يزداد إقبال المسلمين على تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، ولمَ لا؟!

فهذا هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس، وبينات من الهدى والفرقان، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ (الدخان:3) ويقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ (القدر:1) ويقول تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة:185).

والمطلوب من المسلم الصادق أن يعيش مع القرآن في رمضان وغير رمضان، وأن يزداد اقترابًا من القرآن في شهر الصيام؛ حيث تفرغ المعدة، وتنجلي الفكرة، ويصفو الذهن؛ حيث صلاة القيام التي نستمع فيها إلى آيات الذكر الحكيم من أفواه القراء المتقنين؛ حيث نحرص على التهجد في ثلث الليل الأخير، فنخلو إلى القرآن، ونبتهل إلى الرحمن، ونستغفر الله تعالى لذنوبنا وآثامنا.

وحين نقرأ القرآن فإن استفادتنا منه تتفاوت بقدر تدبرنا في آياته، وأفضل الاستفادة أن نشعر وكأن القرآن أُنزل علينا، فنتجاوب مع الآيات، ونبادر إلى سرعة الاستجابة للأوامر والنواهي، ونعيش مع الرسل الكرام في دعوتهم لأقوامهم ونصحبهم في رحلتهم في البلاغ المبين، ونشعر بمشاعرهم عندما واجههم المشركون والكفار والظالمون، والفجار.

كيف نستفيد من رمضان ونعيش مع القرآن؟

أولاً: فليحرصْ كل منا أن يختم القرآن أكثر من مرة في هذا الشهر الكريم؛ تلاوةً واستماعًا وقراءةً في الصلاة.

ثانيًا: فليراجع كل منا ما حفظه من القرآن خلال هذا الشهر الفضيل، وأفضل المراجعة أن يقرأ به في صلاته مع المداومة، خاصةً صلوات النوافل، وليطل الصلاة؛ حيث يحرص على التبكير إلى المسجد مع الأذان، ويستثمر الدقائق العشر بين الأذان والإقامة في صلاة السنن بما يحفظ من القرآن.

ثالثًا: فليجعل كل منا له وردًا للاستزادة من الحفظ خلال رمضان، جزءًا أو يزيد حتى يحفظ القرآن كله.

رابعًا: أن يحرص المسلم على صلاة التراويح خلف إمام متقن للحفظ حسن الصوت، يختم القرآن في الشهر مرةً على الأقل، فيسمع منه إلى القرآن كله مع التدبر الكامل.

خامسًا: أن يكون لكل مسلم ركعات خاصة في القيام قبل النوم وعند السحور، يردد فيها آيات الذكر الحكيم بخشوع وتدبر، يقف عند المعاني، ويتأمل في الأحكام، ولا يستعجل فيها نهاية السورة كما كان الرسول ﷺ يقوم الليل أحيانًا بآية واحدة يرددها حتى يطلع الفجر.

سادسًا: أن يُقبل المسلم على كتب التفسير، فيختار منها أحدها، وليكن متوسطًا، فيقرأ ولو صفحة أو بضع صفحات، وحبذا لو اجتمع على ذلك أهل البيت أو الأصدقاء أو أهل المسجد أو الجيران؛ لأن معرفة تفسير القرآن تعين على الحفظ وتساعد على التدبر.

وبعد.. هل كل هذا هو المطلوب من المسلم تجاه القرآن في رمضان وغير رمضان؟ لقد أصبح القرآن الآن بعد أن ارتبطت به وأقبلت عليه حجة لك أو عليك؟

فهل هناك عاقل يجعل القرآن حجة عليه يوم القيامة أمام الرحمن؟!! هل هناك عاقل بعد أن عاش مع القرآن لا يجعله دستورًا لحياته، ومنهاجًا لعمله؟!! هل هناك عاقل يدع هذا الكتاب المعجز ويهجره بعد ذلك؛ تطبيقًا ودعوة إليه وتمسكًا به؟!!.

عليك بعد ذلك أيها الأخ الكريم:

أن تداوم على الصلة بالقرآن ولا تقطعها أبدًا.

أن تطبق ما علمته من أحكام القرآن في حياتك كلها.

أن تدعو غيرك إلى منهاج القرآن القويم، بالقدوة العملية، وباللسان المبين، وبالشرح والتفسير، وبالجهاد الحسن.. ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ (الفرقان:52).

أن تتعمق في دراسة علوم القرآن وأحكام القرآن؛ كي تدعو إلى الله على بصيرة وبينة وبرهان، باختصار.. أن تكون رجلاً قرآنيًا، أو بالأحرى.. قرآنًا يمشي على الأرض.. كل عام وأنتم بخير، وأنتم مقبلون على القرآن، تلاوةً واستماعًا، فهمًا وتدبرًا، تطبيقًا وعملاً، دعوةً وجهادًا.

«اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب غمنا وكربنا، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته».. آمين آمين آمين.