عن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزل في الفضة والذهب ما نزل، قالوا يا رسول الله: فأي المال نتخذ؟ فقال: "ليتَّخِذْ أحدُكُم قَلبًا شاكرًا، ولِسانًا ذاكرًا وزَوجةً مُؤْمِنَةً تعينُ أحدَكُم علَى أمرِ الآخِرةِ". (صحيح ابن ماجه)
حديث عظيم يصف الزوجة المؤمنة التي تعين زوجها على أمر الآخرة بأنها "كنز" وهي خير ما يدخره المرء لوقت الأمات، فكما أن كل امرأة في حاجة إلى زوج صالح، فإن الرجل أيضا في حاجة إلى زوجة صالحة، لاسيما في وقت الأزمات والشدائد، كي يستطيعوا تخطي صعوبات الحياة بسلام وأمان.
انظر إلى الدعم الذي قدَّمته أمُّنا السيدة خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم حين عاد من غار حراء بعدما نزل عليه أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته: زملوني زملوني.. لقد خشيت على نفسي"، فإذا بها تهدئ من روعه وتقول له: "كَلا، وَالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" (رواه البخاري)
ما أجمل هذه الكلمات التي سمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- من زوجه خديجة التي بُشِّرت ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فأعطته دَفعةً، وزادته طمأنينة، وهو النبي الكريم والإنسان العظيم صلى الله عليه وسلم، وكل زوجة تحتاج لأن تقتدي بالسيدة خديجة كما أن كل زوج يحتاج لأن يقتدي بالنبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
إن السيدة خديجة رضي الله عنها قدمت المثال الطيب والقدوة الرفيعة للمرأة المؤمنة، لاسيما لزوجات الدعاة بشكل خاص، حيث يجب عليها أن تعمل على تخفيف الهموم عنه، وتعيد له نشاطه من جديد، ولا تكون سبباً في كثرة المشاكل؛ والتي تؤدي إلى تعب الزوج، وكثرة همومه ومشاكله الحياتية.
"وذلك لأن المرأة الصالحة لها أثر في نجاح المؤمن في دعوته وفي سيره إلى الله تعالى، ويتضح ذلك من موقف السيدة خديجة -رضي الله عنها- وما قامت به من الوقوف بجانب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أول يوم من أيام البعثة النبوية الشريفة. لأن للزوجة دور عظيم في نجاح زوجها في مهمته في هذه الحياة، فالدعوة إلى الله تعالى هي أعظم أمر يتحمله البشر، فإذا وُفِّق الداعية لزوجة صالحة ذات دين وتقوى، وذات عقل راجح وعلم نافع، فإن ذلك من أهم عوامل نجاحه في الحياة، وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ) (رواه مسلم) "السيرة النبوية للصلابي بتصرف"
هذا المثال الطيب للزوجة الصالحة، ودعمها لزوجها، هو من أهم ما تقدمه المرأة لزوجها وعملها على طمأنة قلبه وإزالة ما به من عناء وقلق.
وبغض النظر عن وجود أي خلافات في الطبع أو في وجهات النظر بين الزوجين، وهذا أمر طبيعي يحدث في كل الحالات، فإن المرأة مهما كانت جوانب ضعفها أو قصورها تعتبر من أهم عوامل الدعم والمساندة للزوج في وقت الشدة.
إن كل مؤمن وكل داعية إلى الله يحتاج إلى أن تدرك زوجته واجب الدعوة وأهميته، وتدرك تمامًا ما يقوم به الزوج، وما يتحمله من أعباء، وما يعانيه من مشاقٍّ وضغوط نفسية، فتقف إلى جانبه تُيسِّر له مهمته، وتعينه عليها، لا أن تزيد من مصاعبه ومتاعبه.
رسالة إلى الزوجة
ومن الوصايا النافعة لزوجات الدعاة ما كتبه الدكتور محمد بن عبد الله الدويش حفظه الله قائلا: "يا من وفَّقك اللهُ أن تكوني زوجة لأحد الدعاة، خطيبًا كان، أو أستاذًا، أو محتسبًا؛ أستأذنك في أن أضع أمامك هذه الخواطر:
أولاً: احمدي الله -عز وجل- أن تكوني زوجة لهذا الرجل الذي يعيش لأمته لا لنفسه، إنه يسافر ولكن قد يكون البديل زوجًا يسافر إلى حيث لا تأمنين عليه الخيانة، إنه منشغل لكن قد تكوني زوجة لمنشغل في جمع حطام الدنيا، وهو أحيانًا يسهر لساعة متأخرة، لكنه خير ممن يسهر في اللهو واللعب.
ثانيًا: هل رأيت دُرَّة دون ثمن، أو ثمرة دون تضحية؟ فهي نعمة عظيمة عليك وعلى أولادك أن تُرزَقي مثل هذا الزوج الصالح، لكنك لابد أن تدفعي الثمن؛ فتفقديه كثيرًا، ويتأخر في تلبية بعض المطالب، ولكن كل هذه التضحيات تهون دون هذا الثمن، ودون أن تفوزي بشريك الحياة من هذا الصنف الفريد.
ثالثًا: هل سمع زوجُك منك كلمة تأييد؟ أو رأى منك استبشارًا وتشجيعًا لما يقدِّم من جهد؟ أو تلقَّى نقدًا هادفًا بناء؟
أليس فقدانه لذلك تقصيرًا في حقِّه؟ أما أن يسمع النقد اللاذع: "كثرت مشاكلك، غبتَ عنا كثيرًا، لم تؤدِّ الطلبات، ضيعتَ أسرتك..."؛ فأعيذك بالله من ذلك.
رابعًا: ألا ترين أن مثل هذا الزوج يستحق أن تعرضي عليه خدماتك، فتجمعي له النصوص، أو تُعدِّي المراجع، أو تطرحي عليه رأيًا مسدَّدًا، وإن عجزت عن ذلك فقولك له: "أي مساعدة أقدمها لك؟" يعطيه دَفعة أحوج ما يكون إليها.
رسالة للزوج
إن كانت هذه واجبات الزوجة، فهناك أيضا وجبات على الزوج تجاه زوجته وبيته، وأن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في اهتمامه ورعايته لأهل بيته، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله، فإذا نودي بالصلاة خرج إليها وكأنه لا يعرفنا" [رواه البخاري] وسئلت عائشة عنه: ما كان يصنع في بيته؟ قالت: "يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة" [رواه البخاري].
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير زوجاته حتى في أمور الدعوة، فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يستشير السيدة أم سلمة رضي الله عنها يوم الحديبية. والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم هو أول خطوة في الطريق الصحيح لإصلاح بيوتنا.
وعلى الزوج أيضا مسئولية الارتقاء الإيماني والدعوي بأهل بيته، لا سيما مع زوجته، بأن يعقد جلسة إيمانية وتربوية كل أسبوع، وأن يعطيهم من اهتمامه بأمورهم وأحوالهم، ويجب عليه إن كان مشغولا أن ي يفرغ يوما في الأسبوع لقضائه مع زوجته وأولاده يرعى شؤنهم ويترك لهم أثرا طيبا في حياتهم.
وهذه وصايا نافعة لكل زوجة تجاه زوجها:
كوني حريصة على الاهتمام بكل تفاصيل حياته والاطمئنان عليه دائما.
الاهتمام بالأولاد وحسن تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم.
المشاركة الدعوية الفاعلة، واستشعار مسئولية الدعوة والتربية والإصلاح.
وضع أهداف مشتركة، والاهتمام بالوسائل الدعوية والتربوية.
نظافة البيت وتهيئته ليكون سكنا واطمئنانا وراحة وجمالا.
الحرص على الصلاح والتقوى، والمسارعة في عبادة الله وذكره وطاعته في كل وقت.