفة للغاية، ولهذا يحاول الأفراد تهنئة بعضهم عن بعد؛ لأن الميزانية الأسرية لا تتحمل هدايا إضافية، أما في القرية فمن الممكن أن تقتصر على تقديم كعك العيد أو عدية بسيطة.

ويشير إلى أن مواطن المدينة يدفع ثمن التحضر والرقي بالعزلة والعيش في جزيرة منفصلة عن الناس، وانتشار مفهوم القسوة الذي حلَّ محلَّ الحب والخير، وواقع الريف الذي يعاني من قلة التنمية ثمنه استمرار الحب والعطاء والترابط، والغربة أيضًا ثمنها الوحدة والبعد عن الأهل.

ويؤكد أن فرحة وبهجة العيد ما زالت موجودةً في قلوب المصري، سواء للريفيين أو المدنيين ولكن وسيلة التعبير اختلفت، وأصبحت فرحة العيد أمرًا في غاية الصعوبة ووسيلة التعبير عن الفرحة تختلف، والطبقة التي تستطيع الخروج والتنزه لا تتجاوز 3 ملايين فرد من مجموع 80 مليونًا.

ويرى أن التواصل بين الأهل والأحباب يمكن التعديل فيه، فبدلاً من الذهاب إلى الشخص في منزله ممكن أن أتصل عليه وأهنئه، وفي النهاية تصل نفس الفكرة، لكن ما يحدث الآن بإرسال رسائل موبايل "SMS" تعدُّ أسوأ أشكال التواصل؛ لأنها تعبِّر عن مدى السطحية.