د. محمود القلعاوي*

على الرغم من الغربة والبُعد عن الوطن كانت تحرص على ربط أولادها بحب وطنهم الذي اختطفه الاحتلال حتى أنها حرصت وهي عائدة من إحدى زياراتها لموطنها غزة على أن تأخذ لهم هدية، ترابا وحجارة، من أرضها الطاهرة، وسوارا يتزين بألوان العلم الفلسطيني.

تعمل الأمهات جاهدة على غرس كل قيمة نافعة في نفوس صغارها، وأمهات غزة يرضعن أبناءهن حليب الوطن، فيشب الصغير رافضا حياة الذل والهوان،يُدافع عن أرضه حتى لو دفع روحه ثمنا لهذا.

الأم الغزِّيَّة تربي أسودا يدافعون عن وطنهم، يستشهدون في سبيل خروج المغتصبمن من أرضهم، تحمل على عاتقها تنشئة جيل تحرير المسجد الأقصى، تحملت في سبيل هدفها وغايتها مشاق الحياة من تربية صغارها ورعايتهم خاصة إذا كان الزوج نال شرف الشهادة أو غُيب خلف قضبان العدو المحتل.

أطفال العالم يتعلمون التاريخ من حبر وورق، أما أطفال غزة فأمهاتهم تعلمهم تاريخ بلدهم وتضاريسها كقطعة منهم لا فكاك عنها، بل هو الروح والحياة، والرباط والتحمل، والعزيمة والوطنية.

تربية أمهات غزة لم تكن بالمأكل والملبس وكفى، بل أهم من هذا كله، بالإعداد للجهاد في سبيل الله لتحرير وطنهم، وتطهير القدس من دنس الاحتلال.

إنك لأحب البلاد إليّ

والمتأمل في سيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرى شدة حبه  ـ صلى الله عليه وسلم ـ لوطنه مكة المكرمة، فكانت كلماته المشهورة وهو مفارق لوطنه بعد سنوات طوال من إيذاء أهل مكة وتصدي الكثير منهم لدعوته:

"واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ" رواه الترمذي

وكان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوقع ناقته –أى أسرع بها - رواه البخاري دلالة على حبه صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة.

ولما هاجر إلى المدينة المنورة واستوطن فيها أحبها وألفها كما ألف وأحب مكة، بل كان يدعو أن يرزقه الله حبها كحبه مكة :" اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ " رواه البخاري ، وفي رواية لمسلم: " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا في ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا في مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنَّه دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وإنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ معهُ"

هذه الروح نراها في سلفنا الصالح فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

"لولا حب الوطن لخرب بلد السوء" ويقول:" بحب الوطن عمرت البلدان " وأما الصحابي الجليل عبد الله ابن عباس رضي الله عنهمافيقول: "لو قنع الناس بأرزاقهم قنوعهم بأوطانهم لما شكا عبد رزقه"

ومما يروى عن أبى عمرو بن العلاء:" مما يدل على كرم الرجل وطيب غريزته حنينه إلى أوطانه".

وكان إبراهيم بن أدهم إذا جلس في أي بلد غير وطنه نازعته نفسه للرجوع إلى وطنه بغداد ويقول: " ما قاسيت فيما تركت شيئا أشد عليّ من نزاع النفس إلى الوطن “.

وقيل لأعرابي: أتشتاق إلى وطنك؟، قال: كيف لا أشتاق إلى رملة كنت جنين ركامها ورضيع غمامها؟!

وقديما قالوا: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى مولدها مشتاقة وإلى مسقط رأسها تواقة.

النية الصالحة بداية لابد منها

كانت نيتها:"إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا" سورة آل عمران: 35 وأما خليل الرحمن فدعا ربه: " رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ"سورة الصافات: 100

هذه هي البداية الصحيحة للزواج نية صالحة يُبنى عليها البيت:أن يكون لإخراج جيل مسلم صالح ينصر الأمة ويجاهد في سبيل تحرير أقصاه من دنس اليهود المغتصبين واستئصال الذل في جسد أمته وأن يزرع العزة والكرامة وتكريم الأمةوتحقق الاستخلاف الموعود هذا بالطبع مع العفة وغض البصر والتحصين

أحسبها نوايا لابد أن يضعها كل مقبل ومقبلة على الزواج في اعتباره ونصب عينه وهو مقبل على اختيار رفيق دربه وشريك حياته.

أفكار لغرس حب الوطن في نفوس الصغار

    الحديث مع أولادنا عن سيرته صلى الله عليه وسلم ومدى حبه وشوقه لوطنه وحزنه على فراقه وحاله وهو يودع وطنه.

    كن قدوة لصغارك في حب الوطن فما أروع أن يرى الصغير حبك لوطنك بالفعللا بالقول.

    الإكثار من قصص المدافعين عن أوطانهم ونيلهم الشهادة في سبيل ذلك من السلف الصالح.

    مشاهدة فيديوهات المقاومة الفلسطينية وما يبذله الشباب في سبيل نصرة وطنه وتحريره من المحتل الغاصب.

    تدريب الأطفال على التعبير عن مشاعرهم الوطنية

    اصطحاب الأطفال إلى الأماكن التي تبرز فيها الروح الوطنية كالندوات والمؤتمرات مما يعمق حب الوطن لدى الطفل منذ الصغر بالطبع مع ما يتناسب مع أعمارهم.

    تعليق الأعلام والرايات التي تُبرز معنى الوطنية وحب الوطن.

    حفظ الأناشيد الوطنية مما لها أكبر الأثر في تنمية الحس الوطني.

    تشجيعهم على إبراز حبهم لوطنهم بالتعبير عن ذلك سواء بالكلام أوالكتابة أو الأناشيد وكذلك المناقشات معهم.

    الحرص على المظاهرات التي تدل على حب الوطن كالمحافظة على الأماكن والممتلكات العامة بعدم إلقاء القمامة في الطرقات أو عدم الكتابة على جدرانها.

رئيس اتحاد علماء الأزهر بتركيا ورئيس أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية*.