تكرّرت حالات رفض غير مبرّرة لطلبات حصول طلاب سوريين على تأشيرات لدخول مصر، حتى لمن يملكون أوراق قبول رسمية بالجامعات، بعد سنوات من السماح بالتحاقهم بالجامعات المصرية وفق تسهيلات.
يعيش الطالب السوري في السنة الخامسة بكلية الطب في إحدى الجامعات المصرية، محمد نجيب، كابوساً، فبعد سنوات من الدراسة، جرى ترحيله من مصر من دون سابق إنذار. لم يكن الشاب مخالفاً لأي قانون، ولم يخرق أي نظام، ذنبه الوحيد أنه سوري.
قصة محمد نجيب واحدة من عشرات القصص المتكرّرة لطلاب سوريين كانوا يدرسون في جامعات مصر، ووجدوا أنفسهم لاحقاً محرومين من دخول البلاد، أو مطالبين بالمغادرة، أو رُفض تجديد إقاماتهم، ما جعلهم مهددين بالفصل من الجامعات، وأحياناً ممنوعين من الحصول على شهاداتهم الدراسية.
ومنذ بداية العام الدراسي 2023– 2024، طرأ تحوّل مفاجئ في تعامل سلطات الانقلاب مع الطلاب السوريين، وبرغم قرار رسمي نُشر في وسائل الإعلام الحكومية، يفيد بإعادة فتح الباب لمنح التأشيرات للطلاب السوريين، فإن عشرات الطلبة أفادوا برفض طلباتهم، من دون توضيح من السفارات أو القنصليات المصرية، ومن دون تمكينهم من استرداد المبالغ التي دفعوها، التي تتجاوز لدى بعضهم 8000 دولار.
يقول أحمد قاسم، وهو طالب سوري مقيم في السعودية لـ"العربي الجديد": "أرسلت ملفي إلى جامعة مصرية، وسدّدت رسوم التقديم والقيد، لكن السفارة المصرية رفضت منحي التأشيرة. لا سبب، ولا تبرير، فقط رفض، والجامعة ترفض إعادة الرسوم، بحجة أنني مقيّد فعلياً".
ووفق شهادات متكرّرة، تحدث طلاب سوريون عن معاملة سيئة في منافذ الدخول إلى مصر. تقول طالبة رفضت ذكر اسمها، إنها احتُجزت لساعات في مطار القاهرة، وتعرضت لمعاملة وصفتها بـ"التمييزية"، قبل أن يجري ترحيلها رغم حملها وثيقة قيد رسمية، وتأشيرة تعليمية سارية.
وحسب مناشدات وُجهت إلى وزارتَي الخارجية والتعليم العالي في الحكومة السورية، فإن "أكثر من 140 طالباً جرى ترحيلهم من مصر أو رفض منحهم تأشيرات"، فضلاً عن عشرات آخرين لا يزالون ينتظرون التأشيرات منذ أشهر. وأكدت وزارة الخارجية السورية أنها تواصلت مع الجانب المصري من دون أن تتلقى رداً.
لم تتوقف الأزمة عند المنافذ الحدودية، فبعض الجامعات المصرية، الخاصة منها تحديداً، قامت بفصل طلاب سوريين قبل الامتحانات النهائية، وبعضهم يدرسون فيها منذ سنوات، والذريعة المتكرّرة هي "أسباب أمنية"، حسب ما أُبلغ به الطلاب، لكن من دون أي إجراء قانوني يدعم ذلك، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى منع طلاب من استلام ملفاتهم الجامعية، أو كشوف درجاتهم إلا بعد سداد مبالغ تصل إلى آلاف الدولارات، وقد دفع بعضهم مرغماً حتى يمكنه الانتقال إلى جامعات أخرى.
يقول الطالب السوري كرم، وهو مقيم حالياً في الكويت، لـ"العربي الجديد": "دفعت قسط السنة في الجامعة المصرية الخاصة، وأنهيت الفصل الدراسي الأول، وقبل الامتحان أخبروني أنني مفصول لأنني لم أحصل على موافقة أمنية، رغم أني في سنتي الثالثة".
ويتابع الطلاب السوريون المتضرّرون من الخارج ما يجري في مصر من دون أي قدرة على تغيير مصيرهم، وبعضهم خسر سنة دراسية كاملة، والبعض الآخر لم يعد يستطيع الالتحاق بالتعليم بعد أن خسر وثائقه. يقول أحدهم: "لا نطلب معاملة خاصة، فقط نريد أن نحصل على حقنا في التعليم الذي دفعنا مقابله مقدماً".
ويشير حقوقيون إلى أن ما يحدث مع الطلاب السوريين قد لا يكون مجرد تعقيد إداري، بل يعكس "مزاجاً سياسياً متغيراً في التعامل مع السوريين عموماً"، وربما يرتبط بملف العلاقات بين القاهرة ودمشق، أو باعتبارات أمنية مصرية تتعلق بطبيعة وجود الجالية السورية.
يقول والد أحد الطلاب السوريين المتضرّرين لـ"العربي الجديد": "قدمت الحكومة نموذجاً رائعاً في احتضان السوريين طوال سنوات الحرب، فهل يُعقل أن تكون نهاية هذا الاحتضان هي حرمان أبنائنا من التعليم؟".
ويطالب الطلاب السوريون المتضرّرون بثلاثة أمور رئيسية، الأول تفعيل القرار المصري بإصدار تأشيرات الدراسية، خاصة للطلاب المقيدين والمستوفين للشروط، والثاني إعادة الرسوم الدراسية لمن لم يتمكنوا من الالتحاق بجامعاتهم، والثالث تسليم الوثائق الجامعية من دون شروط مالية تعجيزية كي يتمكنوا من استكمال دراستهم في دول أخرى.
وفي حال تعذر عودتهم إلى مصر، يقترح طلاب سوريون أن يجري نقلهم إلى الجامعات الحكومية السورية بنفس التخصّصات، وبنفس الرسوم التي دفعوها للجامعات المصرية، حفاظاً على مستقبلهم الدراسي.
برغم كل ذلك، يغيب أي اعتراف رسمي من الحكومة المصرية بوجود الأزمة، مع صمت من الجامعات في ظل غموض الموقف الأمني، وانعدام أي مسار قانوني واضح. وبحسب مراقبين، فإن استمرار هذا الوضع يُشكل تهديداً لمستقبل مئات الطلاب، ولسُمعة التعليم العالي المصري.
ومنذ عام 2023، رصدت منظمات حقوقية تصاعداً ملحوظاً في أعداد الطلاب السوريين الذين يُمنعون من تجديد إقاماتهم الدراسية في مصر، أو أولئك الذين غادروا مؤقتاً ولم يُسمح لهم بالعودة رغم حيازتهم قبولاً جامعياً وإقامات سارية. وتشير "رابطة السوريين في مصر" إلى أن أكثر من 1200 طالب تضرّروا مباشرةً خلال العام الأخير وحده، بين منع من الدخول أو منع من تجديد الإقامة.
وأصدرت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" بياناً في مارس 2024، أكّدت فيه أن ما يجري في ملف الطلاب السوريين يعدّ انتهاكاً صريحاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينصّ على حق الجميع في التعليم العالي على أساس المساواة. معتبرة أن "التمييز ضد الطلاب السوريين لا يستند إلى أي أسس قانونية، بل يتناقض مع التزامات مصر بصفتها دولةً طرفاً في اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، وأيضاً إعلان الدار البيضاء لعام 2005 حول حماية اللاجئين العرب".
ووثقت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، أكثر من 300 حالة حرمان من الإقامة الدراسية في مصر بين سبتمبر 2023 ومارس 2024، مؤكدة أن بعضها طاول طلاب دراسات عليا وباحثين في جامعات مرموقة، مثل جامعتي القاهرة وعين شمس.
وفي اتصالات مع "المجلس الأعلى للجامعات"، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنه لم تصدر تعليمات من وزارة التعليم العالي بقبول الوافدين السوريين الجدد في الكليات المصرية للعام الدراسي 2025- 2026 حتى الآن، كما لم تصدر وزارة التعليم العالي أو وزارة الداخلية المصرية أي توضيح بشأن المعايير الجديدة المفروضة على قبول الطلاب السوريين.
ومع غياب المسار القانوني الواضح، يضطر الطلاب إما للعيش في وضع مخالف من دون إقامة، أو مغادرة البلاد وخسارة سنوات من الدراسة والاندماج.
ويربط مراقبون هذه الأزمة بتغيرات أوسع في السياسة الإقليمية، خصوصاً في ظل التقارب الحذر بين نظام الانقلاب في مصر والنظام السوري الجديد، وما يرافقه من تحولات في التعامل مع السوريين داخل مصر.