وليد شلبي |
بقلم: وليد شلبي*
ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا هذا العام تختلف عن الأعوام السابقة؛ وذلك لكون الدعوة تمرُّ في هذه الأيام بمحنة سبق وتنبَّأ بها من بدايات الدعوة وأرشد إليها أتباعَه؛ ليكون الجميع على بيِّنة ونور من حقيقة الدعوة وطريقها.
وهذا يؤكد أن الإمام الشهيد- رحمه الله- ما زال حاضرًا فينا، بمبادئه وأفكاره، ورجاله الذين ربَّاهم على فهم الإسلام، وهذا ما تؤكده الأحداث التي تمر بها الدعوة الآن، والتي مرَّت بها من عشرات السنين بل ومن آلاف السنين، فهذه المحن هي سنة الدعوات، من لدن آدم وحتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فإذا كان البنَّا غائبًا عنا بجسده، فهو في قلوبنا وعقولنا، ولا يفارقنا بمبادئه وقيمه، التي أرساها منذ عشرات السنين، ونظل ندعو له آناءَ الليل وأطراف النهار على ما بذل وضحَّى في سبيل نصرة دين الله، متذكرين مبادئه التي أرساها ودلَّنا عليها بفهمه العميق لمبادئ الإسلام وقيمه.
نُشهِد اللهَ أنه لم يخدع ولم يضلل محبيه ومتبعي منهجه، فمنذ عرفنا طريق الدعوة وتتلمذنا على أيدي أساتذتنا ونحن نتعلم وندرس حقيقة الدعوة كما رسمها من فجر الدعوة، رابطًا بينها وبين دعوة الإسلام الأولى، بل وبين دعوات رسل الله جميعًا، ونذكر قوله في رسالة (بين الأمس واليوم): "وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحدَّ من نشاطكم، وأن تضع العراقيل في طريقكم وسيتذرَّع الغاصبون بكل طريق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأخلاق الضعيفة، والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان، وسيثير الجميع حول دعوتكم غبارَ الشبهات وظلمَ الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بكم كل نقيصة، وأن يُظهروها للناس في أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومقيّدين بأموالهم ونفوذهم، وستدخلون بذلك ولا شكَّ في دور التجربة والامتحان، فتُسجَنون وتُعتقلون وتُنقلون وتُشرَّدون وتُصادَر مصالحكم وتعطَّل أعمالكم وتُفتَّش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)﴾ (العنكبوت)، ولكن الله وعدكم من بعد ذلك نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين.. فهل أنتم مصرُّون على أن تكونوا أنصار الله؟!".
ولعل ما يثار حول الدعوة من شبهات وظلم واعتقال وتحفظ ومصادرة وتقييد للحريات- بل وإعدام- يؤكد ما ذهب إليه من قبل، ولكن نعاهد الله أن نكون أنصار الله أو هكذا نحاول أن نكون بإذن الله، باذلين ما نستطيع لتحقيق هذا المعنى في ذوات نفوسنا وفي واقع حياتنا.
فما استشرفه الإمام الشهيد من عشرات السنين وقع ويقع وسيقع للدعوة والدعاة على مرّ العصور، وقد وطَّن الإخوان أنفسهم على ذلك وتربَّوا عليه وأعدوا أنفسهم لمواجهته، وإن كانوا لا يتمنون لقاء العدو ولا الابتلاء، ولكنها سنة الله للدعوات.
لقد أعد الإخوان أنفسهم بزيادة القرب من الله والاعتماد عليه والالتجاء إليه دون غيره والتمسك بتعاليم الدين الحنيف وبتوثيق روابط الأخوَّة والحب في الله كما عوّدهم ودرّبهم في حياته، وإن كل داعية من أبنائه ماضٍ على الطريق الذي رسمه، مهما كانت العقبات أو التضحيات تقربًا وطاعةً لله؛ مما أدَّى لتكوين أجيال تعمل لإعلاء كلمة الله وترسيخ معنى الحق في إطارٍ من الوُدِّ والإخاء.