- الأزمات لا يخلو منها البيت الكريم

- النبي الأكرم يهتز للمشاعر الإنسانية

 

كتبت- أمل عز الدين

من رحمة الله تعالى بعباده أن أرسل الرسل من البشر؛ ليكونوا القدوة والنبراس المنير لحياتنا، ونبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- لم يكن بدعًا من الرسل بل كان بشرًا يأكل ويشرب ويلبس ويتزوج وله من الأبناء و الذرية كما لغيره من البشر ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا﴾ (الفرقان: 20).

 

وتتجلى إنسانية الرسول الخاتم في بيته كزوج وهو في هذه البشرية لم يتجرد من عواطفه ومشاعره فهو كبشر تكتنفه كافة المشاعر البشرية، وزوجاته الطاهرات أمهات المؤمنين أيضًا كبشر غير معصومات وغير مجردات من مشاعرهن الإنسانية رغم كونهن قدوة لغيرهن من النساء ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ (الأحزاب: 31).

والبيت النبوي كذلك كغيره من البيوت لم يخل من الخلافات الأسرية والأزمات التي كادت تعصف به إلا أن ربان السفينة هنا رجلٌ حكيمٌ استطاع ببراعةٍ أن يدير دفة الخلافات ويرسو بسفينته لبر الأمان؛ ليظل هديه في إدارة الخلافات الأسرية نبراسًا مضيئًا لكل الأزواج والزوجات.

 

منهج الرسول في إدارة الخلافات الزوجية

تعددت الأساليب التي عالج بها الرسول الخلافات الزوجية ما بين التجاوز إلى الغضب الذي لم يتعد تغير الوجه إلى الهجر أو الإعراض وقد يصل الأمر إلى الطلاق عند الحاجة.

 

مراعاة المشاعر الإنسانية:

لقد كان الرسول الكريم يعلم تمامَ العلم أنَّ زوجاته تجيش بهن كل المشاعر الأنثوية من الغيرةِ والاستئثار بالزوج فما أن تنال إحدى أمهات المؤمنين شرف الزواج بالنبي حتى تجدها كباقي الزوجات؛ زوجة غيورة تتنافس مع غيرها من الزوجات في ظل التعددِ إلا أن الزوج العادل كان يغض الطرف عن بعضِ هذه المشاعر الإنسانية، بل ويبتسم من بعض المواقف دون أن يُعلِّق إلا ببضعِ كلمات تنم عن احترامه لمشاعر الزوجة.

 

فيروى عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: "ما غرتُ من امرأةِ إلا مثل ما غرتُ من مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، فأُعجب بها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان قد أنزلها أول ما قدم بها في بيت حارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، وكان عامة النهار عندها فجزعت، فحولها إلى العالية بأقصى المدينة، وكان يذهب إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا" (رواه ابن سعد من طريق الواقدي).

 

وقد بلغت من غيرة عائشة منها أن النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما أنجب منها ابنه إبراهيم، كان شديد الفرح به، وحمله إلى أم المؤمنين عائشة ولكن عائشة قالت له: ما أراه يشبهك في شيء! فلم يزد الرسول- صلى الله عليه وسلم- على قوله: "إنكن صواحب يوسف".

 

وعن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة قالت: أرسل أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش، فاستأذنت، فأذن لها، فدخلت، فقالت: يا رسول الله، أرسلنني إليك أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قُحافة، قالت عائشة: ثم وقعت بي زينب، قالت عائشة: فطفقت أنظر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- متى يأذن لي فيها، فلم أزل حتى عرفت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر، قالت: فوقعت بزينب فلم أنشبها أن أفحمتُها. فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: "إنها ابنةُ أبي بكرٍ" رواه أحمد في مسنده.

 

امتصاص غضب الزوجة:

فقد روى أن السيدة حفصة قد ذهبت إلى أبيها فتحدثت عنده، فأرسل- النبي صلى الله عليه وسلم- إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه (حفصة)، فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيرة شديدة، فأخرج- رسول الله صلى الله عليه وسلم- جاريته، ودخلت حفصة، فقالت: "قد رأيت من كان عندك، والله لقد سؤتني". فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "والله لأرضينك، فإني مسر إليك فاحفظيه"، قالت: ما هو؟ قال: "إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضًى لك". (رواه الواقدي بسنده في الطبقات الكبرى عن ابن عباس). وما قال لها الرسول ذلك إلا مراعاةً لخاطرها وامتصاصًا لغضبها.

 

الصبر على أذى زوجاته:

كان رسول الله- صلى الله عليه و سلم- يصبر على أذى زوجاته وغضبهن عليه وهجرهن إياه ومراجعتهن له، فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: "كنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا قومٌ تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدبِ نساء الأنصار، قال: فصخَبتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، قالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك؟ فوالله إنَّ أزواجَ النبي- صلى الله عليه وسلم- ليراجعنه، وإنَّ إحداهن لتهجره اليوم إلى الليل، قال: فأفزعني ذلك وقلتُ لها: قد خاب مَن فعل ذلك منهن، قال: ثم جمعتُ عليَّ ثيابي فنزلتُ فدخلت على حفصةٍ فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكُنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، قال: فقلت: قد خبتِ وخسرت، أفتأمنين أن يغضبَ الله لغضبِ رسوله- صلى الله عليه وسلم- فتهلكي؟..." (رواه البخاري).

 

وعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- قال: استأذن أبو بكر- رضي الله عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم- وصوت عائشة عالٍ، فلمَّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فجعل النبي- صلى الله عليه وسلم- يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- حين خرج أبو بكر: "كيف رأيتني أنقذتكِ من الرجل؟!" (رواه داود).

 

وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلاً، قالت فتواطيتُ أنا وحفصة، أن أيتنا ما دخل عليها النبي- صلى الله عليه وسلم- فلتقل: "إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير"، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال: "شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له". فنزل﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ (التحريم: من الآية1) إلى قوله تعالى ﴿إِنْ تَتُوبَا﴾- لعائشة وحفصة-، ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ (التحريم: من الآية3) (لقوله: شربت عسلاً).(رواه مسلم).

 

الغضب إذا انتهكت محارم الله:

قالت السيدة عائشة: "ما خُيّر النبي بين أمرين إلا اختارَ أيسرهما ما لم يكن إثمًا فإن كان إثمًا كان أبعد الناس عنه واللهِ ما انتقم لنفسه في شيء يُوتي إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله" رواه البخاري ومسلم.

 

وقد أخرج الشيخان عن عائشة- رضي الله عنها- قالت دخل عليَّ - رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلمَّا رآه هتكه وتلوَّن وجهه وقال: "يا عائشة أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله"، قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.

 

فهذا الغضب الشديد منه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ القضيةَ تتعلق بانتهاك حرمةٍ من حرماتِ الله؛ حيث يتعلق الأمرُ بالتوحيد.

 

وعن عائشة قالت: قلتُ للنبي- صلى الله عليه وسلم- حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة.. فقال: "لقد قلت كلمةً لو مُزجت بماءِ البحر لمزجته" (رواه داود).. وهنا غضب أيضًا لوقوع السيدة عائشة في الغيبة وتجريح الأشخاص.

 

كما كان يغضب وفاءً لزوجته السيدة خديجة حتى بعد وفاتها، فعن عائشة قالت: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء قالت: فغرتُ يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله خيرًا منها. فقال صلى الله عليه وسلم: "ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها، آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" (رواه أحمد في مسنده).

 

قبول الوساطة:

وكانت زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلمن ما لعائشة من قدرٍ عنده فكن أحيانًا يطلبن منها التوسط وكان يقبل هو هذه الواسطة "فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ فِي شَيْءٍ فَقَالَتْ صَفِيَّةُ يَا عَائِشَةُ أَرْضِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِ يَوْمِي فَقَالَتْ نَعَمْ فَأَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ فَرَشَّتْهُ بِالْمَاءِ لِيَفُوحَ رِيحُهُ فَقَعَدَتْ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَيْكِ يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ"، قَالَتْ: "ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ" وَأَخْبَرَتْهُ بِالأمْرِ فَرَضِيَ عَنْهَا" رواه أحمد في مسنده.‏

 

احتواء المواقف:

وعن أنس- رضي الله عنه- قال: كان النبي- صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمُّهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم، فسقطت الصحفة، فانفلقت فجمع النبي- صلى الله عليه وسلم- فِلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أمُّكم" ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت . رواه البخاري .و في رواية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طعام بطعام، وإناء بإناء.

 

الإعراض:

عن عائشة في قصة الافك في رواية البخاري ومسلم ".. وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : "كيف تيكم؟" فذلك يريبني..." فقد اكتفى الرسول بالإعراضِ وهجر الاسم وهو ما عدته السيدة عائشة عقابًا بليغًا وكان له أكبر الأثر في نفسها.

 

النصح والموعظة:

وأيضًا في قصة الإفك عندما بلغ الرسول مقالة ابن سلول قال لزوجه: "أما بعد، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ فاستغفري الله وتُوبي إليه فإنَّ العبدَ إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه".

 

التخيير:

عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يُؤذن لأحدٍ منهم قال: فأذن لأبي بكر رضي الله عنه، فدخل ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا.. قال: فقال: لأقولن شيئًا أُضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: "يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها، فوجأت عنقها"، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة"، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده؟! قلن: "والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبدًا ليس عنده"، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ﴾ من سورة الأحزاب الآية 28 حتى بلغ ﴿لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ قال: فبدأ بعائشة فقال: "يا عائشة، إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك"، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها هذه الآية. قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلتُ.. قال:لا تسألني امرأةٌ منهن إلا أخبرتها، إنَّ الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا" (رواه مسلم، الحديث 2703).

 

الضرب برفق:

تروي السيدة عائشة حادثة واحدة اضطر فيها الرسول أن يضربها ضربةَ زجر رقيقة ليردعها عن شكها و خروجها خلفه لتتبع خطواته فتقول: في الحديثِ الطويل في صحيح مسلم "كان النبي على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا وانتعل رويدًا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلتُ درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفتُ فأسرعَ فأسرعتُ فهرولَ فهرولتُ فأحضر فأحضرتُ فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: "مالك يا عائش حشيا رابية؟ قالت: قلت: لا شيء قال: "لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير" قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال: أنت الذي رأيت أمامي؟ قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال:أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله".

 

الهجر والمخاصمة:

عن عائشة أن بعيرًا لصفية اعتل وعند زينب فضل من الإبل فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-‏ ‏‏لزينب: "إن بعير صفية قد اعتل فلو أنك أعطيتها بعيرًا" قالت‏:‏ "أنا أعطي تلك اليهودية" فتركها فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرين أو ثلاثًا حتى رفعت سريرها وظنت أنه لا يرضى عنها قالت‏:‏ فإذا أنا بظله يومًا بنصف النهار فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعادت سريرها‏"‏‏ (رواه أحمد في مسنده كما اعتزل النبي زوجاته حينما سألنه التوسعة في النفقة كما تقدم).

 

الطلاق عند الضرورة:

وآخر الدواء الكي فقد اشتهر أنه كان في السيدة حفصة بعض الحدة في طباعها، وكانت تراجع الرسولَ في كثيرٍ من أقواله، وكان ذلك يُغضبه ويؤذيه، ولهذا فإن عائشة- رضي الله عنها- تصف حفصة فتقول: "وكانت بنت أبيها" بمعنى على شدةِ وشخصيةِ والدها الفاروق- رضي الله عنه-، حتى طلقها النبي- صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها خالاها: قدامة وعثمان ابنا مظعون فبكت وقالت: والله ما طلقني عن سبع (تعني بغض أو عيب أو نقص) فجاء جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: "راجع حفصة فإنها صوَّامة قوَّامة، وإنها زوجتك في الجنة" (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه)، وقد هزَّ هذا الطلاق عمر الفاروق- رضي الله عنه- فحثا على رأسه التراب عندما سمع الخبر وقال: "ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد اليوم".