طالعتنا جميع الصحف- لا مؤاخذة- القومية صباح الخميس 31 مايو 2007م، بخبر جاء فيها جميعًا بالنص نفسه- تقريبًا- وأهم ما جاء فيه أن اللجنة العليا للانتخابات أكدت ضرورة عدم التعرض لحرمة الحياة الخاصة للمرشحين في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى التي ستجري يوم الإثنين 11 يونيه، وشددت في بيان لها صدر مع بدء الدعاية الانتخابية على ضرورة الالتزام بالمحافظة على الوحدة الوطنية والامتناع عن استخدام شعارات أو رموز أو أنشطة للدعاية لها مرجعية أو ذات طابع ديني أو على أساس التفرقة بسبب الجنس أو الأصل، كما حظر استخدام دور العبادة والمدارس والجامعات ومؤسسات التعليم في الدعاية، كذلك حظر إنفاق الأموال العامة وأموال شركات القطاع العام وقطاع الأعمال التي تساهم الدولة في رأسمالها في أعمال الدعاية..... إلخ.

 

وبالرغم من معرفة الكبير والصغير والناخب وغير الناخب والذكر والأنثى على أرض مصر المحروسة الهدف من هذا البيان، ألا وهو تقنين الملاحقة الأمنية والحرب غير الشريفة ضد مرشحي الإخوان في هذه الانتخابات، بالرغم من معرفة الجميع لهذا السبب إلا أن هذا البيان يمثل نقطةً- أو مركزًا- فاصلةً في الحياة المصرية المعاصرة للأسباب التالية:

 

- أهم ما تضمنه البيان تأكيده على عدم الدعاية على أساس الجنس أو اللون، وهو ما كان يعانى منه الشعب المصري على مدار عهوده الانتخابية الطويلة، ولم تستطع الحكومات المتتالية وضع حدٍّ لهذه المعاناة، حتى جاءت اللجنة المباركة؛ فالجميع يذكر كيف عانَى أبناء بولاق من التفرقة الإنسانية عندما كانت تطوف الدعاية تهتف لابن العمرانية أو ابن الوايلي، ولا ننسى كيف كانت قلوب "أبناء المربع والمثلث" تنفطر حزنًا وكمدًا عندما تستفزهم يوميًّا دعاية "ابن الدايرة".

 

وأيضًا الجميع يذكر التفرقة على أساس اللون التي كان يسببها المرشحون أصحاب الأسماء العدوانية أمثال "حسن الأسمر" أو "عبده الأبيض" و"حسين الأحمر" وما زالت التي سالت فطول البلاد وعرضها تشتكي إلى الله سبحانه بشاعة التفرقة على أساس الجنس واللون التي كانت في العهود الغابرة!!

 

- أما ما شدد عليه البيان ونعتقد أنه هو بيت القصيد في هذا البيان التاريخي وهو منع الدعاية على أساس أو ذات المرجعية الدينية.

 

فقد قفز البيان بالأمة قفزات رائعة لا يمكن حصرها أو معرفة إيجابياتها في وقتنا الراهن، فمشكلة الشعب المصري لا تنحصر في شعار "الإسلام هو الحل" فهناك العديد من أشكال الدعاية على أساس ديني واضح، طالما استفزت مشاعر المواطنين، وهل لنا أن ننسى رمز الهلال الذي يستفز مشاعر شركاء الوطن من الأخوة الأقباط؟!

 

هل يمكن لمسيحي مصري أن يشعر بالحياة الآمنة في حين يرفع المرشحون رمز الهلال ولا يجد مرشحًا واحدًا يرفع رمز الصليب؟

 

وهل لأحد من العقلاء أن ينكر ما لرمز الجمل من مرجعية إسلامية واضحة لا تخطئها عين؟!
إن على اللجنة الكريمة ما دامت تتسم بالشجاعة والتقدمية الثورية أن تبدأ بنفسها وتشطب كل الرموز ذات الطابع الديني ولا تنسى أيضًا الرموز ذات الطابع الديني المستتر كالحمامة، فالجميع يذكر موقف الحمامة في رحلة الهجرة، وأيضًا رمز الدبابة فلقد كان الجنود في حرب العاشر من رمضان يستخدمونها ويهتفون من فوقها "الله أكبر"، وليس هناك مرجعية في الدنيا كلها أكبر من هذه المرجعية كما ترى اللجنة ونرى جميعًا.

 

ولا يمكن للجنة- بعد تأكيدها وتشديدها وحزمها وربطها في بيانها على منع المرجعيات الدينية في الدعاية- أن المرشحين أصحاب الأسماء الدينية المستفزة لأهل الديانات الأخرى مثل "محمد" و"بطرس" و"عبد الرحمن" و"عبد المسيح".... إلخ.

 

ونقترح على اللجنة- بكل صدق ووطنية ديمقراطية- أن يحظر على جميع المرشحين الإفصاح عن أسمائهم للناخبين والاكتفاء بالرقم منعًا للمرجعيات، وهكذا نضمن دعايةً نظيفةً غير متخلفة أو بدائية وللجميع أن يتخيل مدى الحضارة والتقدم الذي سننعم به حين نسمع الميكروفونات تدور في الشوارع تناشد "انتخبوا 15" وإذا كان المرشح ابن أحد النواب السابقين المعروفين سنسمع "23 ابن 14 خير من يمثلكم"......

 

- أما عن عدم استغلال المدارس ودور العبادة؛ فخيرًا فعلت اللجنة حتى يقف الإخوان المسلمون عند حدهم فهم الذين يرفضون بشدة إعطاء الموظفين إجازة يوم الانتخاب ليتسنى لهم ابتزازهم كما يعلم الجميع.

 

وأيضًا هذا القرار لن نشاهد بعد اليوم سيارات الحكومة ومصانعها وأموالها العامة تُستغل بالشكل المرفوض على أيدي المعارضة والإخوان الذين كانوا يكدسون الموظفين في سيارات الحكومة للتصويت للمعارضة...!!

 

حقًّا إن حكومتنا السَّنِية تعرف كيف تُضحِك الشعب تمامًا كما تعرف كيف تبكيه وتغرقه وتحرقه!!