بدموع الإنسانية والألم والفقد وليس الجزع والخوف أو الخشية، يودّع (أيوب العصر) كما يصفه محبوه، بعد فقده كل أفراد عائلته شهداء في العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ 93 يومًا، واستشهاد ابنه حمزة، اليوم الأحد بغارة صهيونية غادرة، فيقول بعد أن يواري قرة عينه حمزة الثرى "هذا (بِكري) حمزة كان من البارّين وكان شهما كريما معطاء وكان حنونًا”.
ويتابع الدحدوح بصمودٍ كالجبال ورباطة جأش وقوة يقين، مودعًا فلذة كبده وبكره حمزة، قائلا: إلى رحمة الله تعالى، وهذا هو قدرنا وهذا هو خيارنا، وهذه هي حياتنا على هذه الأرض وفي هذه الدنيا الفانية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنّا لله وإنّا إليه راجعون”.
ويشدد على أنّ "هذا هو خيارنا قبل حمزة وبعد حمزة ماضون مستمرون ما بقي فينا عرقٌ ينبض، وما دمنا على وجه هذه الدنيا الفانية، فحمزة سبق، وامّه سبقت، وأخوه سبق، وأخته سبقت، وأعمامه وأخواله سبقوا، والرسول عليه الصلاة والسلام الذي خلقت الدنيا لأجله سبق ونحن على الطريق ما دمنا أحيا سنمضي دون أي عثرات حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا”.
ويحمّل ابنه حمزة امّانة ليوصلها فيقول: فنم قرير العين وبلغ سلامي وتحياتي إلى سيدك وحبيبك الرسول صلى الله عليه وسلم والصديقين والأنبياء والأقارب والأحباب وفلذات الأكباد، وقل لهم إنّنا على العهد، اللهم لا تفتنا بعدهم ولا تحرمنا أجرهم واغفر لنا ولهم يا رب العالمين”.
أكدّ الصحفي في قناة الجزيرة وائل الدحدوح – بعد استشهاد ابنه البكر الصحفي حمزة الدحدوح- أنّه مهما كانت الأثمان والشهداء والدماء فإنّه سيواصل مهمّته الإنسانية في العمل الصحفي وإيصال الحقيقة للعالم أجمع ليرى ما يجري من ظلمٍ وقهرٍ في فلسطين.
وقال الدحدوح، في كلمة له بعد وارى جثمان ابنه حمزة الثرى: لا شيء أصعب من آلام الفقد وعندما تتجرع هذه الآلام مرة تلو مرة تكون الأمور أصعب وأشد، ولكن ماذا عسانا أن نقول.
خيارنا وقدرنا
وأضاف: حسبنا الله ونعم الوكيل، هذا هو خيارنا قدرنا، ويجب أن نرضى به مهما كان فنحن أملنا أن يرضى الله عنا، وأن يكتبنا مع الصابرين.
ولفت الدحدوح إلى أنّ “هذا هو قدر وخيار كل الناس في هذه الأرض، كما تشاهدون أفواجًا أفواجًا، الناس تودع أحبابها وفلذات أكبادها في كل يوم، وفي كل ساعة وفي كل لحظة”.
وتابع بالقول: نحن، أسوةً بكل الناس، نودع، ماذا عسانا أن نقول، ربنا سبحانه وتعالى يربط على قلوبنا وعلى قلوب كل الناس، وأن يمدنا بأسباب الصبر، والقوة، حتى نستطيع المواصلة.
وقال: لحمزة ولكل الشهداء نؤكد أننا على العهد، هذه طريق اخترناها طواعية، وأعطيناها كثيرًا، وسقيناها كما هو واضح بالدماء لأنّ هذا هو قدرنا، نحن ماضون، هذا هو التحدي الكبير.
مشبعون بالإنسانية وعدونا مشبعٌ بالقتل
وأضاف، صحيح أن الإنسان يحزن ويتألم ويتوجع كثيرًا، فكما قلنا: ليس أصعب من آلام ووجع الفقد، فكيف إذا كان الفقد الولد البكر، وفلذة الكبد، ليس بضعة مني، حمزة كان كلّي، وروح الروح، وكل شيء.
واستدرك الدحدوح بالقول: لكن عندما نحزن، كما الرسول عليه الصلاة والسلام بكى وحزن، وهذه دموع الحزن والفراق، والدموع التي تفرقنا عن أعدائنا.
وقال: نحن مشبعون بالإنسانية، وهم مشبعون بالقتل والحقد، ولذلك نحن نبكي ونسكب الدموع صحيح ولكنها دموع الإنسانية، ودموع الكرم والشهامة وليست دموع الجزع والخوف والاستكانة، وهذا يدفعنا للقول بأننا ماضون ونعمل على الهواء مباشرة، ولا شيء نخجل منه.
وأوضح الدحدوح، أنّ "ولدي حمزة كان معنا يعمل في طاقم قناة الجزيرة، ونحن بدأنا قبل أن يولد حمزة، وأمضينا ما يقرب أكثر من عقدين في هذه الرسالة وهذه المهنة الإنسانية”.
مستمرون بالتغطية
وشدد على مضيّه في تغطية الحقيقة وما يجري في غزة من إجرامٍ صهيوني، قائلا: بعد الأسرة وبعد حمزة نحن مستمرون بالتأكيد، ولكن، على كل العالم أن ينظر إلى ما يحدث هنا في قطاع غزة، فهو صعب ومؤلم وموجع وكبير، وما يحدث فيه ظلم كبير لشعب أعزل شعب مدني، ما يحدث فيه ظلم لنا كصحفيين.
واستهجن صمت العالم بالقول: قيل في يوم من الأيام بأن حرية الرأي والتعبير وأن عمل الصحفيين والحصول على المعلومات والصور حتى تصل إلى مستحقيها من المشاهدين والمتلقين، قيل إنّه مكفول بالقانون الدولي وبالمواثيق الإنسانية.
وأشار إلى أنّ مائة وسبعة من الصحفيين ارتقوا وسفحت دماؤهم على هذه الأرض وكأنّ أحدًا لم يسمع بهذه الأخبار وكأنّ أحدا لم ير ما يجري.
وضع حدٍ للمقتلة والمجازر
وقال الدحدوح: نطالب العالم بوضع حدٍ لهذه المقتلة التي تحصد أرواح الصحفيين واحدًا بعد آخر.
ووجه رسالة إنسانية للعالم أجمع وللعدو الصهيوني الغاشم، قائلا: أتمنّى أن تكون دماء ابني حمزة آخر الدماء من بين الصحفيين ومن بين الناس وأن تقف هذه المذبحة وهذه المقتلة.
وختم بالتأكيد على ملحمة الصبر والصمود التي كتبت على الشعب الفلسطيني، قائلا: لكن أيًا كانت الأثمان فنحن ماضون، في هذه الرسالة الإنسانية، التي كفلها القانون الدولي، وهذا واجب نقوم به على أكمل وجه.
تفاعل وتعاطف واسع
وتفاعل رواد التواصل الاجتماعي مع استشهاد حمزة، مشيدين بهذا الجبل من الصبر والصمود الذي أصبح يجسد كل أهل غزة وفلسطين بثباتهم ورباطة جأشهم رغم كل المجازر والدماء والمصاعب.
وأكدوا على أنّ الدحدوح وكل أبناء الشعب الفلسطيني بتضحياتهم الكبيرة سيواصلون مشوار التحدي للعدو الصهيوني الغاشم حتى تحقيق النصر.
كأنني لا أرى في وائل الدحدوح إلا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا جعفر بن أبي طالب، حمل وائل الرايةَ بيمينه، وكانت أم حمزة هي يده اليمنى، فاستشهدت، فحمل الرايةَ بيساره، وكان محمود هو يده اليسرى، واستشهد، فحمل الراية بين عضديه، وكانت ابنته شام مهجة قلبه، فأطفؤوها، وكان حفيده… pic.twitter.com/bd1BUOBERp
—