د.منى صبحي
رئيس المنتدى العالمي للفكر والثقافة
ومن هناك.. من غار حراء الذي اتخذه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم معتكفا له في رمضان قبل ثلاث سنوات من البعثة ، يتعبد الله بما تبقى من الحنيفية ؛ تحوطه رعاية زوجة محبة ودود ، ترسل له من يحرسه ويتفقد زاده .. ولم يخطر ببالها يوما أن يهرول اليها الحبيب مضطربا بعد فجر ليلة خير من ألف شهر طالبا أن يزملوه قائلا لها ( لقد خشيت على نفسي ) !
لم تفكر كثيرا ..نفت بسرعة هذه المقولة (كلا والله مايخزيك الله أبدا )، وأخذت تعيد اليه الثقة بنفسه وتذكره بمناقبه وأوجه البر التي يقوم بها ، ثم مالبثت ان انطلقت به الى ابن عمها الحكيم العابد ورقة بن نوفل ليقص عليه خبره وما كان من تفسيره !
و تكرر المشهد ثانية بعد عودة الحبيب المصطفى الى الغار ليكمل رمضان ، ولكن الوحي تأخر عليه أياما الى أن تجلى له صبيحة شوال في الوادي في مهابة وضخامة أخافته ، ليهرع الى خديجة الحبيبة ( دثروني وصبوا علي ماء باردا )..!
إذن انها النبوة والرسالة الخاتمة ! ماأسعد البشرية بتلك الرحمة المهداة والسراج المنير الذي يبصرها الطريق ! وما أهنأ قلبك الكبير سيدتي بزوجك الحبيب والرسول الكريم !
كانت امرأة جميلة الخلق والخلقة ؛ ذات حسب ونسب ومال وتجارة ممتدة ، ولكنها ذاقت الترمل أكثر من مرة ، وضمت أيتاما تربيهم ؛ وعندما اطمأنت للتعامل مع سيدنا محمد في تجارتها وتوسمت فيه شمائل الرجل والزوج الصالح عرضت عليه أن يتزوجها ، وهي من هي في قومها ، فكان زواجا طيبا مباركا وقدوة لبيوت المؤمنين الى يوم الدين ..
منذ اليوم الأول للدعوة وهبت السيدة خديجة رضي الله عنها نفسها ومالها وراحتها لله ؛ فكانت اول من آمن بالنبوة ، ثم تلاها بناتها وربائب النبي صلى الله عليه وسلم : علي والزبير وزيد وابنها هند ..وكانت أول من توضأ وصلى مع الرسول الكريم بعد أن علمه جبريل الوضوء والصلاة قبل الاسراء ..كما احتسبت مع زوجها الحبيب فقد اثنان من أبنائهما ،ثم توالت الاختبارات على بيت النبوة بعد الجهر بالدعوة فلم يعرف استقرارا ؛ اذ اشتد ايذاء المشركين للنبي الكريم وأهل بيته والقلة المؤمنة حتى وصل بهم الأمر الى حصارهم اقتصاديا واجتماعيا في شعب أبي طالب ، وكانت السيدة خديجة معهم مواسية داعمة، ولم تسلم من أذى كفار قريش لتجارتها ، واعتدوا على محاولات تهريب أقاربها القمح للمحاصرين حتى أكلوا ورق الشجر ..!
ويأتي رمضان العام العاشر بعد البعثة ، وبعد انتهاء الحصار بستة أشهر ، كانت الطاهرة خير نساء الأرض تتجاوب مع البشريات من جبريل عليه السلام بسلام الله عليها وسلام جبريل : (الله السلام وعلى جبريل السلام )..
كانت روحها تهفو إلى بيتها في الجنة بلا صخب ولا نصب ..فقد وقفت بيتها في الدنيا لدعوة الله واحتسبت ماأصابه في سبيل الله رغبة بماعند الله ..وماعند الله خير وأبقى ..
ماتت الزوجة والأم الحبيبة المجاهدة الصابرة المرابطة بعد ربع قرن من العشرة الطيبة مع خير خلق الله ..وحفظ لها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مكانتها في قلبه :(اني رزقت حبها )..وكان يكثر من ذكرها والثناء عليها والاستغفار لها ووصل من كان من ودها ..
ماتت أم المؤمنين وقد تركت سيرة عطرة لكل المؤمنات المجاهدات الصابرات : هذا طريقنا ..وهذه بيعتنا ..والجنة موعدنا !