تُواجه الأمة الإسلامية حالة من الاستقطاب الشديد، وتتقاذفها تيّارات الفزع والخوف والتوتر والحروب النفسية المتعمدة؛ لذا فالتربية على التفاؤل أمر ضروري، حتى لا تظل الأمة رهينة الرّهاب النفسي في مختلف أجيالها، وما يُؤثر على عدم نهضتها وتقدمها.

ولعل من الأمور التي يجب الحرص عليها والانتباه لها- وبخاصة في زمن الشبكة العنكبوتية والسماوات المفتوحة- هو أن نسعى جاهدين إلى التركيز مع شبابنا، لمعالجة قضاياهم وإعانتهم على ما يُواجههم من تجليات وظواهر نفسية ترتبط بهذه المرحلة العمرية؛ إذ للشباب هُمومهم ومتاعبهم التي ترتبط بالتغيرات الفسيولوجية (الطبيعية)، والسيكولوجية (النفسية)، التي تحدث لهم في هذه المرحلة السِّنية. وهو ما حرص القرآن على علاجه والتعامل معه بشتى صور الأمل والتفاؤل.

أهمية التربية على التفاؤل

وتتمثل أهمية التربية على التفاؤل في أنها تساعد على تحمل صعوبات الحياة وتُحصّن النفس منها، لأنّ التفاؤل يفوق مُجرّد التفكير الإيجابي، ويعرف بأنه: “ميل أو نزوع نحو النظر إلى الجانب الأفضل للأحداث أو الأحوال، وتوقع أفضل النتائج، على عكس التشاؤم فإنه توقّع سلبي للأحداث المقبلة يجعل الفرد ينتظر حدوث الأسوأ بدلاً من الأفضل”.

ومن الصعب تحقيق النجاح في الحياة بدون التفاؤل، لأنه:

يمنح الشخص القدرة العالية على التعامل مع المشكلات وإيجاد طريقة ما للوصول إلى الحلول السليمة، بكل ثقة بالنفس وهدوء في الأعصاب.

ويمنح الأفراد القدرة والكفاءة العالية في إدارة الأمور ومواجهة أي مُعضلة أو مشكلة بالصبر والقدرة على التغيير.

يساعد الأفراد على إقامة علاقات اجتماعية بنّاءه وناجحة تكون له عونًا في مواجهة كثير من المشكلات.

يمنح الإنسان الشعور بالسعادة والرضا، بل يدفعه إلى العمل الدؤوب في أقصى الظروف وأصعبها، وينعكس هذا الشعور على تصرفاته في محيطه وفي علاقته بالآخرين، فنرى الشخص المتفائل أكثر الأشخاص المقبلين على الحياة، والمبادرين إلى تقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاجها، فتشيع حالة من التكافل الاجتماعي في المجتمع بأسره.

يدفع الإنسان إلى العطاء والعمل والإنجاز للوصول إلى النجاح، فلا يستطيع الشخص المتفائل أن يكون خاضعًا للتحديات وللصعوبات الحياتية.

التربية على التفاؤل في الإسلام

ونجد التربية على التفاؤل واضحة في الخطاب القرآني الذي نبّه العقل الإنساني إلى العديد من القيم النبيلة والسامية التي من شأنها المساهمة في دفع الحياة إلى النور، وجعلها مضيئة، مشرقة، مبهجة، يملأ البِشر جنباتها ويتغلغل الأمل في أوصالها، ومن أبرز هذه القيم، “التفاؤل”؛ إذ اهتم القرآن الكريم كثيرا ببثه في نفوس المؤمنين به لأهمية دوره في تنمية الحياة الإنسانية وإشاعة الخير في جنباتها.

ونلمس ذلك الاتجاه في قول الله تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق: 7). وأيضا في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (الشرح: 5–6). وأيضا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف: 156). و{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر:3). و{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51).

فالنفس المفعمة بالأمل والتفاؤل هي التي يتوافر لديها الإحساس بأن الغد سيكون أفضل من اليوم.. وهي نفسٌ تمتلك دافعًا قويًّا نحو الاستمرار في الإنجاز والعمل والإبداع في مختلف مناحي الحياة.

ولقد كانت آيات القرآن الكريم تتنزل تترا لتزرع الأمل في نفس الرسول- صلى الله عليه وسلم- كلما واجهته مواقف تتسم بالصعوبة، ففي الحديبية أكد الله- عز وجل- له أنه وصحابته الكرام سيدخلون المسجد الحرام في قابل الأيام مطمئنين، قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} (الفتح: 27)

وهي المعاني التي حرص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالتأكيد عليها، فيقول: “لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ويُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ” (البخاري). وفي هذا الحديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا عَدْوى»؛ فانتِقالُ المرضِ مِن المريضِ إلى غَيرِهِ لا يَحدُثُ تِلقائِيًّا بنَفسهِ، بلْ بِتَقديرِ اللهِ، وإنْ كانَ اللهُ جعَلَ انتقالَه عَلى تلكَ الصُّورةِ سَببًا ولا يَتعدَّى ذلكَ، وفي كثيرٍ مِن الأحيانِ رُبَّما لا يَنتقِلُ، «ولا طِيَرةَ»، أي: لا يُنشئُ التَّشاؤمُ مِن شَيءٍ أمرًا ما، فيَظنُّ الإنسانُ أنَّ ما جعَلَهُ سَببًا للتَّشاؤمِ مِن مَخلوقٍ، أو مكانٍ، أو زمانٍ؛ هو السَّببُ فيما يَحدُثُ له، بلْ كلُّ شَيءٍ بقَدَرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ثمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ويُعجِبُني الفألُ الصَّالحُ»، ثمَّ أردفَ مُفسِّرًا: «الكلِمةُ الحسنةُ»، فتَجعَلُه يُحسِنُ الظَّنَّ برَبِّهِ، وتَشْرَحُ صَدْرَه، وتُريحُ فؤادَه، فالفألُ يُساعِدُ الإنسانَ على السَّعيِ في قَضاءِ مُهمَّاتِه وإتمامِها. وفي الحَديثِ نهيُ عن التَّشاؤمِ بالأحداثِ والزَّمانِ والمكانِ؛ لأنَّ كلَّ شَيءٍ بقَدَرِ اللهِ تعالَى، وفيه أيضا التَّوجيهُ إلى التَّفاؤلِ والاستِبشارِ بالكلمةِ الطَّيبةِ.

وهي المعاني التي ترجمها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عمليًّا في أصعب المواقف وأشدها، ففي الهجرة وكفار مكة يلحقونه وصحبه ويقتفون أثرهم حتى وصلوا إليهم وأصبحوا فوق رؤسهم كان قوله لصاحبه الخائف: “يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما” (البخاري).

وفي بدر حينما قال: “سيروا وأبشروا، فإنّ الله قد وعدني إحدى الطائفتين”، وفي الأحزاب نشر التفاؤل والأمل في نفوس أصحابه حينما بشّرهم بفتوح الفرس والروم واليمن حتى قال أحد المنافقين: “إن محمدًا يعدنا بكنوز كسرى وقيصر، ولا يأمن أحدنا أن يخرج إلى قضاء حاجته”.

بل بشّر أمته كلها- ورغم ما سيواجهها من محن-، فقال: “إنَّ اللهَ زوى لي الأرضَ، فرأيتُ مشارقَها ومغاربَها، وإنَّ مُلكَ أُمَّتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها” (أبو داود). والسيرة النبوية مليئة بالبشائر التي تبعث على التفاؤل، وتجدد الأمل، وتقوي اليقين.