د. خالد سعيد
سبعة أيام كاملة هي عمر الهدنة الإنسانية المؤقتة بين حركة «حماس» والكيان الصهيوني، انتهت فجر الأول من الشهر الجاري، شهدت خلالها وقائع وحوادث لم تشهدها «إسرائيل» من قبل، تتعلق بمدى ارتباط الأسرى الصهاينة بعناصر وكوادر «حماس» خلال فترة الأسر، وصورهم معهم أثناء إطلاق سراحهم ضمن صفقة تبادل الأسرى.
مشاهد الوداع والابتسامات المتبادلة
مقارنة باختفاء الأخلاقيات الإنسانية للكيان طوال يوميات الحرب على غزة، التي اختفت خلف ستار مسرح العمليات القتالية وحرب الإبادة الجماعية التي يديرها على القطاع، إذ لم تحترم «إسرائيل» أخلاقيات ومبادئ وقوانين الحروب، وتعاملت بقواعد ومنطق النار والحديد، وأسقطت ما يزيد على 17 ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى، ناهيك عن التنكيل المستمر بحق الأسرى الفلسطينيين، فإن الأسرى والمحتجزين الأجانب لاقوا معاملة حسنة وإنسانية، منقطعة النظير، من قبل مقاومي الفصائل الفلسطينية داخل القطاع.
ما بين تلويح بالأيدي وابتسامة تعلو الوجوه، ودَّع الأسرى الصهاينة المقاومين، وكأنهم وقعوا في حب المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد الرسائل التي بعثوها فور وصولهم الكيان، ليضعوا حكومة نتنياهو في موقف لا تحسد عليه، وتتكشف حالة الود والرحمة التي عوملوا بها من قبل عناصر الحركة خلال فترة أسرهم.
اندهشت كوادر الصليب الأحمر الدولي حينما رأوا مشاهد الوداع والابتسامات المتبادلة وحالات التلويح بالأيدي بين الأسرى الصهاينة ومقاومي «القسام»، في واقعة من الاعتراف الدولي بالمعاملة الحسنة، وغير المسبوقة، التي عُومل بها المحتجزون خلال فترة أسرهم بالقطاع، في ظل توالي رسائل هؤلاء الأسرى لعناصر «حماس» عقب عودتهم، تعبيرًا عن مدى العلاقة الطيبة التي لاقوها خلال فترة احتجازهم.
فيلم سينمائي
ولفت الإعلام العسكري لـ«كتائب القسام» الأنظار حينما نشر لقطات فيديو لأحد عناصره وهو يحمل أسيرة «إسرائيلية» مقعدة أثناء تبادل الأسرى مع الكيان، وكذا لقطة لأسيرة وهي تحمل كلبها معها، ضمن الدفعة الخامسة في صفقة تبادل الأسرى، للدلالة على حُسن المعاملة الإنسانية من قبل المقاومين، رغم نقص الموارد الغذائية والكهرباء والماء والوقود؛ وكأننا أمام مشاهد من فيلم سينمائي، يحسب لفصائل المقاومة ككل.
والثابت أن هذه المشاهد تزامنت مع ما ذكرته قنوات عبرية، تحديدًا الـ«12»، والـ«13»، على لسان أهالي الأسرى بأن ذويهم تلقوا معاملة طيبة أثناء فترات أسرهم، حيث لم يتعرضوا لأي أنواع من التعذيب أو سوء المعاملة؛ رغم مطالبة بعض المعلقين العسكريين والمحللين السياسيين «الإسرائيليين» بوقف مثل هذه المشاهد التي تؤجج المشاعر ضد بلادهم، وتزيد من قبول «حماس» لدى المجتمع الدولي.
والشاهد أن «حماس» -ومن خلفها فصائل المقاومة الفلسطينية- نجحت في القيام بتصوير مراحل تسليم الأسرى «الإسرائيليين» بشكل احترافي ودقيق، سواء على معبر رفح أو في قلب مدينة غزة نفسها، رغم الإعلان الصهيوني عن سيطرة الجيش «الإسرائيلي» على أغلب مدن الشمال والوسط في القطاع، وهو ما تغلبت فيه الحركة والفصائل الفلسطينية في توصيله للعالم بأسرة من التعريف بمدى إنسانية الحركة ومن قبلها الشريعة الإسلامية التي تحض على احترام آدمية الإنسان، واحترام الأسير والحفاظ على حقوقه، وهو ما أظهرته أسيرة «إسرائيلية» من الإعراب عن شكرها للأبد لمقاومي «القسام»، أثناء توديعهم.
تخوف «إسرائيلي»
الأسيرة «الإسرائيلية» يوخافد ليشفيتس، التي أفرجت عنها «حماس» لدواع إنسانية قبل الدخول في الهدنة الإنسانية المؤقتة، خرجت في مؤتمر صحفي وأكدت أن المقاومة الفلسطينية تعاملوا معها بـ«الحسنى» وأطعموها، كما جلبوا لها طبيبًا خاصًا وقدموا لها كل ما طلبته، في واقعة لم تعترف بها «تل أبيب»، إذ كذبّتها كثير من وسائل الإعلام العبرية ومن قبلها مسؤولون «إسرائيليون» أيضًا؛ مع الإشارة إلى أن عناصر المقاومة لم يلمسن النساء، إذ سمحوا بوجود مسافة بينهم وبين هؤلاء الأسيرات، اللاتي كن يلبسن ملابس شتوية دافئة، للدلالة على مدى العناية والاهتمام البالغين بهن وكذلك بالأطفال «الإسرائيليين» المحتجزين، خاصة أن الأسيرة دانييل ألوني (44 عامًا) قد كتبت واصفة عناصر «حماس»: «كنتم لابنتي مثل الأبوين، وابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة، وبشكل عام تعترف بالشعور بأنها مركز العالم».
على النقيض من ذلك، عمدت حكومة الاحتلال على فرض حظر على الأسيرات الصهاينة الذين أفُرج عنهن، تخوفًا من الإدلاء بتصريحات تتعلق بالمعاملة الطيبة والإنسانية التي لاقينها من قبل المقاومين، دفعت حكومة نتنياهو إلى عزل مدير المستشفى التي ظهرت فيها الأسيرة ليشفيتس، عقابًا له، وردعًا لغيره من المسؤولين الصهاينة.
وتعزى تلك الإجراءات الصهيونية إلى التخوف «الإسرائيلي» من أي ردود فعل داخلية، في ظل استمرار المظاهرات المؤيدة لوقف الحرب في «تل أبيب»، مع تواصل ضغوط عائلات وذوي الأسرى التي لم تشملهم الصفقة، حتى الآن، فضلاً عن التخوف من قبول مقاومة الشعب الفلسطيني ضد الجيش الصهيوني لدى المجتمع الدولي، الذي بدأ يعود لصوابه تجاه القضية الفلسطينية.