كشفت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن وثيقة خطيرة لهيئة الرقابة العامة بالسلطة الفلسطينية، عن المخالفات المالية لنبيل عمرو مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقت توليه رئيس مجلس إدارة جريدة "الحياة الجديدة" في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، واتضح أن هذه الوثيقة التي تحمل مخالفات مالية خطيرة تم رفعها لرئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بتاريخ 27 مايو 2004م.

 

وقد أفادت الوثيقة الرسمية الموقَّعة من رئيس هيئة الرقابة العامة، أنه بتاريخ 19 أبريل عام 1995م؛ تقدَّم نبيل عمرو للرئيس ياسر عرفات، يطالبه بدعم شهري إضافي قدره 54 ألف دولار، لأجل "انتظام إصدار الجريدة"، وبعد موافقة عرفات على الطلب؛ بدأت وزارة المالية الفلسطينية بالصرف من شهر مايو 1995 وحتى نهاية 2002م، وكان مجموع ما صُرِف 821998 شيكلاً، أثبت منها في حسابات الجريدة فقط مبلغ 389998 شيكلاً، فيما لم يثبت مبلغ 432000 شيكل!!.

 

وقالت الوثيقة إنه قُيِّدت سُلف العمل خلال الفترة من عام 1995م حتى نهاية 2002م، والبالغة 600000 شيكل، باسم كلٍّ من نبيل عمرو وحسن الخطيب، وأوضحت أنَّ نبيل عمرو تقاضى مبلغًا قدره 207020 شيكلاً صُرفت له من الجريدة تحت بند "مكافآت ومصروفات شخصية"!!.

 

وللأبناء نصيب

ويبدو أن عمرو لم يكتفِ بكل ذلك التسيَّب المالي؛ بل وصل به الأمر إلى تعيين شقيقه وليد، بوظيفة "مشرف مالي" للجريدة، وعيَّن كلاًّ من ابنه طارق كـ"مشرف إداري" براتب قدره 8 آلاف شيكل شهريًّا، وابنته نرمين بدرجة "مدير- C"، فيما لم يثبت دوامها من خلال سجلات الحضور والانصراف.

 

ويورد التقرير أنَّ "جميع الحسابات المصرفية للجريدة مفتوحة باسم كل من السيد نبيل عمرو وحسين الخطيب وهما مخولان بالصرف منها".

 

ولفتت الوثيقة التي رفعت لعرفات الانتباه إلى أنَّ نبيل عمرو لم يتّبع الأسس المرعية في عملية شراء مطبعة الجريدة وتركيبها، ولم تتوصل الهيئة إلى قيمة المبالغ المدفوعة من وزارة المالية بهذا الشأن، بالإضافة إلى عدم اتباع الأسس السليمة في تشييد مبنى الجريدة.

 

وتابع التقرير "صرفت وزارة المالية مبلغًا قدره 2.619.747 شيكلاً كمصاريف طباعة الجريدة عن الفترة من 23 يناير 1997م وحتى 31 أغسطس 1998م، دون وجود عقد مكتوب بين الجريدة وشركة الأراضي المقدسة- مطبعة إيثار".

 

وأكد التقرير أنَّ الجريدة لم تفصح عن إيرادها خلال الفترة الواقعة ما بين 20 أغسطس 1995م وحتى أول مارس 1996م، التي كانت تُعتبر فترة نشاط تجاري غير عادي، كونها فترة دعاية وترشيحات انتخابية للمجلس التشريعي إبَّان الانتخابات التي أُجريت آنذاك.

 

يُشار إلى أنَّ نبيل عمرو، وهو أحد الأسماء المثيرة للجدل في الساحة الفلسطينية، قد شغل مناصب عديدة في منظمة التحرير والسلطة الوطنية، منها مسئول المنظمات الشعبية الفلسطينية في سوريا منذ عام 1969 وحتى عام 1971، فيما شغل منصب مسئول عام إذاعات منظمة التحرير الفلسطينية ما بين عامي 1973 و1988 والتي اشتهر خلالها بإدارته الفاشلة وافتقاره للشفافية المالية، فيما كان عمرو عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين الذي هيمنت عليه حركة فتح كباقي أطر المنظمة.

 

وعمل عمرو علاوةً على ذلك ممثلاً لمنظمة التحرير في الاتحاد السوفيتي، ثم "سفيرًا فوق العادة" في الاتحاد السوفيتي وقتها ثم في روسيا ما بين عامي 1988 – 1993م.

 

وقد تقرَّب عمرو من عرفات عندما عيَّنه مستشارًا له للشئون الإعلامية، وهو ما مكَّن عمرو من الانتفاع الواسع من المكاسب المادية والنفوذ الإعلامي أسوةً بعدد آخر من مسئولي السلطة الوليدة الغارقين في الفساد، إلاَّ أنَّ عمرو لم يكن "إعلاميًّا" وحسب، بل كان زيادةً على ذلك عضو ما يُسمَّى "اللجنة العليا لتوجيه ومراقبة المفاوضات" مع الجانب الصهيوني، وحصل على عضوية المجلس التشريعي المنتخب عن دائرة الخليل خلال الانتخابات التشريعية الأولى التي لم تشهد منافسة جادة، وخسر الانتخابات في جولة 2006م؛ حيث لم تصوِّت له بلدته دورا أو حتى عائلته، حسب ما يستدل من النتائج.

 

واستمرارًا للخطوات المتسارعة لتولي مناصب عليا تحت مظلة السلطة الوطنية شغل عمرو منصب وزير الشئون البرلمانية في إحدى الحكومات السابقة التي كان يقودها عرفات قبل استحداث منصب رئيس الوزراء، قبل أن يقدم استقالته في ليلة السبت 4 أيار (مايو) 2002م بحجة رفض الرئيس عرفات لـ"اقتراحاته الإصلاحية في القيادة والحكومة الفلسطينية".

 

وعلى إثر ذلك؛ عُيِّن عمرو وزيرًا للإعلام في الحكومة التي شكلها أحمد قريع، والتي تمتعت بقبول أمريكي وبريطاني، وكذلك لدى الكيان الصهيوني، وذلك قبل فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية.

 

وكثيرًا ما جرى تصنيف عمرو ضمن الوجوه المتقلبة في الساحة الفلسطينية، التي تنزاح باستمرار مع الأجندة الأمريكية، وهو ما اتضح برأي بعض المراقبين على الأقل، إبَّان دخوله على خط الحملة الأمريكية الرامية لتقليص حضور ياسر عرفات وتحويله إلى مجرد "رمز، يملك ولا يحكم".

 

وقد تلقى عمرو في حينها ما اعتُبر ردًّا صارمًا على محاولاته لمجاراة الخط الأمريكي المناهض لزعيم "المقاطعة" المحاصَر في رام الله، عندما أطلق أنصار عرفات النار على ساقيه بينما كان في منزله الفاخر، أما المجاراة للخط الأمريكي فلم تنقطع رغم ذلك، وهو ما يتضح على الأقل من خلال التحاق عمرو الحثيث بالفريق المتحلِّق حول محمود عباس، رغم آلام الساقين التي يصعب نسيانها، وهي الآلام المحمولة من "العهد البائد" مثل الفيض الوفير من منافع السلطة وأموال الشعب.