"أم صالح" مشوارها مع الحفظ فيه الكثير من المعاني الجميلة كعلو الهمة والمصابرة والتضحية والصبر… فإلى قصتها مع حفظ القرآن تحكيها لنا هذه المرأة العظيمة:
"كانت أمنيتي أن أحفظ القرآن الكريم من صغري, وكان أبي يدعو لي دائمًا أن أكون من الحفظة، مثله ومثل إخواني الكبار, فحفظت بعض السور– تقارب ثلاثة أجزاء – وحينما أتممت الثالثة عشرة تزوجت وانشغلت بعدها بالبيت والأولاد, حينما أصبح لدي سبعة أولاد تُوفي زوجي, وكانوا كلهم صغارًا فتفرغت لتربيتهم وتعليمهم, وحينما كبروا وتزوجوا، تفرغت لنفسي, وأول ما سعيت له وبذلت من أجله النفيس حفظ كتاب الله عزوجل.
كانت ابنتي الصغرى تدرس بالثانوية, وهي من أقرب بناتي وأحبهن إلي؛ لأن أخواتها الكبيرات تزوجن وانشغلن بحياتهن, وأما هي فقد بقيت عندي، وكانت هادئة مستقيمة محبة للخير, كما أنها تتمنى أن تحفظ القرآن– وخصوصًا أن المعلمات يشجعنها على هذا– وكانت هي بدورها تبث فيّ الحماس, وتضرب لي المثل بنسوة كثيرات دفعتهن همتهن العالية للحفظ, ومن هنا بدأت أنا وأياها كل يوم عشر آيات، فكنّا كل يوم بعد العصر نجلس سويًا فتقرأ هي وأردد وراءها ثلاث مرات, ثم تشرح لي معانيها، وبعدها تردد لي ثلاث مرات, وفي صباح الغد تعيدها لي قبل أن تذهب إلى المدرسة، وبالإضافة لهذا فقد قامت بتسجيل الآيات المقررة بصوت الشيخ الحصري, بحيث تتكرر ثلاث مرات, فكنت أسمعها أغلب الوقت, فإن حان وقت التسميع في اليوم التالي نتجاوز الآيات – وقد حددنا يوم الجمعة لمراجعة المقرر الأسبوعي, وكذا استمررنا في الحفظ أنا وإياها – حفظها الله ورعاها.

وقد أتممت حفظ القرآن خلال أربع سنوات ونصف، حفظت اثني عشر جزءًا بالطريقة السابقة, ثم تزوجت ابنتي, ولما علم زوجها بشأننا استأجر بيتًا قريبًا من منزلي ليتيح لنا فرصة إكمال الحفظ, وكان- جزاه الله خيرًا– يشجعنا ويجلس معنا أحيانًا يُسمّع لنا ويفسر ويعلّمنا، ثم بعد ثلاثة أعوام انشغلت ابنتي بالأولاد والبيت, ولم يعد موعدنا ثابتًا, وكأنها استشفّت لهفتي على الحفظ فبحثت لي عن مُعلمة طيبة لتكمل معي المشوار بإشراف ابنتي نفسها، فأتممت الحفظ بتوفيق من الله-عز وجل- ومازالت ابنتي تبذل جهدها للحاق بي ولم يبق لها سوى القليل إن شاء الله.

النساء حولي:
وقد كان لهمتي العالية وتحقيق أمنيتي الغالية تأثير على من حولي من النساء، وكان التأثير واضحًا وقويًا, فبناتي وزوجات أبنائي تحمسن كثيرًا, وكنّ دائمًا يضربن بي المثل, وقد كُوّنّ حلقة مدتها ساعة في اجتماعهن الأسبوعي عندي فكن يحفظن بعض السور ويسمعّن, وأحيانًا ينقطعن ولكن يرجعن, وعمومًا كانت النية جيدة، وأما حفيداتي فقد شجعتهن على التسجيل بدُور التحفيظ، وأقدم لهن دائمًا هدايا متنوعة, وأما جاراتي فكان بعضهن في البداية يحطمنني ويحبطن من عزيمتي، ويذكرنني بأن الحفظ صعب؛ لأن ذاكرتي ضعفت, ولكن لما رأين قوة عزيمتي وتصميمي أخذن يشجعنني, ومنهن من تحمست فيما بعد وانخرطت في الحفظ, وحينما علمن أنني أنهيت الحفظ فرحن كثيرًا حتى إنني رأيت دموع الفرح تسقط من أعينهن.
وأنا الآن أستمع دائمًا لإذاعة القراَن الكريم, وأحاول أن أقرأ مع القارئ, كما أنني في الصلاة أقرأ دائمًا سورًا طويلة, وأحيانًا أطلب من إحدى البنات التسميع.
انتهى كلام أم صالح.. انظروا لهذه الهمة العالية، تحفظ القرآن في أربع سنوات ونصف، رغم كبر سنها، سبحان الله!... فأين همة الشباب؟ من منا سيعقد العزم والنية على حفظ كتاب الله، وخاصة، ونحن في شهر القرآن، فهيا نبدأ من الآن، ويضع كل واحد منا برنامجًا لحفظ كتاب الله ومراجعة ما حفظه.