الرسول قدوتنا، فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام الدعاة وأعظم قائد للجهاد والمجاهدين؛ لذلك وجب على كل من يريد السير على الصراط المستقيم أن يتبع هديه وسنته، وأن يقتدي به، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}الأحزاب21

فقد كان إمام المجاهدين - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على هداية الناس كل الناس في الأرض كل الأرض، وجعل الهداية الهدف الأسم من الجهاد، كما وصفه ربه بقوله - تعالى -: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة128 وهو رحمةٌمهداة للعالمين، قال عنه ربُّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الأنبياء107

لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فدعا أهلها إلى الله - تعالى - وإلى أن يؤووه حتى يبلغ رسالة ربه - عز وجل - ردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهموماً فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب . فإذاهو بغمامة وإذا فيها جبريل ومعه ملَك الجبال، فناداه ملَكُ الجبال فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليكالسلام وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بل استأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك بهشيئاً ).

لقد بلَّغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالةَ وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وصبر علىالأذى الذي ناله في سبيل الله. عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال كأنيأنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه يقول اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. متفق عليه.

وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: "بشروا ولا تنفرواويسروا ولا تعسروا". متفق عليه.

شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم

لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الرحمة والشجاعة، وبين القوة والرأفة، يستخدم كل خلق وصفةفي مكانه ووقتها المناسب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، ولم يمنعه ذلك من أنيكون أرحم الناس بالناس، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسنالناس وأشجع الناس وأجود الناس، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ فَتَلَقَّاهُمْرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ فِيعُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا. رواه البخاري ومسلم.

وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -وهو من أبطال الأمة وشجعانها- قال: (إنا كنا إذا اشتد بناالبأس واحمرَّت الحدق اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما يكون أحدٌ أقربَ إلى العدو منه،ولقد رأيتني يومَ بدرٍ ونحن نلوذُ برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو أقربُنا إلى العدو) رواه أحمدوالطبراني والنسائي.

النبي رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم

وقد بعث الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لكل العالمين، ليس للعرب فقط، وليس للمسلمينفقط، وليس للإنس وفقط، بل لكل العالمين كما قال الله في كتابه الكريم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

ومع شجاعته الفائقة، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - رؤوفاً رحيماً. عن عبد الله، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرة (طائر يشبه العصفور) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تُعرش، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. أبو داود.

وعن سهيل بن الحنظلية قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة". "المعجمة: التي لا تنطق". رواه أبو داود بإسناد صحيح.

فهذه رحمة النبي بالطيور وبالبهائم، فما بالك برحمته بالناس، وحرصه على هداية الناس واستنقاذهم من النار. فقد عاد النبي - صلى الله عليه وسلم - غلاماً من اليهود كان مريضاً، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال: أطع أبا القاسم فأسلم، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار" رواه البخاري. إنها الشفقة على الناس والحرص على إخراجهم من الظلمات إلى النور.

وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أيضا ورباهم على الرحمة والرأفة، وعلى القوة والشجاعةأيضا، وعلمهم أن يتوجهوا بأخلاق الرأفة والرحمة إلى إخوانهم من المؤمنين، وأن يتوجهوا بقوتهموشدتهم وشجاعتهم في التعامل مع الكافرين والظالمين، كما وصف الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم قال الله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُأَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِيوُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَفَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةًوَأَجْراً عَظِيماً} الفتح29