بقلم: عاطف عبد الهادي*

منذ ظهور دعوته صلى الله عليه وسلم، وبرغم عِداء كثير من المحيط حولها، كانت هناك شهادات منصفة من حكماء العرب تجاه الداعي الذي لم  يقدر لهم الالتحاق بدعوته، ومنذ قرون طويلة والعلماء والمفكِّرون والمنصفون في الغرب يركِّزون على شخصيةِ الرسول، ويحاولون تلمُّس نواحي العظمة فيها والتعرف على مظاهرِ القوةِ التي حباه الله سبحانه وتعالى.

وها هم مفكرو الغرب يشهدون شهادةَ حقٍّ للتاريخ  الإنساني، وحتى لا يقولَ قائلٌ ما عرفنا فضلَه إلا بقرآنِكم أو من شهادتكم، ونحن نستعرض هنا نماذجَ قديمةً وحديثةً أيَّدت النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكان في نظرها من أعظم الرجال وأخلص المجاهدين وأكرم المصلحين.

أكثم بن صيفي

كانت العرب لا تقدِّم عليه أحدًا في الحكمة، وهو ابن عبد العزى بن سعد بن ربيعة بن أصرم، من ولد كعب بن عمرو، وهو من الحجاز.

روي عن ابن عمير قال: بلغ أكثمَ بنَ صيفي مَخْرجُ رسولِ الله، فأراد أن يأتيَه، فأبى قومه أن يَدَعوه، فقال: مَنْ يبلغه عني ويبلغني عنه؟ فانتدب رجلين، فأتيا النبي محمدًا فقالا: نحن رسلُ أكثم بن صيفي، وهو يسألك، مَنْ أنت، وما أنت، وبم جئت؟ فقال النبي محمد: "أنَا محَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، وأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" ثم تلا عليهما ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ (النحل).

فقالا: رد علينا هذا القول، فرده عليهم حتى حفظوه، وأتيا أكثم فقالا: سألناه عن نسبه، فوجدناه واسط النسب في مضر، وقد رمى إلينا كلماتٍ، فلما سمعهن أكثم قال: يا قوم، أراه يأمر بمكارمِ الأخلاق، وينهى عن ملائِمها، فكونوا في الأمر رءوسًا، ولا تكونوا أذنابًا، وكونوا فيه أولاً، ولا تكونوا آخرًا، فلم يلبث أن حضرته الوفاة.

الطفيل بن عمرو الدوسي

كما جاء في تهذيب سير أعلام النبلاء يقول الطفيل عن نفسه "كنت رجلاً شاعرًا سيدًا في قومي، فقدمت مكة، فمشيت إلى رجالات قريش، فقالوا: إنك امرؤٌ شاعرٌ سيد، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل، فيصيبك ببعض حديثه، فإنما حديثُه كالسحر، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا، فإنه فرَّق بين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وابنه.

فوا لله ما زالوا يحدثونني شأنه، وينهونني أن أسمع منه حتى قلت: والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني، قال: فعمدت إلى أذني، فحشوتها كرسفًا، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ في المسجد، فقمت قريبًا منه، وأبى الله إلا أن يُسمِعَني بعض قوله، فقلت في نفسي: والله إن هذا للعجز، وإني امرؤٌ ثبْت، ما تخفى عليَّ الأمورُ حسنُها وقبيحُها، والله لأسمَعنَّ منه، فإن كان أمره رشدًا أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكرسفة، فلم أسمع قط كلامًا أحسن ولا أجمل منه، فلما انصرف تبعته، فدخلت معه بيته.

فقلت: يا محمد!! إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، فأخبرته بما قالوا، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول، وقد وقع في نفسي أنه حقٌّ، فاعرض عليَّ دينَك، فعرَّض عليَّ الإسلام فأسلمت، ثم قلت: إني راجعٌ إلى دوس، وأنا فيهم مطاعٌ، وأدعوهم إلى الإسلامِ لعلَّ الله أن يهديَهم، فادع الله أن يجعل لي آيةً، قال: "اللهم اجعل له آيةً تعينه".

فكان الطفيل يدافع بعد ذلك عن النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يكن من عشيرته ولا قبيلته.

مهاتما غاندي

في جريدة "ينج إنديا" يتكلم غاندي عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "أردت أن أعرف صفاتِ الرجل الذي يملك- بدون نزاع- قلوبَ ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كلَّ الاقتناع أن السيفَ لم يكن الوسيلةَ التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانتَه، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.. هذه الصفاتُ هي التي مهَّدت الطريق، وتخطَّت المصاعبَ وليس السيف، بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي آسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة".

راما كريشنا راو

جاء في كتاب (محمد النبي) للبروفيسور ك. س راماكرشنا راو أنه: "في شخص رسول الإسلام رأى العالمُ أندَرَ ظاهرةٍ على وجه الأرض متمثلةً في إنسان من لحم ودم"، ويقول: "لا يمكن معرفةُ شخصيةِ محمدٍ بكل جوانبها، ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدِّمَه هو نبذةٌ عن حياتِه من صور متتابعة جميلة، فهناك محمد النبي- ومحمد المحارب- ومحمد رجل الأعمال- ومحمد رجل السياسة- ومحمد الخطيب- ومحمد المصلح- ومحمد ملاذ اليتامى- وحامي العبيد- ومحمد محرر النساء- ومحمد القاضي- كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهِّله لأن يكون بطلاً".

برناردشو

لبرنالدشو مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية؛ حيث يقول فيه: إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائمًا موضعَ الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، وهو خالدٌ خلودَ الأبد، وإني أرى كثيرًا من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بيِّنةٍ، وسيجد هذا الدين مجالَه الفسيحَ في هذه القارة (يعني أوروبا).. إن رجالَ الدين في القرون الوسطى ونتيجةً للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنني اطَّلَعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أن يسمى منقذ البشرية، وفي رأيي أنه لو تولَّى أمر العالم اليوم لوُفِّق في حلِّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها.

ويقول: أعتقد أن دين محمد هو الدين الوحيد الذي يناسب كل إنسان، ويصلح لكل زمان ويتماشى مع كل بيئة في هذا العالم في كل مرحلة من المراحل.. وإنني أتنبأ بأن دينَ محمدٍ سيلقى القبولَ في أوربا كما يلقاه الآن.

أما عن إعجابه بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم فقال: قد قرأت الكثير عن محمد ودرست ما يدعو إليه هذا الرجلُ العظيم فأعجبت به.. واعتقدت أنه ما كان ضدَّ المسيح ومن الواجب أن يُدعَى (المنقذ للإنسانية).

مايكل هارت

هذا عالمٌ من علماء الفلك والرياضيات، وهو مع ذلك مؤرخ، ألَّف كتابًا أسماه (الخالدون المائة)؛ حيث كتب فيه عن أهم مائةِ شخصية في العالم كان لهم أعظمُ التأثير في البشر، وذكر منهم على سبيل المثال: آزوس- أرسطو- بوذا- كونفوشيوس- هتلر- أفلاطون- زرادشت- وغيرهم, لكنه مع هذا ذكر أن أعظم شخصيةٍ في التاريخ وكان لها أعظم الأثر والتأثير في الأمم والتاريخ هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، فكان النبي محمدٌ في المرتبة الأولى على رأس هؤلاء المائة، وكان المسيح عيسى ابن مريم في المرتبة الثالثة والنبي موسى في المرتبة الأربعين.

ويقول مايكل هارت معلِّلاً: "إن اختياري لمحمد- صلى الله عليه وسلم- ليأتي في المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيرًا في البشرية قد يُدهش بعض القراء، وقد يعترض عليه البعض، ولكنه كان الرجل الوحيدَ في التاريخ الذي حقَّق نجاحًا بارزًا على كلٍّ من المستوى الديني والدنيوي" (الخالدون المائة- ص 33 مايكل هارت).

وليام مكنيل

وهو أيضًا مؤرخ أمريكي كتب مقالاً بمجلة (التايمز) حوالي سنة 1974 جاء فيه: "ولو أنك قست الزعامة بمدى تأثيرها فإنك يجب أن تذكر المسيح وبوذا ومحمد وكونفشيوس على أنهم أنبياء العالم العظماء".

توماس كارليل

وها هو الكاتب الإنجليزي والمفكر المنصف توماس كارليل مؤلف كتاب (الأبطال) والذي أفرد فصلاً كاملاً منه عن سيدنا محمد، حذَّر فيه الناسَ من تصديقِ ما يُشاع عن الإسلام من أكاذيبَ وما يذاع عن نبيه من أباطيلَ وتعدِّياتٍ، وقال: لقد ظلت الرسالةُ التي جاء بها محمدٌ صلى الله عليه وسلم سراجًا منيرًا لملايين كثيرة من الناس التي عاشت عليها تلك الملايين وماتت أكذوبة أو خديعة.

ثم يتحدث عن رسول الله فيقول: لقد أحببت محمدًا لخلوِّ نفسه من الرياء والنفاق وبراءتها من التنطع والطمع وحب الدنيا، وأردف يقول: "لقد كان صوت محمد قادمًا من قلب الطبيعة الصحراوية النقية الطاهرة وهذا أَوْلَفَ الآذانَ إلى القلوب، فاستقرَّت كلماته فيها".

جولز ماسيرمان

وبنفس المجلة كتب جولز ماسيرمان- الأستاذ بجامعة شيكاغو- يوضِّح الشروط التي يُختار على أساسها القائد، وهي: أن يتوفَّر في القائد التكوينُ السليمُ للقيادة، وأن يوفِّر هذا القائد لشعبه مجموعةً واحدةً من المعتقدات، وأن يكون لديه نظامٌ اجتماعيٌّ يشعر فيه الناسُ نسبيًّا بالأمن والطمأنينة، وبعد ذلك توصل إلى ما قاله: "ولعل أعظم قائدٍ كان على مرِّ العصور هو محمد الذي جمع الأعمالَ الثلاثةَ، وقد فعل موسى نفس الشيء بدرجة أقل".

لامارتين

وهذا شاعر فرنسي يُدعى لامارتين يتحدث عن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- فيقول: "أعظم حدثٍ في حياتي هو أنني درستُ حياةَ رسولِ الله محمدٍ دراسةً وافيةً، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود.. أي رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد؟! وأي إنسان بلغ من مراتب الكمال مثل ما بلغ؟! لقد هدم الرسول المعتقداتِ الباطلةَ التي تُتَّخذ واسطةً بين الخالق والمخلوق، ثم يقول "وبالنظر إلى كل المقاييس التي يمكن أن تقاس بها عظمةُ البشر يحق لنا أن نسألَ: هل يوجد أي إنسانٍ أعظم منه (يقصد محمدًا صلى الله عليه وسلم)؟!" (تاريخ الأتراك- لامارتين- باريس سنة 1854).

تولستوي

ومثله يقول الشاعر الروسي: "إن النبي محمدًا من عِظام الرجال المُصلحين، ويكفيه فخرًا أن هدَى أمةً برمَّتها إلى الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام".

توماس أرنولد

ويقول توماس أرنولد المستشرق الإنجليزي في كتابه (دعوة الإسلام): "باشر محمد- صلى الله عليه وسلم- سلطةً زمنيةً كالتي يمكن أن يباشرها أي زعيم آخر، فارقٌ واحدٌ هو أن الرباط الديني بين المسلمين كان يقوم مقام رابطةِ الدم والأسرة، فأصبح الإسلام نظامًا سياسيًّا بقدر ما هو نظامٌ ديني، ولمَّا نشر محمدٌ دينًَا جديدًا أقام نظامًا سياسيًّا له صبغةٌ متميزةٌ، وكانت جهودُه موفقةً إلى اعتقاد بني وطنه بوحدانيةِ الله وإلى هدم نظام الحكم القديم في مكة مسقطِ رأسه، فقضى على الحكومة الأرستقراطية القبلية".

والكلام من غيرهم كثيرٌ لا يتسع المقام لسرده.. ويكفيه- صلى الله عليه وسلم- تعظيمًا وتوقيرًا وإجلالاً قولُ الله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).

وصدق الشاعر إذ يقول:

شَهِدَ الأَنَامُ بِفَضْلِهِ حَتَّى الْعِدَا                وَالْفَضْلُ مَا شَهِدَتْ بِهِ الأَعْدَاءُ

--------

* باحث شرعي