- أمريكا كانت تدعم دحلان وتياره الانقلابي لتقليص وجود حماس

- مصر هي البوابة الوحيدة في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى

- عائلة صويلح هي التي قتلت المدهون بعد قتله أحد أفرادها

- لم نكن نتخيل السيطرة الأمنية على غزة بهذا الشكل السريع

 

دمشق- المركز الفلسطيني للإعلام، القاهرة - إخوان أون لاين

قبل أن تندلع أحداث غزة الأخيرة حضر إلى القاهرة الدكتور موسى أبو مرزوق على رأس وفدٍ من حركة حماس لبحث أسباب انتهاك اتفاق مكة، والتقى برئيس المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان، وناقش معه أسباب توتر الأجواء، وحصل في النهاية على تعهدٍ من المسئولين المصريين على وقف الانتهاكات التي تمارسها بعض عناصر فتح، وعندما سألناه عن الضمانة في ذلك قال إن المصريين يستطيعون ضمان أي اتفاقٍ بين الجانبين.

 الصورة غير متاحة

 د. موسى أبو مرزوق

 

وعبَّر أبو مرزوق عن تفاءله الشديد، مؤكدًا أنه سلَّم الجانب المصري المستندات الدالة على تورط محمد دحلان في انتهاك اتفاق مكة، إلا أنه وبعد الزيارة بأيامٍ قليلةٍ اندلعت الاشتباكات مرةً أخرى بين حماس وفتح ثم توسَّعت المواجهات بين القوة التنفيذية التابعة للحكومة والأجهزة الأمنية التابعة للرئاسة، وانتهى الفلتان بحسم كتائب القسام هذا الانفلات، وبعدها قامت الدنيا ولم تقعد وزادت وتيرة الأحداث داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ولعل هذا ما دفعنا إلى الالتقاء بالدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ليوضح موقف الحركة مما جرى ويبقى السؤال لماذا جرى؟

 

وإلى نص الحوار الذي ننشره بالتنسيق مع المركز الفلسطيني للإعلام:

* د. أبو مرزوق.. نبدأ بالحدث الذي احتل مساحةً كبيرةً في العالم كله، وهو إطلاق سراح الصحفي آلان جونستون.. فهل ما حدث كان من قبيل الصدفة؟

** الأمر ليس فيه أي صدفة، فنحن كنا نعرف بدقةٍ مَن الذي خطف الصحفي البريطاني والمكان الموجود فيه الصحفي، وكانت هناك مفاوضات بين الحكومة وكتائب القسام وبين الخاطفين، وكنا منذ البداية على استعدادٍ لتحريره بالقوة، إلا أنَّ الحكومة البريطانية ترفض استخدام القوة في موضوع تحريره، وبالتالي كان هناك تواصل مستمر مع الخاطفين من أجل تحريره، وبالفعل بدأنا في تجريد الخاطفين من أوراقٍ عديدةٍ في إطار تشديد الضغط عليهم من أجل تحرير الصحفي جونستون، وكانت هناك اتصالات عديدة من مسئولين بريطانيين للتدخل من أجل إطلاق سراحه، وهو ما تمَّ في النهاية ليؤكد أن الانفلات الذي كان موجودًا في غزة ويدعمه أفراد بعينهم كان السبب فيما حدث لهذا الصحفي وغيره، فالوضع اختلف عندما هدأت الأوضاع وعادت الأمور إلى نصابها.

 

 

وأريد أن أؤكد أن عمليات خطف الصحفيين والدبلوماسيين وغيرهم من الأفراد والشخصيات السياسية لن يحدث مرةً أخرى، وأن حكومة هنية ومعها حركة حماس ستتصدى بكل قوةٍ لمثل هذه التجاوزات التي أساءت إلى الشعب الفلسطيني.

 

* على ذكر حالة الانفلات التي كانت في غزة.. كيف ترون الأسباب التي أدَّت إلى الأحداث الأخيرة في القطاع؟

** جذور الأزمة بدأت منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية؛ تلك الانتخابات التي كان يهدف البعض من وراء إجرائها إلى إضفاء شرعيةٍ على إجراءات وسياسات جديدة في الساحة الفلسطينية بمشاركة كل القوى الفلسطينية في هذه الانتخابات.

 

أما نحن في حركة حماس فقد شاركنا في تلك الانتخابات واضعين نصب أعيننا أهدافًا أخرى أبرزها حماية المقاومة وإصلاح الشأن الفلسطيني ومحاربة الفساد، وكانت المفاجأة لهم، والتي جعلت كل سياساتهم ومخططاتهم تنقلب رأسًا على عقب، هي فوز حركة حماس في هذه الانتخابات بأغلبية مقاعد التشريعي، وقاموا بمحاولة إجهاض هذا الفوز بكافة السبل وسعوا إلى إسقاط الشرعية الشعبية الواسعة التي حازت عليها الحركة، واعتمدوا من أجل ذلك طرقًا مختلفةً وخططًا متنوعةً، وللأسف، فقد شاركت في هذه التحركات دول إقليمية ودولية عديدة، وهؤلاء وجدوا في الساحة الفلسطينية أداةً داخليةً للتعاون معهم من أجل إقصاء حماس وإخراجها من الساحة السياسية أو ساحة المشاركة في القرار السياسي الفلسطيني، والحيلولة دون تمكن الحركة من القيام بدورها كعاملٍ رئيسيٍّ في صياغة القرار الوطني الفلسطيني بعد الاستحقاق الجديد الذي حازت عليه من خلال صناديق الاقتراع.

 

وبالفعل، شهدنا في إطار رفض تلك الأطراف لنتائج الانتخابات عمليات تحريض واسعة ضد حماس والحكومة التي شكَّلتها الحركة منفردة بعد أن امتنعت الفصائل الفلسطينية عن المشاركة، وقامت الأداة الفلسطينية المكلفة بتنفيذ مخطط إسقاط خيار الشعب بمحاولة استغلال الحصار الظالم المفروض على الشعب وحكومته من أجل تأليب الرأي العام ضد حركة حماس والحكومة، عبر تحريض الموظفين وتسيير المظاهرات وتعطيل المؤسسات، إضافةً إلى نشر الفوضى والفلتان الأمني، كما تم تنفيذ جملة اعتداءات وحشية طالت عددًا من النواب والوزراء المحسوبين على حركة حماس، إضافةً إلى أنصار ومؤيدي ومقار الحركة.

 

وعندما فشلت كل تلك المحاولات في إسقاط الحكومة وإقصاء حركة حماس عن القرار الفلسطيني؛ بدأ التخطيط لانقلاب على الشرعية الفلسطينية باعتماد القوة، وهذا ليس بالشيء الجديد، فجميع المراقبين يعلمون تمامًا أنَّ خطة "دايتون" كانت تقضي بتدريب وتسليح وتقديم تسهيلاتٍ لمجموعة سواء كان يطلق على تلك المجموعة اسم "حرس الرئاسة" أو "تنفيذية فتح" أو "القوة الفولاذية" أو أسماء أخرى غيرها، وكان هدف الدعم الأمريكي لتلك المجموعة مواجهة حماس وإجهاض تجربتها الديمقراطية، وقد تم اعتماد ملايين الدولارات بشكلٍ علني، وبإقرار الكونجرس الأمريكي من أجل تنفيذ هذا المخطط.

 

ويعلم الجميع بأمر الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الفلسطينية الأخ إسماعيل هنية في شهر يناير إلى رئيس السلطة محمود عباس، تلك الرسالة التي تحدثت بوضوحٍ عن عمليات إدخال كمياتٍ ضخمةٍ من الأسلحة لصالح "حرس الرئاسة" من قِبل بعض الجهات الخارجية، بمباركة أمريكية وصهيونية، كما تتحدث عن تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطني تُقدَّر بالآلاف لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد مقر "أنصار" في غزة مقرًّا مركزيًّا لها.

 

وتتحدث الرسالة كذلك عن تجهيز تلك القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملة للموالين، وتتحدث أيضًا عن أنَّ هناك اجتماعاتٍ أمنيةً حسَّاسةً لعددٍ كبيرٍ من ضباط الأمن الفلسطيني بمقر السفارة الأمريكية، تُناقش فيها خطط العمل، وكانت هناك أيضًا إشارة إلى البدء بإقالة عددٍ من الضباط واستبدالهم بشخصيات أخرى، مع العلم أنَّ لجنة الضباط هي المختصة بهذه الشئون، وإضافةً إلى كل ذلك؛ تم تعيين النائب محمد دحلان من طرف رئيس السلطة شفويًّا كقائدٍ عامٍ للأجهزة الأمنية، وبعد ذلك تم تثبيته كمنسقٍ عامٍ للأجهزة الأمنية وأمين لمجلس الأمن القومي، ويشارك في اجتماعات اللجنة التنفيذية ومنظمة التحرير، وهذا فيه مخالفة قانونية.

 

كما أشارت الرسالة إلى عمليات التهديد بحق الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل، فقد تم في ذلك الوقت الاعتداء على وزير الأسرى وصفي قبها وإعلامه عبر مرافقه أنَّ الاعتداء القادم سيقتله، كذلك تم تكليف أحد الأشخاص الأغنياء في "فتح" بغزة بالقيام بتصفيات وبتهديدات متعددة لوزراء.

 

وفي الرابع عشر من شهر يونيو أكد الصحفي الألماني الشهير فول فراين هاوس في مقالةٍ نشرها في صحيفة ألمانية أنَّ إدارة جورج بوش تخطط لتفجير الأوضاع في الساحة الفلسطينية الداخلية، وتحريض تيار موالٍ داخل فتح على القيام بتصفياتٍ جسديةٍ للقادة العسكريين في حركة حماس.

 

وأود الإشارة هنا أيضًا إلى ما كان قاله الجنرال دايتون مسئول الاتصال العسكري الأمريكي والمقيم في تل أبيب، أثناء جلسة استماعٍ في شهر مايو الماضي أمام لجنة الشرق الأوسط في الكونجرس الأمريكي؛ حيث ذكر أنَّ الولايات المتحدة لها تأثير قوي في حركة فتح، وأنَّ الأوضاع ستنفجر قريبًا في قطاع غزة وستكون عنيفة وبلا رحمة، كما تحدَّث عن وجود تعبئة للأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة ضد حركة حماس، وهذا بطبيعة الحال، يمثل خيارًا إستراتيجيًّا للإدارة الأمريكية الحالية، وهو ما يُفسِّر أنَّ الكونجرس الأمريكي لم يتردّد في اعتماد المبالغ التي ذُكِرت في ذلك الوقت، والمخصصة لتدريب الحرس الرئاسي في بعض دول الجوار وتسليحهم وتقديم التسهيلات الكثيرة والمتنوعة لهم، وهذا كان يعدُّ على الرغم من إبرام "اتفاق مكة"، ووجود توافق على الشراكة الفلسطينية، إضافةً إلى الكثير من الاتفاقيات التي وقعت بين حركتَي "حماس" و"فتح".

 

تبادل الأدوار

* بدأت الأحداث الأخيرة في الثالث عشر من شهر مايو بعملية التصفية التي استهدفت بهاء أبو جراد في شمال قطاع غزة، وبعدها بساعات بدأت عناصر فريق دحلان يطلقون النار بكثافةٍ على المنازل والمارة.. مَن هو الطرف الذي قام بتصفية بهاء أبو جراد برأيكم؟

** أعتقد أنَّ العملية جاءت في إطار التصفيات الداخلية ضمن صفوف حركة فتح، وحينها عرضت الحكومة تشكيل لجنة للتحقيق في هذه العملية، وقبل أن يبدأ التحقيق، نشر عناصر فريق دحلان الحواجز واعتلوا الأبراج وأخذوا يطلقون النار على المارة، خاصةً الشبَّان الملتحين والأخوات المنتقبات.

 

واستمرت هذه الأحداث حتى الثالث والعشرين من شهر مايو، وقُتل خلال هذه المدة ثمانية عشر فردًا من أبناء حركة حماس، بينما قُتل من التيار الانقلابي ثلاثة أفراد، ولم تتوقف عمليات الاستهداف لعناصر ومؤيدي حماس ومقارها إلا بعد أن بدأت قوات الاحتلال بقصف مقار القوة التنفيذية وكتائب القسَّام بحجة إطلاق صواريخ؛ ما أدى إلى استشهاد العشرات من أبناء "القوة التنفيذية" و"القسَّام"، على الرغم من أنَّ "التنفيذية" ليس لديها صواريخ، وكان هدف قوات الاحتلال وفق ما عبَّر عنه عددٌ من المحللين والصحفيين الصهاينة بالقول "كنا نريد أن نُغيِّر موازين القوى في قطاع غزة لصالح حركة فتح".

 الصورة غير متاحة

مسلحون فتحاويون من أنصار العميل سميح المدهون

 

وللأسف كان الأخ "أبو مازن" يعلم بكل هذه الأحداث، بل وكان يدعمها أيضًا؛ وأبرز مظاهر هذا الدعم تجلَّى في الصورة التي تم نشرها في المواقع الإلكترونية والصحف، والتي تجمعه مع المدعو سميح المدهون الذي يأوي في "المنتدى" (مقر رئيس السلطة في غزة) وينطلق منه لقتل الأهالي والتنكيل بهم وحرق المنازل، وكان المذكور عندما يقتحم منزلاً، يأمر النساء بالسجود له، ومَن لا تسجد له من النساء كان يضربها ضربًا مبرحًا، وكان يمارس القتل في بعض الأحيان من خلال تقطيع أعضاء الشخص إلى أن يفارق الحياة، وكثير من أهالي القطاع سمعوه وهو يقول عبر إذاعة "الشباب" المحسوبة على فتح، "الآن حرقتُ عشرين بيتًا، وأنا ماضٍ لحرق بقية البيوت".

 

* هذا ما تقولونه أنتم، بينما قادة فتح يعدون المدهون من المجاهدين والمقاومين.. فما دليلكم على ذلك؟

** ليس لدينا وثائق فقط، ولكننا نملك أيضًا تسجيلات صوتية بخصوص تلك الجرائم.

 

* ذكرتم أنَّ عمليات "التيار الانقلابي" ضد حماس توقفت مع بدء قصف قوات الاحتلال لمواقع "التنفيذية" وكتائب القسّام، فماذا حصل بعد ذلك؟

** نعم، ولكن "التيار الانقلابي" ما لبث أن استأنف عمليات الاستهداف بحق أبناء حركة حماس، بقيام عناصر القوة الـ17 المتمركزين على أحد الحواجز بخطف ثلاثة من أعضاء الحركة، وفي العاشر من شهر يونيو هاجمت قوات أمن الرئاسة منزل الدكتور علاء الرفاتي القيادي في حركة  حماس وعميد كلية التجارة بالجامعة الإسلامية، غير أنهم لم يجدوا الدكتور علاء في المنزل، فقاموا بإخراج شقيقه الشيخ محمد الرفاتي المربي الفاضل وإمام مسجد العباس في مدينة غزة من المنزل، وأطلقوا النار على قدميه، وأصابوه بجراح، ثم غادروا المكان، وبعد ربع ساعة عادوا واختطفوه وهو مصاب، وتوجهوا به إلى "المنتدى"؛ حيث تمت تصفيته بطريقة وحشية.

 

وبعد ذلك قامت عناصر الأجهزة الأمنية باختطاف شاب ملتحٍ؛ يُدعى حسام أبو قينص ظنًّا منهم أنه ينتمي لحركة حماس، وألقوا به من فوق أحد الأبراج السكنية غربي مدينة غزة وهو مكبّل اليدين، وبعد أن اكتشفوا أنه لا ينتمي لـ"حماس"، أخذوا ينشرون الأكاذيب بأنَّ حركة حماس هي مَن قامت بإلقاء الشاب أبو قينص من الطابق السابع عشر، غير أنَّ والد الشاب أبو قينص أكَّد عبر الفضائيات أنَّ عناصر الأجهزة الأمنية هم مَن قاموا بقتل ابنه رميًا من فوق أحد الأبراج.

 

وطبعًا هذه الأحداث جعلت الأمور تنفجر من جديدٍ في قطاع غزة، وقام الأهالي الذين تأذوا بشكلٍ مباشرٍ من الأعمال الإجرامية التي نفذها التيار الانقلابي باستهداف رموز هذا التيار الذي كان يوغل يومًا بعد يوم في القتل والتنكيل، وقام عدد من الشبّان بقتل أحد رموز التيار الانقلابي في شمال قطاع غزة ويُدعى جمال أبو الجديان.

 

وفي الحادي عشر من شهر يونيو قامت عناصر التيار الانقلابي بإعدام القائد الميداني القسامي محمد الدحدوح  في "المربع الأمني" بمدينة غزة، وبعدها قامت القوة الـ17 المتمركزة في برج البكري، بقصف مقر رئاسة الوزراء في غزة؛ حيث كان يُعقَد اجتماعٌ للحكومة، وبالفعل كادت إحدى القذائف أن تنفجر في الطابق الذي كان يُعقَد فيه الاجتماع، ما حدا بالجميع إلى النزول إلى "القبو"، أي أنه كان هناك نية مبيتة لدى التيار الانقلابي باستهداف رئيس الوزراء والوزراء المجتمعين.

 

ثم بعد ذلك قامت عائلة بكر المدعومة من أمن الرئاسة ومن المدعو دحلان مباشرةً، بالهجوم على بيت القائد القسّامي مازن عجور وحرق بيته ومحله وخطف أخيه ووالده وزوجته وأولاده، واحتجزوهم جميعًا في برج بكر، ما حدا بالشبّان إلى القيام بمحاولة إنقاذ لعائلة عجور، فتمت محاصرة البرج ثم السيطرة عليه وتحرير العائلة.

 

وفي الثالث عشر من شهر يونيو تدهورت الأوضاع بشكلٍ متسارعٍ عندما أخذ عناصر "التيار الانقلابي" يطلقون النار بشكلٍ مكثفٍ ومباشر على الأهالي ويحرقون المنازل والممتلكات، فكان لا بد من وضع حدٍّ لتلك العمليات الإجرامية؛ ولذلك كان التحرك الجماهيري في اتجاه مركز الأمن الوقائي في تل الهوى، وتمت السيطرة على تل الهوى في الرابع عشر من شهر يونيو.

 

وأؤكد أنه لم يكن هناك أي قرار سياسي لدى حركة حماس بالمس لا بالمنتدى ولا بالسرايا (مجمع الأجهزة الأمنية بغزة) ولا بجهاز المخابرات "السفينة" (مقر جهاز المخابرات العامة على شاطئ غزة)، وإنما كان هناك توجه ميداني بتقويض مركز الفتنة في مركز الأمن الوقائي.

 

وبعد حصار مقر قوات الأمن الوقائي، نحو 12 ساعةً، أعلنت العناصر التي كانت داخل هذا المقر عن رغبتها بالخروج، وبالفعل سُمح لهم بالخروج بأمان، وفي أعقاب سقوط مقر جهاز الأمن الوقائي في المنتدى، هرب كل مَن كان في تلك الأجهزة، وأصبحت بالتالي المقار مفتوحة أمام الناس، الذين دخلوها وقام بعضهم بتصرفاتٍ مسيئة نحن في حركة حماس نستنكرها وندينها بأي حالٍ من الأحوال.

 

فالعملية انتقلت أطوارها حتى وصلت إلى هذا الأمر، وعندما تمَّ دخول الجماهير إلى تلك المقار التي تُسمَّى سيادية- ولا سيادةَ تحت الاحتلال- سواء كان في بيت الرئيس أو في المنتدى أو في منزل ياسر عرفات رحمه الله، أو في مبنى المخابرات، حينئذٍ تدخلت القوة التنفيذية وكتائب القسّام لحماية تلك الأماكن.

 

الاستيلاء على السلطة

* هل معنى ذلك أنَّ الاشتباكات كانت فقط مع قوات الأمن الوقائي المتمركزة داخل "المربع الأمني"؟

** نعم.. الاشتباكات كانت فقط مع قوات الأمن الوقائي المتمترسة داخل "المربع الأمني"، وبإمكان أي صحفي أن يذهب إلى تلك الأماكن ويتأكد بأنه لم تُطلق طلقة واحدة باتجاه المقار الأخرى، وهذا يؤكد ما قلناه ونقوله بأنه لم يكن في نية أحد من حركة حماس الاستيلاء على السلطة أو على تلك الأجهزة.

 

* ولكن هناك أطرافًا فلسطينيةً وعربيةً تقول بأن ما تم في "المربع الأمني" كان عملية انقلاب قامت بها حركة حماس.

** أعود وأؤكد بأنَّ ما تم كان عبارة عن كرة ثلجية متدحرجة، انتهت بفرار مسئولي الأجهزة الأمنية المتورطين في عمليات إجرامية بحق شعبنا، أما الحديث عن انقلاب قامت به حركة حماس، فهذا كلام ليس له أي أساس من الصحة، فلو كان مثل هذا التوجه موجودًا لدى الحركة لكانت سياساتها مغايرة لما عليه الآن، فعلى الأقل كنَّا أعلنا عدم اعترافنا بشرعية رئاسة السلطة، غير أننا لا نزال نعلن أنَّ الأخ "أبو مازن" هو رئيسٌ للسلطة الفلسطينية، ونعلن في الوقت ذاته استعدادنا للحوار معه على هذا الأساس.

 

المعركة كانت مع التيار الانقلابي الذي كانت تعتمد عليه أمريكا والكيان الصهيوني في تقويض الوضع الفلسطيني، والحركة منذ اليوم الأول اتخذت سياسات واضحة وجلية متعلقة بالوضع الفلسطيني برمته سواء كان في الاستمرار في الحفاظ على وحدة الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم فصل غزة عن الضفة، والحفاظ على شرعية المؤسسات وكل الشرعيات بما في ذلك شرعية الرئيس "أبو مازن" وشرعية المجلس التشريعي وشرعية الوزارة.

 

والحركة أكدت على ضرورة تعزيز الشراكة السياسية، ودفعنا بكل قوةٍ باتجاه استتباب الوضع الداخلي وإنشاء قوات أمن وطني، وهذه كلها تم التوافق عليها مسبقًا، خاصةً في تفاهمات مكة، وقد أكدنا مرارًا أنَّ الحركة ملتزمة بكل التفاهمات والاتفاقيات التي جرت بيننا وبين الإخوة في حركة فتح، وأكثر من ذلك نحن في حركة حماس وطوال المدة الماضية، حتى قبل توقيع اتفاق مكة، كنَّا نطالب بتشكيل لجنة محايدة لتقصي الحقائق لتبيان الجهة التي تدفع باتجاه تفجير الأوضاع.

 

لجنة تقصي الحقائق

* قبل اتفاق مكة جرى الحديث عن تشكيل لجنة تحقيق بمبادرة من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلو، بشأن تفجر الأوضاع الأمنية، لماذا لم تر تلك اللجنة النور؟

** الذي حصل أنه تم تعيين قاضٍ من المغرب وآخر من مصر وثالث من الأردن، وحينما جاء نائب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى رام الله لتسمية مندوب "فتح" في تلك اللجنة، رفضت رئاسة السلطة إجراء أي تحقيق في الأحداث في ذلك الحين.

 

والآن نحن في حركة حماس نطالب لجنة تقصي الحقائق التي تم الإعلان عنها في مؤتمر وزراء الخارجية العرب منتصف شهر يونيو في القاهرة، بمباشرة أعمالها، ونحن على استعدادٍ لتقديم كافة السبل من أجل إنجاح عمل اللجنة، وهذا كان موقفنا منذ الإعلان عن تشكيل اللجنة، أما رئاسة السلطة، فقد أعلنت مباشرةً عن رفضها لتلك اللجنة، حتى إنَّ ياسر عبد ربه استهزأ بالجامعة العربية وشتم الأمين العام للجامعة العربية بسبب قرارٍ من هذا النوع.

 

حماس وفتح

* ولكن البعضَ يرى أن هناك نيةً لدى حماس لتحجيم دور حركة فتح في قطاع غزة؟

** على العكس تمامًا، فنحن ننظر إلى حركة فتح على اعتبار أننا شركاء في المقاومة وشركاء في الوطن، ونعتبر أنَّ تعزيز العلاقة بين الحركتين هي قوة لشعبنا وقضيته، ومن الجدير بالذكر هنا أنه وخلال الأحداث الأخيرة التي شهدها القطاع، لم يتم الاعتداء على أي من مواقع حركة فتح الموجودة في قطاع غزة البالغ عددها حوالي مائة وخمسين موقعًا، ولم يجر التعرض لأي من قيادات وأعضاء فتح، ونحن، كما ذكرت، ننظر إلى إخوتنا في حركة فتح على اعتبارهم أنهم شركاؤنا، أما الخلاف فكان مع تيار انقلابي، والمعركة كانت مع رموز هذا التيار، وحينما تم القبض عليهم بعد استسلامهم، قام الإخوة بالعفو عنهم، وقسم منهم موجود الآن في رام الله وقسم آخر في القاهرة.

 

عمليات التنكيل

* عرضت بعض الفضائيات صورًا لعمليات تنكيل ضد عناصر في الأجهزة الأمنية، كما عرضت بعض التصرفات التي قام بها أشخاص بقصد الإساءة إلى الرئيس محمود عباس، ما تعليقكم؟

** لم يكن هناك من صور لعمليات تنكيل غير تلك التي تخص عملية قتل سميح المدهون أحد رموز التيار الانقلابي, وأود التوضيح بأن المدهون قُتل على الحاجز بعد إقدامه على قتل عنصر من القوة التنفيذية من عائلة صويلح، وهذه المنطقة يتركز فيها وجود العائلة، فحينما علمت تلك العائلة بأمر قتل أحد أبنائها، هبوا وقاموا بقتل المدهون، ولم يكن معلومًا لا لقيادة كتائب القسّام ولا للقوة التنفيذية بهذا الأمر إلا بعد أن انتهى، وأعتقد أنه من الخطأ أن يُعرض مثل هذا الحادث على شاشة التلفزيون، أو أن يعرض صور لرجل يجلس على كرسي أبو عمار أو صور أحد الأشخاص وهو يحطم صور لأبي مازن أو أبي عمار، أو أن يُصر إلى رفع علم حماس ولا يرتفع العلم الفلسطيني، كل هذه صور خاطئة وممارسات مشينة ولا نرضى عنها، مع الإشارة إلى أن عناصر القسّام الذين رفعوا علم حماس لم يرفعوه بدلاً من العلم الفلسطيني، بل بدلاً من علم فتح، هم أنزلوا علم فتح ورفعوا علم حماس، ومع ذلك أقول: إنه من الخطأ أن يُرفع علم حماس أو علم فتح أو علم أيٍّ من الفصائل على المقار الأمنية، فالجميع يعلم أن علم "فتح" كان يُرفع على بعض سيارات الرئاسة وعلى مواقع الأمن بدلاً من العلم الفلسطيني.

 

ولا شك أنه من الخطأ أيضًا أن يجلس أحد على كرسي الرئيس أبو عمار، لكن المفارقة أنَّ الذين يبكون تأثرًا على جلوس أحدهم على كرسي أبو عمار- رحمه الله- هم ذاتهم الذين انقلبوا على الأخ أبو عمار في السنتين الأخيرتين اللتين سبقتا استشهاده.

 الصورة غير متاحة

عناصر فتحاوية ترفع أعلام الحركة على مقر التشريعي برام الله

 

كما أنَّه من غير المعقول ومن غير المنطق أن تعقد المآتم لسقوط بعض صور الأخ "أبو مازن" على أيدي بعض العامة، بينما يقوم أولئك المتباكون بحرق منزل رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز دويك المعتقل حاليًا في أقبية سجون الاحتلال!!

 

ومع ذلك نقول: إننا ندين أي تصرف أو سلوك ينتهك ثقافة الوحدة الوطنية، ونحن لم ولن نعطي غطاءً لأي مسيء ولا لأي مجرم ولا لأي أحد خارج عن القانون، كل قيادات الحركة أكدت أن أي خطأ يجب أن يُصحَّح، وأي مظلمة يجب أن تُرَدّ لأصحابها، فنحن نؤمن بذلك ونطبقه على أنفسنا وعلى غيرنا، حتى لو لم ترضَ عنه حماس، فالحق لا يتلوّن بألوان الفصائل ولا بألوان توجهات القوى, الحق ثابت والحق رصين لا يتغيّر مع تغير الأوضاع لصالح هذا الطرف أو ذاك.

 

* بعض الفصائل انتقدت حركة حماس؛ لأنها لم تطلعها قبل عملية "الحسم" على المسار الذي تتجه إليه الأمور في قطاع غزة؟

** نحن نتحدث عن أمرٍ غير مخطط له، فعلى ماذا كنَّا سنطلعهم، نحن لا نعلم الغيب, نحن لا نعلم أنَّ قادة الأجهزة الأمنية سيهربون من مواقعهم على النحو الذي تم, نحن لا نعلم بأنَّ هذا "القصر" الأمني كان "قصرًا من ورق"، فأحد قادة الأجهزة- وحسب التسجيلات الصوتية التي تم بثها- جزم للرئيس عباس بأن "حماس لن تأخذ معنا غير غلوة(!!)".

 

إذًا لم نكن نعرف أنَّ الأمور ستسير في هذا الاتجاه، ولا حتى الأخ خالد مشعل كان يعلم بأنَّ الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه، ببساطة الموضوع كان أن عناصرَ الأجهزة الأمنية يعملون تقتيلاً وتنكيلاً بأبناء شعبنا في إطار مخططٍ يشرف على تنفيذه التيار الانقلابي، فقام الشعب الفلسطيني في القطاع وحركة حماس بالتحرك لتطويق هذا المخطط، فوجدنا كل رجالات التيار الانقلابي وكل من يناصرونهم يولون الأدبار في كل اتجاه، بعضهم فرَّ عبر البحر، وبعضهم من خلال المعابر.

 

أكاذيب الصهاينة

* تخوفات عديدة أطلقها كثيرون من أن حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة سوف تحولها إلى "إمارة إسلامية" والبعض أطلق عليها "إمارة حماسستان".. فما تعليقك على ذلك؟

** هذا الموضوع تروِّج له الصحافة الصهيونية، فمنذ فوز حماس في الانتخابات التشريعية بدأت الصحافة الصهيونية تتحدث عن وجود "حماسستان" في الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن الغريب أن يُنقَل هذا الكلام عن الصحف العبرية ويجري الترويج له من بعض الشخصيات الفلسطينية، بأن حركة حماس تنوي إنشاء إمارة إسلامية أو خلافة إسلامية أو "حماسستان" أو "طالبان جديدة في قطاع غزة"، وهذا ليس تقليلاً لا من طالبان ولا من تلك المسميات، لكنَّ هذا شيء مستغرب فهذه العبارات تم نقلها وتداولها والحديث عنها نقلاً عن الصحافة العبرية.

 

ويجب التأكيد أنَّ حركة حماس لم تقل قط إنها تنوي إنشاء إمارة أو دولة إسلامية في قطاع غزة، ولا تريد ولم تتحدث مطلقًا في أي لحظةٍ حتى عن مخالفة القوانين الناظمة المعمول بها في السلطة الفلسطينية الحالية؛ لأننا نرى أننا لا زلنا في مرحلة تحرر وطني، فنحن نسعى إلى تحرير بلدنا ولسنا معنيين الآن بشكل الحكم الذي يصار إليه، ولذلك هذا موضوع لم يجر التطرق إليه أي من قادة الحركة بالمطلق ولا في أدبيات الحركة إطلاقًا.

 

فحماس حركة تحرر وطني فلسطيني، والدين الإسلامي هو موجِّهها، وهي تنطلق من مبادئه ومن أسسه، ولم ينكر أحد أنَّ الإسلام هو الموجه الأساسي لهذه الحركة، لكن في الوقت نفسه نقول إننا لا زلنا في مرحلة تحرر وطني وفي مرحلة مقاومة لهذا الاحتلال، ولسنا بصدد أيٍّ من هذه التفريعات التي تريد أن تضيع القضية وتحرفنا عن المسار الأساسي الذي نتوجه إليه.

 

ويستطيع أي مراقب أو إعلامي أن يذهب إلى قطاع غزة ويتأكد بنفسه كيف تتصرف الحركة تجاه كل هذه القضية، فنحن نرى أن التدين لا يكون بالإكراه، فلا إكراهَ في الدين، وأود أن أشير إلى أنَّ كثيرًا من الإشاعات روج لها بعض رموز التيار الانقلابي والتي تحاول النيل من صورة حماس لدى الشعب الفلسطيني، حتى إنهم ادَّعوا أن الحركة تُضيق على الإخوة المسيحيين في القطاع، الأمر الذي نفاه راعي الكنيسة في غزة الأب مانويل مسلم جملةً وتفصيلاً.

 

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنَّ الإخوة المسيحيين في قطاع غزة قد نجحوا في الانتخابات التشريعية ضمن قائمة حماس، ويعلم القاصي والداني أنَّ الحركة وقفت إلى جانب المسيحيين، خاصةً في قطاع غزة، لحماية حقوقهم خلال الانتفاضة الأولى بعد أن انتهت الإدارة المدنية وأصبح القطاع بلا ناظم.

 

* كيف ترى حالة التأييد التي وجهتها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لرئيس السلطة وحكومة الطوارئ؟

** أعتقد أنَّ أي إنسان يعرف ألف باء السياسة يدرك أنه إذا امتدحك عدوك، فإنك تكون في المربع الخاطئ، وهذا ما جرى مع رئاسة السلطة، وكلنا يتذكر الترحيب الكبير الذي أبداه الأمريكيون والصهاينة تجاه قيام رئيس السلطة محمود عباس بإقالة حكومة هنية وتكليف الدكتور سلام فياض بتشكيل حكومة طوارئ، في خرق سافر للقانون والدستور الفلسطيني، حتى إنَّ الإدارة الأمريكية أعلنت بعد أقل من ثلاث ساعات على إعلان حالة الطوارئ، عن دعمها لحكومة الطوارئ ورفع الحصار عنها، بل وأجبرت العالم على التعامل مع تلك الحكومة على الرغم من عدم مشروعيتها.

 

أما الحكومة الصهيونية فقد سارعت بعد إعلان حكومة الطوارئ إلى قطع الوعود بدعم تلك الحكومة ماليًّا مؤكدةً أنها ستنقل إلى تلك الحكومة الأموال التي كانت احتجزتها سلطات الاحتلال بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية وتشكيلها للحكومة العاشرة.

 

ولذلك فإن الموقفين الصهيوني والأمريكي في الوقت الراهن يتلخصان بتقديم كل أسباب الدعم للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مقابل تقويض المقاومة في الضفة، وفصل القطاع عن الضفة سياسيًّا وجغرافيًّا، وأرى أنّ هناك غيابًا كاملاً للمصلحة الفلسطينية في كل ما يُتخذ حاليًا في رام الله من قرارات، فرئاسة السلطة الآن تتخبَّط في إجراءاتٍ غير قانونية ومراسيم غير مدروسة للأسف الشديد؛ ولذلك لا بد من مراجعة كل ما جرى في رام الله لتصويب المسار كي يخدم الشعب الفلسطيني.

 

خيبة أمل

* ألا ترى أنَّ الأمريكيين والصهاينة أصيبوا بخيبة أمل بعد الانهيار السريع للأجهزة الأمنية التي كان يسيطر عليها "التيار الانقلابي"؟

** أعتقد أنَّ الأمريكيين والصهاينة مصابون فعلاً بخيبة أمل من الفشل الذريع الذي مُني به التيار الانقلابي الذي يقوده محمد دحلان، وهنا أود أن أشير إلى المقال الذي كتبه أحد الصحفيين الصهاينة والذي أوضح فيه أنّ الأمريكيين والصهاينة عززوا الشريك الأعلى لهم في المنطقة وهو محمد دحلان؛ وذلك منذ أن انضم في عام 1993م إلى رؤوس الشاباك والجيش الصهيوني، حينها اعتُبر رجلاً مؤهلاً للقيام بدوره ضد المقاومة والمقاومين.

 

حتى إنَّ دايتون في خطته اعتمد على دحلان في مخطط بناء قوة تحطم حركة حماس، وكانوا يراهنون على أنَّ دحلان هو الشريك الكبير الذي سيحسم الأوضاع في قطاع غزة خلال ساعات معدودة، فدحلان وعلى الرغم من تلقيه دعمًا ماليًّا أمريكيًّا يتجاوز المائة مليون دولار، وعلى الرغم من الدعم اللوجستي والتسليح الأمريكي وغير الأمريكي له في قطاع غزة خلال الفترة الماضية، والتسهيلات التي قُدمت لعصابته التي سرق بها قرار حركة "فتح"، ها هو الآن ينزل في فندق برام الله "منتوف الريش"، يعكف على صياغة التبريرات والذرائع إلى أسياده في تل أبيب وواشنطن، عن سبب السقوط المدوي والسريع لعصابته في القطاع.

 

* في حال إذا واصل الرئيس محمود عباس تمسكه بمواقفه، فما هو برأيكم السيناريو الأبرز للمرحلة القادمة؟

** لا أعتقد أنَّ "أبو مازن" سيستمر طويلاً في تمسكه بمواقفه (هذه)، ولا أتوقع بأن يتمسك بالمراسيم العتيدة التي أصدرها، فهو في النهاية سيقف عند حقيقة أنَّ حركة حماس التي فازت بالانتخابات في الضفة الغربية كما فازت في قطاع غزة، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يتم تجاهلها والقفز عنها.. أعتقد أنه لا سبيل أمام "أبي مازن" سوى العودة إلى الحوار.

 

* فيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية فإلى أي مدى يسير الوضع هناك؟

** يبدو أنَّ السلطة الآن تسير باتجاه محاولة تطبيق البند الأول من خارطة الطريق في الضفة الغربية، والمتعلق بضرب المقاومة، وهذا بلا شك سيفجّر الأوضاع في الضفة الغربية، ونحن نقول: إنَّ المقاومة ستبقى ما دام هناك احتلال، وهنا نذكِّر "أبا مازن" وعلى ضوء تجربته في أوسلو، أنّ الاحتلال الصهيوني كلما قدمت له تنازلاً يطالب بالمزيد إلى أن يأتي على القضية الفلسطينية برمتها، لذلك إذا ما مضى "أبو مازن" في هذا الطريق، فإنَّ الفشل بالتأكيد سيكون بانتظاره.

 

*  كيف تنظرون إلى قمة شرم الشيخ؟

 الصورة غير متاحة

قمة شرم الشيخ الرباعية

** الأمر اللافت كان في موقف رئيس السلطة محمود عباس عندما خاطب أولمرت باعتباره شريكًا في المرحلة المقبلة ضد حركة حماس وفي ضرب المقاومة، كذلك تجاهل الرئيس عباس في المطالب التي عدّدها جوهر القضية الفلسطينية المتمثل بموضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي هُجِّروا منها عام 1948، وذلك حينما استعرض حقوق الشعب الفلسطيني وما يجب أن يكون عليه في تفاهمات السلام المستقبلية.

 

ورغم كل ذلك تلقى عباس صفعةً قويةً حين اعتبره أولمرت زعيمًا لحركة فتح فقط من خلال حديثه عن نيته إطلاق سراح 250 أسيرًا من حركة فتح فقط، وبالتأكيد هؤلاء المعتقلون سيكونون من الذين انتهت مدة اعتقالهم أو أولئك المعتقلون لأسباب جنائية.

 

وهنا أقول: أليس عيبًا على "أبو مازن" أن لا يأتي على ذكر الوزراء والنواب المعتقلين في سجون الاحتلال ويتعرضون للتنكيل والتعذيب، وأن لا يطالب بإطلاق سراحهم؟!

 

أما أولمرت فقد استهزأ خلال القمة بالأمة العربية والإسلامية واستخف بعقول الشعوب عندما ساوى في خطابه بين الضحية والجلاد، وساوى بين (ما يلاقيه الصهاينة جراء هجمات المقاومة) وآلام ومعاناة الشعب الفلسطيني في ظل العدوان والحصار والعمليات الإرهابية التي يواصل ارتكابها جيش الاحتلال الذي لم يتردد لحظة في استخدام أكثر الأسلحة فتكًا ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، كما أنّ أولمرت لم يقدِّم أي خطوة حقيقية باتجاه تلبية المطالب الفلسطيني، لا فيما يتعلق بوقف بناء الجدار وتوسيع المستوطنات، ولا فيما يتعلق بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين، ولا حتى برفع الحواجز العسكرية المنتشرة بالمئات بين المدن والقرى والبلدات في الضفة الغربية.

 

دعوة مبارك

* كيف ترى حركة حماس الدعوة التي وجهها الرئيس المصري حسني مبارك خلال قمة شرم الشيخ للفصائل الفلسطينية من أجل استئناف الحوار؟ 

** أعتقد أنّ الإيجابية الوحيدة لقمة شرم الشيخ تتمثل في كلمة الرئيس مبارك، وتأكيده ضرورة استئناف الحوار الفلسطيني الداخلي وصولاً إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي والنأي عن أجواء الصراع والاقتتال، ونحن في حركة حماس أعربنا عن ترحيبنا بدعوة الرئيس مبارك لاستئناف الحوار.

 

ونحن عندما نتمسك بخيار الحوار، لا ننطلق من موقع الضعف والخوف من المستقبل، فهذا الموقف كنّا نؤكد على وجوبه منذ انطلاق حركة حماس، وقلنا ذلك ونحن في سجون الاحتلال، وقلنا ذلك أيضًا عندما كان قياديو الحركة معتقلين في سجون السلطة الفلسطينية، وقلنا ذلك عندما دحرنا الاحتلال عن غزة، وقلنا ذلك عندما فزنا بالانتخابات التشريعية، فنحن نرى أنّ العنوان الحضاري لأي شعب يريد تسوية خلافاته والوصول بمجموعه الكلي إلى حل قضاياه الوطنية، هو بالحوار، فالحوار هو القادر على إخراج الحالة الفلسطينية من المأزق الراهن وليس المراسيم والقرارات غير المسئولة التي تصدرها رئاسة السلطة.

 

صفقة تبادل الأسرى

* فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى؛ سرّبت بعض المصادر إلى وسائل الإعلام أنباء تتحدث عن اتصالات تجريها حركة حماس مع أطراف أجنبية حول إطلاق سراح الجندي الصهيوني المختطف فما مدى صحة ذلك؟

** إنّ الطرف المعتمد لدينا فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى هو مصر، وليس هناك أي حوارات أو وساطات مباشرة أو غير مباشرة مع أي طرف آخر، وكما يعلم الجميع، فإنّ المفاوضات قد توقفت بعد أن رفضت حكومة الاحتلال الإفراج عن جميع المعتقلين الذين وردت أسماؤهم في القائمة التي تقدمت بها حركة حماس.

 

وهناك مواضيع كثيرة تم الوصول إلى نتائج فيها منها التزامن وتقسيم الصفقة إلى ثلاث مراحل التوافق على العدد (عدد الأسرى المطلوب الإفراج عنهم)، وحينما قدمنا القائمة كنّا في مراحل متقدمة لإتمام الصفقة.

 

وأعتقد أنَّ حكومة الاحتلال ستذعن في النهاية لمطالب الحركة؛ لأنه لا سبيل لإطلاق سراح الجندي شاليط سوى الاستجابة لمطالب شعبنا والمتمثلة بالإفراج عن الأطفال الأسرى والأخوات الأسيرات وأيضًا القائمة التي ضمت 350 من الأسرى من ذوي الأحكام العالية والأسرى المرضى.