في جريمة جيدة من جرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وبخاصة الأسرى منهم، أُعلن صباح أمس الجمعة عن استشهاد الأسير مصعب حسن عديلي من مدينة نابلس، في مستشفى (سوروكا) الليلة الماضية، ليضاف إلى سجل شهداء الحركة الأسيرة، الذين ارتقوا نتيجة للجرائم المنظمة التي تمارسها منظومة سجون الاحتلال الصهيوني بشكل -غير مسبوق- منذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة.
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان اليوم الخميس: إنها تبلغت باستشهاد عديلي (20 عاماً) وهو معتقل منذ (22-3-2024)، ومحكوم بالسجن الفعلي لمدة عام وشهر.
ووفق البيان؛ باستشهاد المعتقل عديلي فإن عدد الشهداء بين صفوف الأسرى والمعتقلين منذ حرب الإبادة يرتفع إلى (64) شهيدا، وهم فقط المعلومة هوياتهم في ضوء استمرار جريمة الإخفاء القسري، من بينهم على الأقل (40) من غزة، لتشكل هذه المرحلة في تاريخ الحركة الأسيرة وشعبنا الأكثر دموية.
وأضافت الهيئة والنادي، إنّ قضية استشهاد المعتقل عديلي في يوم الأسير الفلسطيني، تُشكّل جريمة جديدة في سجل منظومة التّوحش الإسرائيليّ التي مارست أشكال الجرائم كافة بهدف قتل الأسرى، ولتشكل هذه الجرائم وجهًا آخر من أوجه الإبادة المستمرة.
حماس: انتقام من الأسرى
من جهتها، قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إن ارتقاء الأسير عديلي، يثبت مضي الاحتلال الصهيوني وإدارة سجونه الفاشية في انتقامها وتعذيبها للأسرى، وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية، مع استمرار سياسة الإهمال الطبي والتي تعني القتل البطيء للأسرى داخل السجون.
وأشارت إلى أن هذه الجريمة جاءت عشية يوم الأسير الفلسطيني ومع اقتراب نيله حريته؛ حيث كان من المفترض أن يتحرر بعد ثلاثة أيام، تؤكد أن جرائم الاحتلال لا تزال متصاعدة بحق الأسرى، مؤكدة أن الاحتلال ماضٍ في تنكيله واعتداءاته بحق الأسرى غير آبهٍ بكل المطالبات والمناشدات الحقوقية الداعية لتوفير المعاملة الإنسانية لهم وفق ما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية.
وحذرت الحركة من استمرار هذه السياسة الإجرامية التي ينتهجها الاحتلال بحق الأسرى، حيث إن وجود الآلاف منهم في ظروف قاسية غير إنسانية تحت التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، يعرضهم في أي لحظة لأن يكونوا ضحية جديدة.
سِجلّ إجرامي
ويحفل سجل الإجرام الصهيوني بانتهاكات جسيمة بحق الأسرى الفلسطينيين، خلال العقود الماضية، بدءًا من حرمان الأسير من حقوقه القانونية، ومرورًا بالتنكيل والتعذيب والإهمال الطبي، وانتهاء بالقتل المتعمد للأسرى، حتى بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم منذ عام 1967 وإلى اليوم (301)، فيما بلغ عدد الشهداء الأسرى المحتجزة جثامينهم (73) من بينهم (62) أسيرًا منذ حرب الإبادة.
وقد أنشأ كيان الاحتلال منذ نكبة عام 1948 عشرات السجون ومراكز التحقيق والتوقيف، التي يشرف على كثير منها جيش الاحتلال الصهيوني، ويُحتجز فيها سنويًّا آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، في ظل ظروف لا إنسانية، مع تعريضهم للقتل والتعذيب والتحقير.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة والتقديرات الفلسطينية الرسمية، بلغ عدد الفلسطينيين الذين احتجزوا في سجون الاحتلال منذ العام 1967 أكثر من مليون شخص، بما في ذلك عشرات الآلاف من الأطفال.
ويقيم معظم المعتقلين الفلسطينيين في زنازين قذرة ومكتظة بأعداد تفوق استيعابها بمرات، دون توفير المستلزمات الضرورية والظروف الملائمة للحياة البشرية.
تاريخ سجون الاحتلال
يعود تاريخ سجون الاحتلال إلى المعتقلات الميدانية الضخمة التي أقامتها العصابات الصهيونية، خلال عملياتها العسكرية في القرى والبلدات الفلسطينية، التي بدأت مع مطلع العام 1948، والتي استمرت بعد قيام الاحتلال في مايو من العام نفسه.
وقد اعتقلت العصابات الصهيونية -ولاحقا جيش الاحتلال- عامي 1948 و1949 الآلاف من الفلسطينيين الذين رفضوا التهجير، بينهم أطفال ونساء ومسنون، وزُجّ بهم في معسكرات جماعية مؤقتة محاطة بأسلاك شائكة، أو احتُجزوا في مراكز الشرطة أو سجون موروثة عن الانتداب البريطاني.
واشتهرت في تلك الآونة مجموعة من المعتقلات المؤقتة، مثل: صرفند ومعتقل حيفا، الواقع بحي هدار في أعالي منحدرات جبل الكرمل، وقد مثل مصدر رعب للفلسطينيين.
ونُقل المحتجزون لاحقًا من المعتقلات المؤقتة إلى معسكرات اعتقال مركزية، كان يشرف عليها أعضاء من عصابات الأرغون وشتيرن والهاغاناه، وهناك خضعوا لصنوف التنكيل والتعذيب والتجويع، فضلًا عن إصدار قرارات بالإبعاد أو تنفيذ الإعدامات دون تهم أو محاكمات.
واستغل الاحتلال الصهيوني المعسكرات والمعتقلات البريطانية التي استولى عليها بعد خروج بريطانيا من فلسطين، مثل معتقل عتليت ومركز عمل صرفند، كما أنشأ معتقلات جديدة مثل معتقل إجليل ومركز عمل أم خالد.
واعترف الاحتلال حينها بـ4 معتقلات، سمحت للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتها مطلع عام 1949، واعتبرت المحتجزين فيها أسرى حرب، رغم إعلان الصليب الأحمر أن معظم المعتقلين مزارعون من قرى الجليل وليسوا مقاتلين.
وخصص الاحتلال تلك الفترة، وفق قرارات عسكرية وبمباركة سياسية، مجموعة من المعسكرات استخدمتها "مراكز عمل" أو"“معتقلات للسخرة" أُجبر فيها المعتقلون الفلسطينيون على العمل في مرافق الإنتاج الصهيوني، لا سيما الأشغال الشاقة، مثل العمل في مقالع الحجارة وأعمال البناء والحفريات، والتي تخدم المؤسسات العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية.
وفي كتابه "التطهير العرقي في فلسطين" ذكر المؤرخ الصهيوني إيلان بابه أن معتقلات الاحتلال تلك الفترة ضمت نحو 9 آلاف فلسطيني، معظمهم من القرويين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و50 عامًا.
وعام 1949 تأسست مصلحة السجون الإسرائيلية، وأنشأت سجونًا جديدة ثابتة، وأغلقت في الوقت نفسه السجون المؤقتة، مثل إجليل وعتليت وصرفند وأم خالد، وقد توقفت حركة بناء السجون بالخمسينيات وحتى العام 1966، واكتفت سلطات الاحتلال بفرض نظام الحكم العسكري على القرى الفلسطينية المحتلة عام 1948، والذي حول تلك المناطق إلى معسكرات اعتقال جماعية كبيرة، فقد تم تقييد الخروج من القرى بإذن من الحاكم العسكري، مع فرض حظر التجول ليلًا.
بعد النكسة
احتل الصهاينة في حرب يونيو 1967 الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية، وعلى إثر ذلك تصاعدت نشاطات المقاومة، فافتتح الاحتلال عددًا من السجون مثل سجن عسقلان وسجن بئر السبع لقمع النشطاء والقضاء على المقاومة.
وأنشأ معسكري اعتقال ونفي سريين في سيناء، أحدهما معتقل نخل الذي تأسس عام 1968، واعتُقل فيه مئات الشباب الغزيين الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و30 عامًا.
وادّعى الصهاينة لاحقًا أنهم زجوا فيه بالعاطلين عن العمل من أهل غزة، بحجة أنهم عرضة للالتحاق بالعمل الفدائي، وقالت إن الهدف كان تأهيلهم مهنيا في مجال البناء، ثم دفعهم للانتقال إلى الضفة الغربية.
وكان الآخر هو معسكر أبو زنيمة، الذي أُقيم عام 1970 جنوبي سيناء، واحتجز فيه الاحتلال عائلات الفدائيين الغزيين، بغرض الضغط على المطلوبين وقمع المقاومة، وقد بلغ عدد العائلات التي أبعدت إليه 26 عائلة، بينها عشرات الأطفال والنساء، وبلغ تعداد إحدى العائلات المنفية 59 فردا.
ولم تكشف إحصاءات رسمية عن عدد المحتجزين فيهما، أو المعلومات المتعلقة بهما، إلى حين إغلاقهما عام 1973، وبعد سنوات عديدة كشفت الصحافة الصهيونية عن بعض البيانات المتعلقة بالمعسكرين.
ولاستيعاب الأعداد المتزايدة من المعتقلين، أنشأ الاحتلال معتقلات جديدة عامي 1970 و1971، مثل: معسكر اعتقال القصيمة ومعسكر اعتقال وادي موسى (الطور) ومعسكر اعتقال سانت كاترين ومعسكر اعتقال العريش، لكنها أغلقتها جميعها عام 1973.
سجون لقمع المقاومة
ارتبطت الحروب التي شنتها إسرائيل دائما بتأسيس معتقلات جديدة، كما في اجتياح لبنان عام 1982، والحروب العديدة على غزة، وكذلك ترافق إنشاء السجون مع تصاعد المقاومة الفلسطينية بالضفة إبان انتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000، حين افتتحت السجون لاحتجاز عشرات آلاف من المقاومين والمدنيين.
وعام 1982 حين اجتاح الصهاينة لبنان، وأنشئوا معسكر اعتقال أنصار في بلدة أنصار بالجنوب، والذي أطلق عليه جيش الاحتلال حينذاك "مخلاءة أنتسار" أي حظيرة أنصار، واعتقل فيه 4700 من الفلسطينيين والعرب، الذين تم الإفراج عنهم جميعهم في صفقة تبادل أسرى عام 1983.
وكان المعسكر عبارة عن مئات الخيام المنصوبة في العراء أُحيطت بأسلاك شائكة دون أي مقومات أساسية تحفظ الكرامة الإنسانية، وبلغ عدد المعتقلين على مدار 3 سنوات بين 10 آلاف و15 ألف معتقل، خضعوا لصنوف التعذيب والتنكيل والقتل والإساءة المفضية للموت، حتى تم إغلاق المعتقل كليا عام 1985.
وعام 1984، أُنشئ معسكر أنصار 2 على شاطئ مدينة غزة، وزج فيه بالمئات من شبان غزة وطلاب الجامعات الذين شاركوا في مظاهرات حاشدة ذلك العام، وبعد عام تم إغلاق المعتقل، ثم أعيد افتتاحه في أعقاب انتفاضة 1987.
وأنشأ الاحتلال 3 أنواع من معسكرات الاحتجاز، وهي:
-مراكز التوقيف: تقع غالبا داخل منشآت عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي أو ضمن أراضي مستوطنات، وتستخدم لاحتجاز الأسرى إلى حين خضوعهم للمحاكمة، ومن أبرزها: معسكر حوارة قرب نابلس، ومركز بيت إيل جنوبي شرق رام الله، ومركز عتصيون قرب بيت لحم، ومركز كدوميم في طولكرم، ومركز سالم شمالي غرب جنين، ومعسكر اعتقال كفار يونا (بيت ليد) في بيت ليد بين طولكرم ونتانيا.
-مراكز التحقيق: خصصت لاستجواب المعتقلين الفلسطينيين قبل تحويلهم إلى المحاكم، ومنها: مركز كيشون والمسكوبية وبتاح تكفا.
-المعتقلات والسجون المركزية: وقد أقام الاحتلال منها نحو 20 معتقلا، تحتجز فيها سنويا آلاف الأسرى الفلسطينيين، ومن أبرز تلك السجون: سجن جلبوع، الذي افتتح عام 2004 بمنطقة بيسان شمالي الأرض المحتلة، وسجن عسقلان المركزي، والذي استخدم مقرًّا للجيش البريطاني ومركزًا لاستقبال وفوده فترة الانتداب، وكذلك ألحق به البريطانيون قسمًا خاصًّا لتوقيف الثوار الفلسطينيين والتحقيق معهم، ووضعت إسرائيل يدها عليه بعد احتلال فلسطين، وافتتحته سجنا عام 1970، على إثر تصاعد المقاومة الفلسطينية وازدياد عدد المعتقلين الأمنيين.
واشتُهر سجن عسقلان عند افتتاحه بما سُمي "التشريفة" إذ كان الأسرى يمرون من بوابة السجن حتى زنازينهم، بين صفين من الجنود ينهالون طوال الطريق على كامل أجساد الأسرى بهراواتهم.
وفي سبعينيات القرن العشرين، نفذ الأسرى العديد من الإضرابات احتجاجًا على إدارة السجن، لا سيما فيما يتعلق بأعمال السخرة التي أُجبروا عليها في ورشات حياكة شباك تمويه الدبابات.
وعام 1985 اندلعت في السجن اشتباكات عنيفة، على إثر أعمال قمعية قامت بها إدارة السجن مدعومة بفرق قمع السجون، ورد الأسرى بإشعال النار في الفرش والأغطية، وأصيب عشرات منهم بالاختناق والجروح، جرّاء الغاز المسيل للدموع الذي أطلقته الإدارة عليهم.
سادية السجّان
وفي تقرير سابق لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، جاء أن سلطات الاحتلال بدأت ممارسة التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين منذ احتلالها لفلسطين، واستخدمت أساليب عدة في تعذيب المعتقلين نفسياً وجسدياً، كالهزّ العنيف، والشبح على الكرسي الصغير، ووضع الكيس على الرأس، والموسيقى الصاخبة، والخزانة، وقلع الأظافر، وغيرها من الأساليب الفظيعة التي مارسها محققي الاحتلال لانتزاع الاعترافات من المعتقلين الفلسطينيين ليسقط أكثر من 300 شهيد في زنازين التحقيق منذ العام 1967 نتيجة للتعذيب الذي تعرضوا له خلال فترة التحقيق.
وأفاد تقرير المؤسسة أن شرطة الاحتلال وحرس الحدود الصهيوني يلجآن لاستخدام القوة والضرب ضد المعتقلين منذ اللحظات الأولى لوصولهم لمركز التحقيق وقبل الشروع في عملية التحقيق، ويكون الضرب مصحوبًا بالشتائم والإهانات بهدف خلق جو من الرعب من البداية تمهيداً للتحقيق معهم.
وأضاف التقرير أن المحققين يركزون في الاستجواب على جانب الإضعاف والضغط النفسي على المعتقلين في فترة التحقيق، وذلك بمنع زيارة المحامي الذي قد يطول حتى 60 يوماً، وإنكار حق المعتقلين الاتصال بالأهل وإبلاغهم عن الاعتقال أو النقل من مركز تحقيق لآخر، وإدخالهم إلى غرف العصافير وتعريضهم للتضليل، والتهديد بالقتل، حرمانهم من النوم، والشبح على كرسي لفترات طويلة خلال جلسة التحقيق؛ حيث تقيد اليدين بالكرسي إلى الخلف فيما تثبت الأرجل على الأرض.
وتابع: "بالإضافة إلى التعذيب الجسدي الشديد ووضعيات الشبح المختلفة التي استُخدمت بوتيرة أعلى في نهاية عام 2019 بحق العديد من المعتقلين. كما ويضطر المعتقلون تحت الضغط النفسي لتوقيع إفادة باللغة العبرية التي لا يفهمونها بالرغم من حقهم بالحصول على ترجمة لتلك الإفادة”.
كما تستخدم المخابرات الإصابات والحالة الصحية كوسيلة ضغط على المعتقل خلال التحقيق، ويتم الضغط عليه ومساومته بالاعتراف مقابل تقديم العلاج له أو قضاء حاجته. وقد يعرض التعاون مع المخابرات مقابل مبالغ مالية أو تسهيلات تقدم للشخص مقابل الإدلاء بمعلومات تفيد المخابرات، ويتم تهديد المعتقل أثناء التحقيق كجزء من الضغط النفسي باعتقال أحد أفراد عائلته أو زوجته أو أحد أبنائه، أو بتفجير بيته أو أملاكه أو حرمانه من أطفاله وأهله، وتحاول مخابرات الاحتلال إبقاء المعتقلين لأطول مدة ممكنة في مراكز التحقيق حتى بعد انتهاء التحقيق معهم كعقاب وتعذيب إضافي.