محمد عبد الرحمن صادق
"القوي مهما كان قويًا فإن فيه نقطة ضعف، والضعيف مهما كان ضعيفًا فإن فيه نقطة قوة، فإذا التقَت نقطة القوة عند الضعيف بنقطة الضعف عند القوي، انتصر الحق على الباطل"
الشيخ أحمد ياسين رحمه الله
إننا لو سلَّمنا جدلًا بأن اليهود أقوياء بما يمتلكونه من مال، وبما لديهم من أسلحة، وبما يحظون به من دعم وتأييد من القوى العظمى في العالم، فلا يجب أن نغفل عن أن اليهود بهم من نقاط الضعف ما يجعل هلاكهم يأتي من داخلهم، وهزيمتهم تكون بأيديهم ومن أنفسهم، ناهيك مما يعده المؤمنون لهم من قوة ترهبهم وهزيمة منكرة تردعهم وتستأصل شأفتهم!
لقد أخبرنا القرآن الكريم بأن اليهود هم أكثر قوم أرسل الله تعالى إليهم أنبياء وهذه ليست ميزة ولا كمالًا ولكن هذا هو عين الخلل وقمة النقص، ولا يكون ذلك إلا لكثرة ما بهم من علل وفساد، فإن كثرة الأطباء حول المريض إن دلت على شيء فإنما تدل على تدهور حالته!
وأخبرنا القرآن الكريم بأن اليهود بهم من الصفات ما لا يوجد بغيرهم من الأمم، فاليهود "قتلة الأنبياء، مغضوب عليهم، ملعونون، يأكلون السحت، ينقضون العهود، مجادلون، متحايلون، جبناء، بأسهم بينهم شديد... إلخ"، وكل صفة من هذه الصفات على حدة كفيلة بزوال أمة كاملة.
توطئة
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89]، من المسلَّمَات التي لا تدع مجالًا للشك أن اليهود يعرفون حقيقة رسالة الإسلام كالشمس في رابعة النهار، وأنهم يعرفون النبي ﷺ كما يعرفون أبنائهم!
وقال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: من الآيه 120]، ومن المُسلَّمَات التي لا تدع مجالًا للشك أيضًا أن اليهود لن ترضى عن المسلمين ما بلّ بَحْرٌ صوفةً، وسَرَى نجمٌ وهبّت ريح، وخالفت جِرّةٌ دِرَّةً.
وجاء في السيرة النبوية لابن هشام أن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب - رضي الله عنها - قالت: "... وسمعتُ عمي أبا ياسرٍ وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب: أهو هو؟ (أي: هل محمد ﷺ هو النبي الذي نَنتظرُهُ، الموجودة بشارته في كتبنا؟)، قال حُيي بن أخطب: نعم والله. قال أبو ياسر: أتعرفه وتُثبِتُه؟ قال حُيي بن أخطب: نعم. قال أبو ياسر: فما في نفسك منه؟ قال حيي بن أخطب: عداوتُه واللهِ ما بقيت"
"عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ"
• عداوة من اتهموا الله تعالى بالفقر، وهو سبحانه الغني الذي لا تنفد خزائنه، واتهموه سبحانه بالبخل، وهو سبحانه الجوَّاد الكريم الذي إذا أعطى أدهش بعطائه.
• عداوة من حاولوا قتل النبي ﷺ ففضحهم الله وأمكن منهم.
• عداوة الملعون الذي يئس من رحمة الله فتراه يرتكب من الجرائم ما لا تتفق مع ملة من الملل، ولا مع صفة من صفات البشر، ولا حتى مع صفة من صفات الحيوانات.
• عداوة من مسخهم الله تعالى قردة وخنازير فهم يشعرون بالقبح والدونية وأن البشرية جمعاء تلفظهم لفظ النواة، ولا يواليهم ويطبع معهم ويمشي في ركابهم إلا من هم أمثالهم.
• عداوة تتمثل في عدم الرضى عن النبي ﷺ ولا عن ما جاء به ولا عن أتباعه، فاليهود كما وصفهم القرآن الكريم هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، فعداوتهم للمؤمنين قدرية، حتمية، أزلية، متأصلة فيهم حتى النخاع.
• عداوة تتمثل في قسوة القلب، ونشر الشائعات، ودسّ الفتن، ونقض العهود.
• عداوة الخسيس الذليل الجبان الذي لا عهد له ولا ذمة.
• عداوة الخائن الغادر الذي يُوقد نار الحرب بلا رحمة ولا هوادة ولا شفقة.
• عداوة من يعلن الحرب على الأخلاق فيفسدها، وعلى العلاقات والأواصر فيقطعها، وعلى الضمائر فيميتها، وعلى القيم فيدنسها، وعلى خيرات العباد والبلاد فيتلفها.
إن البغض للمسلمين قد بلغ مبلغه في قلب حُيي بن أخطب للحد الذي جعله يقوم بتقطيع ملابسه قبل أن يُضرب عنقه بالسيف كي لا يستفيد بها مسلم من بعده، وهكذا هو حال كل اليهود، لذا قال الله تعالى عنهم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]
إن بغض الإسلام والمسلمين بالنسبة لليهود هو قضيتهم التي لا تفارق قلوبهم، وهي وإن فارقت ألسنتهم أحيانًا إلا أن قلوبهم تأبى، فاليهود يعيشون بين المسلمين بقلب حُيي بن أخطب في أبدان تَدَّعي الحرية والسلام، ولكن أفعالهم وألسنتهم تأبى إلا أن تنطق بما نطق به حُيي قديمًا.. "عداوته ما حييت"
صفات من يهزمون اليهود
بداية لا بد أن نؤكد على أن الله تعالى قد تكفل بنصر دينه وعباده الصالحين، فالنصر كائن لا محالة، أفلح من جعله الله سببًا من أسباب تحقق هذا النصر! بعد أن يهيء الله تعالى له الأسباب ويزيل العوائق ويتمه، بعز عزيز أو بذل ذليل.
ونؤكد على أن الله تعالى عندما يأذن بتحقق النصر فهو يتحقق على يد البار أو على يد الفاجر.
قال تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا} [الإسراء: 5]
قال العلَّامَة السعدي في تفسيره: "واختلف المفسرون في تعيين هؤلاء المُسلطين إلا أنهم اتفقوا على أنهم قوم كفار"
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: "إنَّ اللهَ ليُؤيِّدُ هذا الدِّينَ بقومٍ لا خلاقَ لهم، وإنَّ اللهَ ليُؤيِّدُ هذا الدِّينَ بالرجلِ الفاجرِ" (تخريج الإحياء للعراقي بإسناد جيد)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "كان من أصول أهل السنة والجماعة الغزو مع كل بر وفاجر، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، كما أخبر بذلك النبي ﷺ"
أما بالنسبة لصفات من يهزمون اليهود
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]
هذه الآية تضم خمس صفات وهي:
1. يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ 2. أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 3. أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ 4. يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ 5. وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ
إننا لو تدبرنا هذه الصفات وحققناها على المستوى الفردي والمستوى العام لفتح الله لنا وبنا مغاليق الأمور ولسُدنا الدنيا ومن عليها مثلما فعل من سبقونا، ولا يكون ذلك إلا:
• لو حققنا في أنفسنا ما يُوجِب محبة الله لنا كي يقذف محبته سبحانه في قلوبنا فنعيش جنة الدنيا قبل أن نعيش جنة الآخرة.
• ولو خفضنا جناح الذل لعباد الله المؤمنين، وعِشنا معنى أُخوَّة العقيدة، وعشنا معنى الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا حدود تفرقنا ولا قوميات تمزقنا وتشتت شملنا.
• ولو رأى أعداء الله وأعوانهم منا غِلظة وعِزة وأنفة يرهبوننا بهم مسيرة ميل، وجرأة تجعل فرائسهم ترتعد وقلوبهم ترتجف، ونعيد للأمة غِيرة أبو بكر الصديق، وهيبة الفاروق، وشجاعة خالد، وعزة المُعتصم وكبرياء هارون الرشيد، رضي الله عنهم أجمعين.
• ولو جعلنا غطرسة المتغطرسين تحت أقدامنا، وتهديد المُهددين وراء ظهورنا، وتعالينا على حطام الدنيا الزائل.
• ولو أعددنا العدة التي أمرنا الله تعالى بها في كتابة الكريم (مادية كانت أو معنوية)، وجاهدنا في سبيل الله حق الجهاد، واستفرغنا الطاقة فيه بدون شطط، وبدون تهويل ولا تهوين، ومن أوسع أبواب الجهاد توريث شرعية القضية وعدالتها ونزاهتها للأجيال، وتوريثهم حب الجهاد.
• ولو أيقنَّا أن ساحة المواجهة مع اليهود واسعة رحبة تتسع لكل صوت يهتف، ولكل لسان ينطق، ولكل قلم يكتب، ولكل ريشة ترسم، ولكل وسيلة هادفة في أيّة بقعة من بقاع المعمورة.
قال العلامة السعدي رحمه الله: "{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} والجهاد بذل الوسع في حصول الغرض المطلوب، فالجهاد في الله حق جهاده، هو التأدية التامّة لأمر الله، ودعوة الخلق إلى سبيله بكل طريق موصل إلى ذلك، من نصيحة وتعليم وقتال وأدب وزجر ووعظ، وغير ذلك"
• ولو دخلنا المعركة مع اليهود ونحن نوقن أننا نواجه جبناء لا يقاتلون إلا وهم في قرى مُحصَّنة أو من وراء جُدُر، ونوقن أن بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعًا وقلوبهم شتى، ونوقن أن الله تعالى قد ألقى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة!
• ولو دخلنا المعركة مع اليهود ونحن نوقن بنصر الله ومعيته وأننا بإذنه تعالى الفئة التي لا يضرها من خذلها إلى يوم القيامة!
• ولو قدمنا ذلك كله حبًا وتعبدًا طواعية وبكل أنفة وعزة ومن دون أن نخشى من الخلق أحدًا، أو توقفنا عن ذلك فاقة ولا يرهبنا عدو مهما بلغت قوته ومهما كان شأنه.
جاء في تفسير الطبري لقوله تعالى {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}، أي: "ولا يخافون في ذات الله أحدًا، ولا يصدُّهم عن العمل بما أمرهم الله به من قتال عدوهم، لومةُ لائم لهم في ذلك".
إننا لو نظرنا لنهاية الآية التي ذكر فيها الصفات الخمس لعلمنا أن كل ما ورد فيها لا يتحقق ولا يكون إلا بإذن الله وفضله ومشيئته، وأن كل ما ورد في الآية لا يُلقاه إلا ذو حظ عظيم، ففضل الله واسع ونعمته سابغة.
وإننا لو تتبعنا الصفات التي وردت في القرآن الكريم بشأن جند الله وحزبه الذين ينتقم الله تعالى بهم من أعدائه لوجدنا أن هذه الصفات تدور في نفس الإطار الذي ورد في الآية التي ذكرناها لا تتخطاه وفي نفس المضمون لا تتجاوزه {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلًا}، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا}؟
أخيرًا أقول: يجب ألا ننسى أن اليهود إذا تمكنوا وعَلَت كلمتهم، وارتفعت دولتهم، وقويت شوكتهم، فالويل كل الويل للمؤمنين منهم، فلا قوانين تصدهم ولا تهديدات تردعهم! وإن شئت فاسأل عن تاريخهم الأسود، واسأل عن جرائمهم ومجازرهم ضد الشعب الفلسطيني.
ولا ننسى أن اليهود لا يحسبون حِسابًا إلا لمن يُجاهدهم جهادًا لا هوادة فيه، جهادًا يُرغم أنوفهم ويذل أنفسهم ويكسر شوكتهم ويخبرهم أن جيش محمد باق إلى قيام الساعة، حينها لا ترى منهم إلا ذلة وخنوعًا وانكسارًا.
وأقول: إن الله تعالى قد توعد اليهود بأن يُرسِل عليهم إلى يوم القيامة من يسوموهم سوء العذاب، بدليل:
• قبل الإسلام أرسل الله تعالى على اليهود فرعون سامهم سوء العذاب.
• وبعد البعثة أرسل الله تعالى عليهم النبي ﷺ فأجلاهم عن المدينة وشردهم تشريدًا ومزقهم تمزيقًا.
• وبعد وفاة النبي ﷺ أرسل الله تعالى على اليهود الفاروق عمر – رضي الله عنه - فطهَّر الجزيرة العربية من رجسهم.
• وفي العصر الحديث أرسل عليهم "هتلر" فحرقهم حرقًا لما وجد فيهم من خيانة وفسادٍ وإفسادٍ.
• والآن نرى بأم أعيننا أن الله تعالى قد أرسل على اليهود أبناء القسام وتلاميذ حسن البنا وأحمد ياسين الذين يذيقون الصهاينة الويلات جزاءً وفاقًا... ووعد الله بنصر أوليائه والانتقام من أعدائه قائم إلى أن تقوم الساعة.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر
المصدر: بصائر