فرضت شركات الصناعات الغذائية في مصر قوائم سعرية جديدة، على جميع المنتجات خلال الفترة الأخيرة. تشمل الزيادة منتجات الألبان والأجبان والحلوى والمشروبات والعصائر والعسل، والمكرونة والمعلبات.
وقد تراوحت الزيادة في الأسعار ما بين 7% و12%، على المنتجات المسلمة لمراكز التوزيع والمحلات بمختلف المحافظات، اعتبارا من 2 ديسمبر الجاري.
وجاءت الموجة السعرية، للمرة الثانية خلال الربع الأخير من العام الحالي 2023، على العكس من تصريحات حكومة الانقلاب التي تسعى إلى السيطرة على زيادة الأسعار؛ فأشعلت حالة من السخط الشعبي.
وتعكس موجات الغلاء حالة اضطراب مستمرة بالأسواق، منذ عامين، تزداد وتيرتها وينتشر صداها بين وسائل الإعلام التي تهتم بنشر تهديدات السلطة حول ملاحقة "المتاجرين بأقوات الشعب" دون أن يكون لمردود تلك السياسات أثر على أرض الواقع، سوى مزيد من التهديدات الرسمية بملاحقة المخالفين، بقبضة أمنية مشددة.
ارتفع سعر كيلو الحليب المعبأ من 38 إلى 42 جنيها، مع زيادة سعر جميع قطع الجبن والحلاوة المعبأة بنحو 15%، كما تضاعف سعر السكر من مستوى 22 جنيها إلى 50 جنيها، في الربع الثالث من العام الجاري. واختفى مؤخرا من الأسواق.
وانتشرت مطالب بتشديد القوانين، تصل إلى إعدام المخالفين للأسعار.
وفي السياق، يلقي عضو اتحاد الغرفة التجارية، حازم المنوفي، بتبعية الزيادة الأخيرة في الأسعار على الشركات المنتجة للسلع الغذائية، قائلا في اتصال مع "العربي الجديد" إنها زيادة غير مبررة على الإطلاق.
وأضاف المنوفي أن الزيادة في الأسعار تتجه بدون سقف سعري ولا زمني، مندهشا من نموها في ظل تراجع استهلاك الجمهور الذي يعاني من عدم القدرة على مواجهة أعباء المعيشة، مع تراجع القوة الشرائية للجنيه، بعد انخفاض قيمته أمام الدولار على مدار عامين.
كما يؤكد المنوفي أن زيادة الأسعار، مع عدم تعامل الشركات والموردين بنظام الائتمان، وإخراج البضائع من مخازنهم بكميات قليلة، مفضلين الاحتفاظ بالبضائع عن الاتجار بها، يدفع أعداداً كبيرة من المحلات إلى تخفيض حجم تجارتها، أو تصفية الأعمال، في ظل حالة انكماش خطيرة بدأت بالمصانع وانتشرت آثارها بالأسواق.
يبدي محللو أسواق مخاوفهم من توجه الأسواق إلى الركود التضخمي، التي تظهر آثارها في قلة العرض مع ندرة في الطلب، بما يدفع المنتجين إلى الإفلاس وينشر مخاوف لدى المستهلكين من الإنفاق، إلا للحاجات الضرورية، بما يؤثر سلبا على قوة العمل والتشغيل، وفرص الاستثمار.
على صعيد متصل، يقول مدير غرفة الصناعات المعدنية محمد حنفي لـ"العربي الجديد" إن موجات الغلاء التي تشهدها الأسواق دفعت المنتجين إلى خفض معدلات الإنتاج بنسب عالية، لتكون في حدود نسب الحد الأدنى من التشغيل الذي يحافظ على المعدات من الصدأ، مشيرا إلى أن هذه الحدود تدفع إلى ارتفاع تكلفة المنتج، مع عدم قدرتها على توفير احتياجات الجمهور بالكمية أو السعر المطلوب.
كذلك يبين الخبير الصناعي أن موجات الغلاء مع الركود ستظل مستمرة إلى أن تستقر حالة الاقتصاد والأسواق، بتوفير وسائل الإنتاج بطريقة سلسة، والعملة الصعبة اللازمة لشراء مستلزمات الإنتاج، بالإضافة إلى تنفيذ القوانين على المخالفين.
وأشار إلى أن حالة الفوضى في التسعير ترجع إلى اطمئنان المخالفين لعدم خضوعهم للمحاسبة أو قدرتهم على سداد الغرامة البسيطة التي تفرضها القوانين الحالية.
ويشدد حنفي على ضرورة تعديل القوانين بما يغلظ الغرامات المالية على المخالفين لضوابط التسعير، بحيث لا يرتفع سعر أي سلعة بدون وجود أسباب جوهرية تدفع إلى زيادة السعر.
يتهم مواطنون حكومة الانقلاب بغض الطرف عن التجار والمصانع التي ترفع الأسعار، مقابل تبرعات سخية تدفعها للصرف على مهزلة انتخابات قائدد الانقلاب، مشيرين إلى صدور تعليمات أمنية لأصحاب المصانع والمتاجر، بتحمل تكاليف طبع ملصقات وتأجير منصات إعلانية بالشوارع ددعاية لمهزلة الانقلاب.
ويؤكد مواطنون أن التعليمات تأتي من دوائر الأمن الوطني وحزب مستقبل وطن الداعم لقائدد الانقلاب، وتلزم رجال الأعمال بتحمل تكلفة الدعاية، بما يدفعهم إلى تحميل تلك الأعباء على بيع السلع للجمهور.
هذا وتأتي موجات الغلاء في ظل حالة ترقب لتعويم جديد للجنيه.
وتتعرض حكومة الانقلاب لضغوط شديدة من جانب صندوق النقد ومؤسسات تمويل دولية، وسط مخاوف من تزايد الدين الخارجي، الذي بلغ 164 مليار دولار نهاية العام المالي الماضي 2022/ 2023، مع تراجع الجنيه الذي فقد 64.3% من قيمته، أمام الدولار خلال نفس العام، وفقا لتقرير أصدره البنك المركزي مؤخرا.
وتشير تقارير إلى حاجة الحكومة لنحو 42 مليار دولار لسداد قيمة أقساط وفوائد الديون خلال العام المقبل 2024، بما يزيد الضغط على الجنيه الذي تدهور من مستوى 18.80 جنيها للدولار منذ فبراير 2022 إلى مستوى 50 جنيها حاليا في السوق السوداء في حين يبلغ سعره رسميا نحو 31 جنيها، وهو ما تظهر آثاره في استمرار موجات الغلاء بجميع السلع والخدمات وحالة الركود بالمصانع والأسواق.