أحمد عبد الواحد
تكاد تكون معركة غير متكافئة بالمرة بين الأب والهاتف، متبوعة بأضرار جسيمة، وخسائر فادحة، وآثار سلبية، تؤثر على عملية التربية، والتماسك الأسري، ومنظومة القيم التي يريد كل أب أو أُم غرسها في نفوس أطفالهما.
إن الأب الذي يكافح من أجل توفير متطلبات الحياة، ويعمل نهاراً وليلاً بهدف إسعاد أبنائه، إنما يخوض معارك عدة على جبهات مختلفة، في زمن تهيمن عليه وسائل الاتصال والتواصل، وعالم يقوده التطور التكنولوجي، والنهم المادي، والنمط الاستهلاكي؛ الأمر الذي يهدد دوره التربوي، ومركزية وجوده وحجم تأثيره في صناعة النشء الجديد.
قد يجد المرء نفسه في معركة غير معلنة مع الجوال؛ بهدف انتزاع طفله من شاشات ذكية، وأزرار باللمس تجلب من كل حدب وصوب ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، دون وعي أو إدراك إلى خطورة ذلك.
وقد يخوض الأب معركة علنية مع ابنه؛ ليستأثر باهتمامه بعيداً عن «واتساب» و«فيسبوك» و«إنستجرام» و«يوتيوب» و«تيك توك».. وغيرها من التطبيقات التي باتت وجهة مفضلة لأبنائنا، وبديلاً في أحيان كثيرة عن الأب والأم.
وقد يمتعض ابنك، وينفر منك، إذا حاولت إقناعه بالعدول عن إدمان الهاتف، أو تحديد وقت لاستخدامه، أو قصر مشاهداته لتلك الشاشات والتطبيقات، خلال وقت معين.
وربما يصل الأمر إلى صدام، إذا قررت التدخل وسحب الهاتف منه، أو معاقبته حال انشغل به عن المذاكرة، أو الصلاة، أو صلة الرحم، وغيرها من الأعمال المفيدة، والأنشطة النافعة.
ألم أقل لكم: إنها معركة غير متكافئة، تضع الأب في مأزق صعب أمام جهاز صغير، قد يلوث بصر وسمع وعقل الطفل، وهو لا يدرك أن أباه يريد دفع الأذى عنه، وجلب كل الخير له؟!
إن هذا الطفل لا يعي، أو لا يريد أن يدرك، حجم ما تسببه تلك الهواتف والشاشات والألعاب الإلكترونية من أضرار، وآلام في الرأس والعينين، والعمود الفقري، وضعف السمع والبصر، واضطراب النوم، وتشتت الانتباه.
وقد يتهاون فيما سيلحق به من آثار نفسية خطيرة، منها تسلل العنف والعدوانية إلى ذاته، ودخوله إلى عالم العزلة الاجتماعية، فضلاً عن تدني التحصيل الدراسي، والنسيان، وضعف الذاكرة، والإصابة بالاكتئاب والسمنة، وغيرها من الآثار النفسية والجسدية الضارة.
وفق دراسة صادرة عن جامعة ميتشجان الأمريكية، فإن تقنيات الاتصال الحديثة لها أثر سلبي بالغ في سلوك الطفل، إذ تسبب له سرعة التوتر والغضب والشعور بالإحباط.
الخطير في الأمر انقطاع تواصل الآباء مع الأبناء، بسبب الهواتف الذكية، وهو ما تعاني منه 48% من الأسر، بمعدل 3 مرات يومياً على الأقل، في حين يحدث انقطاع في التواصل بشكل يومي مع 24% من الآباء، بحسب الدراسة.
وتؤكد الدراسة أن هناك ارتباطاً واضحاً بين زيادة انقطاع التواصل بين الآباء والأبناء؛ بسبب الانشغال بالهواتف الذكية، وأن هناك تعطلاً في وظائف الأبوة وأدوار الأمومة؛ بسبب تلك الهواتف، مشددة على ضرورة مراجعة سياسة استخدام وسائل الاتصال الحديثة، والحد من تأثيراتها، وتجنب تداخلها مع أدوار الأب والأم، والحفاظ على الوقت المخصص لرعاية الأبناء، والاعتناء بهم، وتجويد المحتوى التربوي المقدم لهم.
كأب، أشعر أنني أخوض معركة صعبة، تتطلب مني في كثير من الأحيان إلى النزول إلى مستوياتهم العمرية، والفكرية، والتحرر من قيود الوظيفة وأعباء الحياة، وخوض نزالات معهم في الجري والمصارعة وكرة القدم والشطرنج، وغيرها من الألعاب، التي تتفوق على الهاتف في أحيان كثيرة.
كذلك تجب مشاركتهم هواية ما، أو الخروج في نزهة إلى الخارج، أو النزول إلى غمار حمام السباحة، وتبادل المزاح والضحكات معهم، وانتزاعهم لسويعات من أَسْر الهاتف اللعين.
وقد يستلزم الأمر من الأب التخلي عن وقاره الأسري، فيجري وراء هذا، ويداعب هذا، يلعب بألعابهم، كالصلصال والمكعبات وغيرها من الألعاب، ويرسم معهم لوحة من السعادة تبدد الملل، وتكسب معركة الهاتف.
ومن المهم أيضاً وضع حوافز أو جوائز لمن يقلل استخدام الهاتف، وتعويدهم على مساعدة الأهل في البيت، أو التسوق معهم، والقراءة بصحبتهم، مع توجيه النصح والإرشاد بأن الحياة ليست هاتفاً فقط، بل فيها أسرة ومسجد ومدرسة ونادٍ ومحيط اجتماعي، وغير ذلك من منصات تعود بالنفع على الإنسان.
إن الأمر جدي، والمعركة صعبة، والمواجهة مطلوبة، حتى لا يصاب ابنك بالإدمان الإلكتروني، ومعه تفقد دورك كأب ومربٍّ، يقتصر دورك فقط على تزويده بالمال، بينما هو في أمسِّ الحاجة إلى غرس قيمي، وحضن يرويه من حنانك.
المصدر: المجتمع