لا نبتعد كثيرًا عن الأحداث الجارية على الساحة الفلسطينية، مثل مشكلة العالقين على مشارف معبر رفح، ينتظرون الدخول إلى قطاع غزة؛ حيث زاد عددهم عن ستة آلاف فلسطيني، ولم يتحرك لحل مشكلتهم وإغاثتهم لا المجتمع الدولي ولا العربي، ولا الفلسطيني الرسمي، أقصد "أبو مازن" ومن معه.

 

كما أن الطلب الذي تقدَّم به رئيس السلطة لحلف الناتو بشأن إيفاد قوات دولية إلى غزة لحفظ الأمن- كما يزعم- وتأمين إجراء انتخابات نيابية وتشريعية في الضفة والقطاع.. قد أثار جدلاً محتدمًا، وأثار مخاوف كثيرة في فلسطين عمومًا، وفي مصر كذلك.

 

ورغم أن هذه القضايا وغيرها الكثير تحتاج إلى تحليلٍ وافٍ ووقفة متأنية لسبر أغوارها وكشف القناع عن أهدافها ومراميها وتسليط الضوء على الأصابع الخفية للقوى المعادية التي تحركها خدمة للعدو الصهيوني وأطماع الخط الأمريكي في المنطقة.

 

وأراني لا أبتعد كثيرًا عن كل ما يدور في الساحة الآن إذا أفردنا هذا المقال للحديث عن الكيان الصهيوني اليهودي نفسه، فهو جزء من هذه المشكلة، بل هو أساسها ومنطلقها، وهو الأصل المحرك لكل الأحداث والصراعات التي تمخَّض عنها زرع هذا الكيان في أرض فلسطين.

 

وكلنا يعلم بداية التفكير في إنشاء هذا الكيان منذ فكَّر "هرتزل" في الدعوة إلى عقد "المؤتمر الصهيوني العالمي" في بازل عام 1898 وما تبع ذلك من إصدار وعد "بلفور" وزير الخارجية البريطاني عام 1917؛ حيث "أعطى من لا يملك من لا يستحق" كما أطلق عليه في حينه.

 

وقد قام "المركز الإعلامي العربي" من خلال إصداره الجيد (حصاد الفكر) بتناول موضوع عن "نهاية إسرائيل.. لماذا وكيف؟!"، وطبيعي أن المهتم بالشأن الإسلامي عمومًا والفلسطيني خصوصًا لا يجب أن تصرفه الأحداث اليومية الجارية عن الأصل الذي تنطلق منه هذه الأحداث، وأحسب أن كثيرًا من شباب الصحوة في أشد الحاجة للاطِّلاع على مثل هذه الدراسات والأبحاث حول الكيان الصهيوني، وما يدور فيه وحوله من تفاعلات وفورات، وما يعتمل في أعماقه من الاختلافات والتناقضات التي تذهب بكثير من المفكرين إلى القول بأن الكيان الصهيوني يتجه لا محالة إلى الزوال أو البوار.

 

ولا يجب أن يشطح بنا الخيال إلى أن هذه النتيجة سهلة ميسورة، فهي رغم أنها حتمية إلا أنها تحتاج إلى جهود جبارة، وعمل دائب، وحركة لا تهدأ؛ لتضع الأمة الإسلامية والعربية يدها على بداية الطريق، بتكوين سليم، ونظام دقيق، وهدف واضح، وبعقيدة سليمة، ووضوح في الرؤية واستقامة في المنهج والسلوك، ونظرية في البناء لا تُسقط عنصر "الدين" من أجندة الصراع، في الوقت الذي يريد الفكر العلماني الغربي والعربي إبعاد الأمة قسرًا عنه والانشغال بغيره من الفروع والقشور، غير أن الواقع يدفعهم جميعًا إلى أن الكيان الصهيوني إنما يستمدُّ عوامل قيامه وتجذّره من الفكر الديني اليهودي المتعلق بأرض الميعاد، والبحث عن الهيكل، وإحياء ما اندثر من أفكار، ويكفي شاهدًا على ذلك من اسم الكيان أو الدولة "إسرائيل" فكيف يتسلَّحون بالدين ثم يجرِّدون غيرهم منه ويريدونهم برفع رايات أخرى لا تصل بهم إلى شيء؟!

 

ويقدم تقرير (حصاد الفكر) عن يونيو 2007 لموضوع (نهاية إسرائيل.. لماذا وكيف؟!) بأن نهاية إسرائيل وزوالها موضوعٌ مطروحٌ بقوة، ليس فقط في المخيلة العربية والإسلامية، ولكن في مناقشات وأطروحات السياسيين والأكاديميين والمحللين الأمريكيين والأوروبيين واليهود أنفسهم، فلم يعد ينظر إلى هذه النهاية على أنها إحدى أحلام اليقظة لدى أعداء إسرائيل والعرب منهم خصوصًا، بل امتد الأمر إلى مستوى محاولة تخيُّل النهاية والسيناريوهات المُفضِية إليها والأزمات التي يمكن أن تعجل بها لدى الإستراتيجيين الإسرائيليين.

 

وتطرح هذه الدراسة تساؤلاتٍ حول نهاية إسرائيل؟! ومتى؟! ولماذا تدور حولها المناقشات والهواجس؟! وكيف يمكن الوصول إلى هذه النهاية؟!

 

وما يدعونا إلى إيراد هذا اللون من التفكير هو أن هذا الكيان المصطنع إنما هو كيان غير طبيعي، وهو طفيلي ودخيل، وهو جزء غريب داخل جسم، هو حتمًا سيطرده ويلفظه.

 

ولقد كان القرآن الكريم أسبق المواثيق في الإشارة إلى نهاية هذا الكيان الصهيوني، وتصور نتيجة الصراع معه، وجاء وصف مراحل قيام هذا الكيان في سورة (الإسراء)؛ حيث أوضحت أن فساد بني إسرائيل وعلوهم في الأرض في ظل مناخ الفتن والمآسي وانحطاط القيم والأخلاق مقدمة للسقوط والنهاية التي ستكون بالقوة وبدفع مستحقات النصر من الدماء، وهو وعد قرآني بحتمية نهاية هذا الكيان الذي لا ينصاع لأي عهد أو ميثاق حتى وإن عاهد هو عليه.

 

يقول صاحب الظلال- رحمه الله وتقبله شهيدًا-: "ولقد صدقت النبوءة ووقع الوعد، فسلط الله على بني إسرائيل مَن قهرهم أول مرة، ثم سلط عليهم من شرَّدهم في الأرض ودمَّر مملكتهم فيها تدميرًا، ويستطرد فيقول: "وأما إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء حاضر والسنة ماضية: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ (الإسراء: من الآية 8).. وهذا الملف من الحصاد حافل بالدراسات التي تعالج موضوع نهاية الكيان.

 

ويذهب المحلل لهذه الدراسات إلى أن موضوع هذه النهاية لهذا الكيان موضوع متجذِّر في الوجدان الصهيوني، فقد أعلن "يونتان شيم" في صحيفة (معاريف) أن تل أبيب أسست عام 1909 وفي عام 2009 ستصبح أنقاضًا كما يدَّعي، وهذا يعني أن الحل الصهيوني يتحوَّل إلى كابوس.

 

من الأمور المقررة أن الكيان مزروع ودخيل على المنطقة، ولا يمكن تصور نجاح أية محاولة من قبلها للتكامل في المنطقة، كما أن اقتصادها يقوم على المعونات نتيجة طابعها العسكري والإنفاق العسكري الذي يتجاوز طموحات الدخل القومي ورغبتها في تحقيق وفرة اقتصادية لسكانها؛ حتى لا يقرروا الرحيل.

 

والمتعمق في الدراسات اليهودية يظهر له جليًّا إشكالية الهوية في الكيان الصهيوني، فتركيبة الأحزاب الإسرائيلية والاختلافات الثقافية بين المهاجرين من الشرق (السفارديم) والقادمين من الغرب (الإشكناز) والتي تتفوق على العامل الديني في تأثيرها.. كل ذلك يهدد الهوية.

 

واليهود يُجيدون لعبة تقاسم الأدواء، وهذا ما يجعل الخلاف أو الصدام بين المتشددين والعلمانيين مستبعدًا للخلاف الديني وإن كان واردًا بسبب خلاف المصالح، ولكن ما يهدد الكيان فعلاً هجرة 25000 سنويًّا من الكيان، فإذا أضفنا إلى ذلك التقلص الديموغرافي، ونقص معدل التكاثر، ونفاد الاحتياطي البشري اليهودي، ومن ثم يتضح حجم الأزمة الصهيونية في افتقارها لسريان دماء جديدة فيها، وتحولها من وطن إلى اتحاد جيتوهات أو اتحاد للحارات اليهودية.

 

وفي مقابل ذلك فإن عدد سكان أهل فلسطين أصحاب الحق وأصحاب الأرض، سواءٌ في الأراضي المحتلة أو  في الشتات، يتقافز عددهم باستمرار وبشكل مطَّرد، أمكن التنبؤ بفداحة وخطر المستقبل على الكيان اليهودي من الناحية الديموغرافية.

 

ومن المعروف- كما أسلفنا- أن الكيان الصهيوني تكوَّن بقرار سياسي (وعد بلفور) بإقامة دولة لليهود في فلسطين، ولم يتكون نتيجةَ تطورات اجتماعية وتاريخية؛ لذلك فقد نشأ مشوَّهًا وغير متجانس من عناصر مختلفة، ولم يتحقق صَهْر العناصر المتنوعة في بوتقة واحدة تحقق الولاء للدولة، فهو إذن كيان هش وهولامي.

 

هذه هي محصلة دراسات للكيان الصهيوني، يذهب أصحابها إلى حتمية نهاية هذا الكيان، ويعدون المبررات الموضوعية لحدوث هذا الانهيار، ولكن في الطرف المقابل في الجانب العربي والإسلامي، ما زالت إرادة العمل للنصر غير محققة، وما زال أكثر النظم والأوضاع والعاملين في الساحة الداخلية يتجه ولاؤهم ومصيرهم بأعداء الأمة، بل ويتصدون لقوى الممانعة والمقاومة وهم عناصر سلب لا إيجاب، وهم قلوبهم مع الأعداء وسيوفهم على المقاومين!!

والله المستعان..