سجَّلها: عبد الله الغمراوي

من الذكريات الطريفة التي لا ينساها الداعية طلعت الشناوي مواقف الضابط عبد العال سلومة معهم في محنة التأييد، ومحاولاته المستميتة لتحويل الإخوان عن ثباتهم وإقناعهم بشتى الطرق بتأييد عبد الناصر، خاصةً إخوان المنصورة التي عمل فيها فترةً قبل الاعتقالات، وكان شديد العداوة، وتحدَّى الأستاذ محمد العدوي- رحمه الله- ذات مرة قائلاً له: سآخذ منك شباب المنصورة وأتركك وحيدًا!! فرد عليه الأستاذ العدوي- بمنتهى القوة والتلقائية-: يا عبد العال بيه، لا تنسَ أن نهاية لويس التاسع كانت في المنصورة.

 

ويذكر أيضًا أنه بلغ من إصرارهم على ما يريدون أنهم كانوا يطوفون على أهالي المعتقلين في بلادهم، محاولين تأليبهم على أبنائهم لرفضهم التأييد، ويذكرون بعض الآيات الكريمة كسند شرعي؛ كقول يوسف عليه السلام: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ وكموقف امرأة فرعون وغير ذلك؛ مما يظنون أن بها دليلاً على جواز التأييد لبلبلة الأفكار، حتى يقوم الآباء بالضغط على أولادهم.

 

ويتذكر الداعية طلعت الشناوي باسمًا: ذهب عبد العال سلومة إلى أبي من بين مَن ذهب إليهم؛ ففوجئت به يزورني مع خالي في سجن الواحات، وقد كنت طلبت منه ألا يزورني فيه إطلاقًا؛ للمشقة وبُعد المسافة عليه.

 

وعندما هممت بالخروج لمقابلته استوقفني الأستاذ العدوي وحذَّرني من إغضابه بأي صورةٍ من الصور، وشدَّد عليَّ في ذلك غاية التشديد، فخرجت وأنا لا أعرف كيف أفعل في هذه الورْطة، وكيف لا أُغضب أبي ولا أُفرِّط في حق دعوتي في الوقت نفسه؟!

 

دخلت على أبي فرفض أن يكلمني، وسألته عن أمي فرفض أيضًا أن يطمئنني عليها، وقال في حزم: لن أكلمك حتى تنفِّذ ما أطلبه منك وإلا انتحرتُ ودخلت النار وكنت أنت السبب.

 

في هذه الأثناء شاء الله- سبحانه وتعالى- أن يتدخل عبد العال سلومة في الحوار، فكانت هي الفرصة الإلهية لإنقاذي من الورطة التي دبَّرها هو بنفسه!! حيث استطعت أن أقول كل ما أريد قوله في نقاشي مع الضابط أمام أبي بثقة وقوة وجرأة دون أدنى حرج أو مواربة أو ملاطفة كنت سأُضطَّر إليها لو كان الحديث موجَّهًا إلى أبي.

 

وإذا بأبي قد ذُهل وتغيَّر تغيُّرًا طيبًا إلى الحق، وأخذ يدعو لنا ويقول: ثبَّتكم الله ووفَّقكم، وأُسقط في يدي الضابط الذي قابلني بعدها وقال لي: يا طلعت، اتضح إن الإخوان عندهم عقل (مخ) ولكن بين قوسين، ولكن أنت ليس لديك مخ إطلاقًا، فقلت له: وأنا أعتز بهذه الشهادة.

 

وابتعد الضابط بعدها ولم يحاول معي أو يحدثني إطلاقًا، ولكنه أراد أن يعطيني (علقة) فنادى على ثلاثة ذات يوم، وهم: الأستاذ مصطفى مشهور، والأستاذ أحمد البس، وطلعت الشناوي، والحمد لله لم نُضرَب يومها، ولكنها كانت فرصة لي للتندُّر والمزاح مع الإخوان، فقد أعلنت لهم أنه لم يعُد مسموحًا لأحد بعد ذلك اليوم أن يناديني (يا واد يا طلعت)، فقد تساوت الرؤوس، فكما ينادون يا أستاذ مصطفى ويا حاج أحمد فأنا أستاذ طلعت، فقد نودي علينا نحن الثلاثة معًا.

 

وللذكريات الطريفة بقية..