• "حلمي الجزار" أحد صانعي النهضة الطلابية الإسلامية بالجامعات المصرية:

• العمل الإسلامي في الجامعات خلال السبعينيات أعاد الوجه الإسلامي لمصر.

• تحقيق الانفتاح والمصارحة بين الشباب والحكومة مطلب رئيس لدعوة الإخوان.

• دعوة الإخوان معتدلة وتفهم الإسلام فهمًا صحيحًا ويتميز منهجها بالتدرج.

• للإخوان عمق تاريخي وانتشار عالمي ويحولون ما يدعون إليه إلى برامج عملية.

• القرب من الله هو السعادة الحقيقية.. وطموحي رفع الحظر عن دعوة الإخوان.

• العمل الإسلامي الجماعي المرتب هو الوسيلة المثلى للنهوض بمجتمعاتنا.

 
الدكتور "حلمي الجزار" أحد أفراد الجيل الذي أسهم في صنع النهضة الطلابية الإسلامية التي عاشتها الجامعات المصرية خلال فترة السبعينيات؛ إذ كان أميرًا للجماعة الإسلامية فيها، كما أنه واحد من الدعاة المتميزين بالأسلوب المؤثر، وقد أتاح له عمله في مجال خدمة الناس كطبيب مساحةً كبيرة من الخبرة والتعامل مع الآخرين.

وفي هذا الحوار الذي أجراه معه موقع: "إخوان أون لاين. نت" يرى أن الانفتاح والمصارحة بين الإخوان والحكومة مطلب رئيس لدعوة الإخوان التي تطالب دائمًا بأن يسمع المسئولون منها وليس عنها.

ويصف دعوة الإخوان بأنها معتدلة، وتفهم الإسلام فهمًا صحيحًا شاملاً، ويتميز منهجها بالتدرج في الخطوات والأولويات، والعمل الجاد في حل المشكلات التي يعانيها المجتمع، ويؤكد أن جماعة الإخوان حولت ما دعت إليه بالكلام إلى برامج عملية، وأسهم ثبات أفرادها على المنهج في زيادة ثقة الناس بصحته.

ويشير إلى روح الأخوة والحب الكبير اللذين يشعر بهما كل من يلتحق بالجماعة، وكذلك العمق التاريخي لها في المجتمع المصري، والانتشار العالمي في مختلف القارات، مضيفًا أنها جماعة ترفض العنف وتختار لغة الحوار والتعامل مع الآخرين، في إطار من التسامح والتضحية.

ويتابع حديثه: "عندي طموح دعوي هو رفع الحظر عن دعوة الإخوان لتقوم بدورها في إعداد المجتمع لمواجهة الهجمات الشرسة الوافدة من الداخل والخارج"، ويقول: "أهم درس تعلمته في حياتي هو أن القرب من الله هو السعادة الحقيقية، كما أن العمل الإسلامي بشكل جماعي مرتب وهادف هو الوسيلة المثلى للقيام بأمر الدعوة إلى الله وتحقيق الهدف من الحياة".

ويشدد على أنه لا يُوجد غياب للقدوة بل تغييب لها، وأن دعوة الإخوان كفيلة بالقضاء على كثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع المصري، إذا أتيح لأبنائها حرية الحركة، ويرفض أن يكون الانشغال بالأعمال الدنيوية عائقًا للدعاة عن ممارستهم مهمتهم الرئيسة، وهي الدعوة إلى الله...

وفي الحوار التالي مع الدكتور "حلمي الجزار" يفتح خزينة ذكرياته وخبراته لتكون نبراسًا للعاملين للإسلام.. فماذا قال؟

النشأة والزواج:
في البداية.. نرجو إلقاء الضوء على بطاقتك العائلية وظروف نشأتك؟
اسمي "حلمي السيد عبد العزيز الجزار"، ترجع أصول عائلتي إلى سرس الليان بالمنوفية التي ولدت فيها في 2 أغسطس 1952م، وتربيت هناك حتى المرحلة الإعدادية، وكنت من العشرة الأوائل على الإعدادية بالمحافظة، ثم التحقت بمدرسة المتفوقين الثانوية في القاهرة التي حصلت منها على الثانوية العامة بمجموع يزيد عن 95% والتحقت بكلية الطب جامعة القاهرة، وتخرجت فيها عام 1980م متخصصًا في التحاليل الطبية، ثم حصلت على الماجستير في نوفمبر 1986م ثم درجة الدكتوراه في نوفمبر 1997م.

 أمَّا عن عائلتي فلقد توفي والدي منذ عام 1975م، حين كنت في الفرقة الأولى بكلية الطب، ولي ستة إخوة غيري وفي عام 1981م تزوجت من إحدى زميلاتي بالكلية من الدفعة نفسها، وهي من أُسرة إخوانية عريقة؛ إذ إن عمها هو الأستاذ "محمد عبد الحميد أحمد"، وكان ضمن أول ستة جامعيين ينضمون للإخوان ورزقني الله بأربعة من الأبناء أكبرهم "أنس" الذي تخرج في كلية الهندسة العام الماضي، و"إيناس" الطالبة بالفرقة الرابعة بكلية الحاسبات والمعلومات، ثم "أيمن" في الثانوية العامة و"عمرو" بالصف الأول الإعدادي.

* تزوجت من إحدى زميلاتك في الكلية.. فما السر في ذلك؟
كنا في ذلك الوقت- نحن أعضاء الجماعة الإسلامية- نحرص على الزواج المبكر، ودفعنا ذلك إلى الاختيار المبكر أيضًا، وبصراحة لم أختر زوجتي مباشرةً، بل رشحها لي بعض إخواني عن طريق زوجاتهم ثم رأيتها بعد ذلك وأعجبتُ بها وتقدمت لخطبتها، ووافق والدها، برغم أني كنت وقتها طالبًا لا أملك شيئًا، وبالفعل تم عقد الزواج خلال فترة الدراسة، وتم الزفاف بعد التخرُّج، والمثير أني تزوجت بإمكانات متواضعة لا تزيد عن حجرتين (نوم وصالة) لم يتكلفا أكثر من 1500 جنيه، وقد وافقت أسرة زوجتي على ذلك لثقتهم الكبيرة في الشباب المتدين، وهو الأمر الذي ما زال ساريًا في المجتمع المصري حتى الآن بفضل الله، ومن هذا المنطلق أنصح الشباب بالزواج المبكر، كما أنصح الآباء بعدم إرهاقهم بكثرة الطلبات والتكاليف.

*التمست في اختيارك لزوجتك أن تكون متدينة ومدركة لطبيعة الدعوة، فما أهمية ذلك؟
** في هذا الاختيار فوائد عدة، أولها تنفيذ الأمر الشرعي وهو اختيار زوجة متدينة، كما أن هناك أهمية اجتماعية في ذلك، فالزوجة المتدينة لديها قناعة وترضى بالقليل، وعادةً لا يملك الشباب في بداية حياتهم إلا القليل، أما وحدة الفهم بين الزوجين فهي مطلوبة خاصةً بالنسبة للمتدينين، إذ إن عليهم أعباءً دعويةً أُخرى بجانب الأعباء الدنيوية؛ مما يستلزم إنفاق وقت وجهد ومال للدعوة، فلابد أن تكون الزوجة مدركةً لهذه المعاني، فضلاً عن أن ثمرة هذا الزواج الأبناء الذين يجب أن تتم تربيتهم تربيةً دينيةً صحيحةً، والزوجة هي المسئولة عن ذلك.

* لكن بعض المتدينين يتزوجون خلافًا لتلك الشروط بدعوى أنهم يستطيعون إصلاح أحوال زوجاتهم؟
**في الحقيقة لا أنصح بزواج المتدين من غير المتدينة، إلا إذا كان الشاب مطمئنًا تمامًا على قدرته في التأثير على زوجته.
ولكن الأفضل الالتزام بالأمر النبوي، وتثبت التجارب الطويلة أن مثل تلك الزيجات لا يكتب لها النجاح أو تمتلئ بالمشكلات؛ نتيجة عدم تمكن الزوج من تحقيق التغيير المنشود، كما أن الزواج بالنسبة لصاحب الدعوة وسيلة لمواصلة طريق الالتزام.

التربية والقدوة:
* ابنك "أنس" كان ضمن "تنظيم الأطفال" الذي زعمته الحكومة في أواخر الثمانينيات، فما تفاصيل ذلك؟
كان "أنس"- الذي ولد وأنا في المعتقل في عام 1981م- ضمن رحل نظمها مسجد الحي بالإسكندرية، وكان أمرًا عجيبًا أن تلقي قوات الأمن القبض عليهم، بالرغم من أنهم كانوا مجموعة من الأطفال، والطريف أن أعضاء "التنظيم" تم تسليمهم لأولياء أمورهم في مقار أمن الدولة بالمحافظات، وقمنا وقتها بعقد مؤتمر صحفي لأبناء الأطباء الذين قبض عليهم، وكشفنا فيه تفاهة القضية التي اتهم فيها الدكتور "عصام العريان" أنه قائد التنظيم، بالرغم من أنه لم يكن ضمن المشرفين على الرحلة.

يمثل الإخوان قدوةً للمجتمع كله، فلماذا نفاجَأ بانحراف بعض أبنائهم؟
بالفعل توجد بعض هذه الحالات، ولا نستطيع إنكارها، ويرجع ذلك إلى ضعف الرقابة الأبوية؛ بسبب انشغال الأب، ولجوء بعض الأبناء إلى رفقاء السوء؛ لذلك أطالب باستمرار الرقابة التوجيهية المستمرة للأبناء لمعرفة من يخالطون، والاهتمام المباشر بتنشئتهم دينيًا على حب الله ورسوله، وأداء الفرائض واحترام هذا الدين وتعويد الأبناء على المشاركة في الأعمال الدعوية التي تسهم في صقل شخصياتهم، أما في حال تغييب الأب بالاعتقال أو النفي فيجب على أفراد الجماعة القيام بدورها؛ لكي يخلفوا هذا الغائب في أسرته؛ لأن انحراف أحد أبناء الدعاة له أضرار متعددة أولها الخسارة المباشرة لشاب أو فتاة، ولأن الأب قدوة فهو يترك مثلاً سيئًا لدى المتابعين له.

العمل الإسلامي في الجامعات:
شهد العمل الإسلامي- خاصة داخل الجامعات- ازدهارًا ملحوظًا في السبعينيات... فما معالم ذلك؟

 
بالفعل كانت الفترة من 1974م إلى 1980م أفضل فترات الحرية الطلابية داخل الجامعة، إذ استطاع الطلاب وقتها أن يضعوا بنودَ لائحة طلابية صدرت في عام 1976م، وكانت تكفل لهم الحرية في العمل الثقافي والرياضي والسياسي والفني والاجتماعي، كما كانت الجامعات وقتها قبلة الدعاة وأهل الرأي والسياسة والقانون من أمثال العلماء "الغزالي"، "سيد سابق"، "الشعراوي"، "مشتهري"، "إبراهيم عزت"، "صلاح أبو اسماعيل"، الأستاذ "التلمساني"، و"مشهور" رحمهم الله جميعًا، فضلاً عن الدكتور "القرضاوي" و"عادل عيد" و"عبد الله رشوان"، وغيرهم....
وكانت المعسكرات الطلابية تقام داخل الحرم الجامعي وفي المدينة الجامعية، بإشراف مشترك بين إدارة الجامعة والاتحادات الطلابية.

وما تأثير ذلك النشاط على المجتمع حينئذ؟
جاءت تلك الفترة بعد غياب الحرية في عهد عبد الناصر وهزيمة 1967م، ثم عودة الروح إلى الشعب المصري عقب انتصار 1973م، وكان هناك شوق لدى الجميع للعودة إلى الله، وأكثر من كان يحمل هذا الشوق هم الشباب، وفي الوقت نفسه أُنشئت جامعات إقليمية انتشر فيها الشباب الذي تأثر بالنشاط الإسلامي في مختلف مدن وقرى مصر، فحدث تحول ظاهر في الشباب الذي حمل الدعوة الاسلامية إلى أهالي القرى والأحياء، وظهر ذلك بوضوح في صلوات العيد التي أعاد التيار الاسلامي بعث الحياة فيها، ومن أهم نتائج تلك الفترة انتشار الحجاب بين الفتيات على نطاق واسع، وإقبال الناس على الخطباء المشهورين، فضلاً عن نجاح بعض رموز التيار الاسلامي في انتخابات مجلس الشعب أعوام 1976، 1979، 1984 وكانت أكبر مشاركة للتيار الإسلامي في مجلس الشعب عام 1987م، كما نجح الإخوان في كسب ثقة أعضاء النقابات المهنية الرئيسة، وكان ذلك كله انعكاسًا طبيعيًا لإقبال الناس على الإسلام، ودليلاً على انتشار أوسع في دعوة الإخوان بالتحديد، وبدا ذلك واضحًا في جنازة الأستاذ عمر التلمساني، رحمه الله.
وما الموقع الذي كنت تشغله في العمل الطلابي خلال تلك الفترة؟
كنت عضوًا في اللجنة الثقافية باتحاد طلاب الكلية، ولم أشغل موقعًا قياديًا، لأن زملائي اختاروا أن أتفرغ للجماعة الإسلامية إذ كنت أميرًا للجماعة بطب القاهرة ثم جامعة القاهرة، ثم أميرًا للجماعة على مستوى الجامعات المصرية.

ذكريات ومواقف:
بالتأكيد أتاح لك ذلك الموقع اتصالاً مباشرًا بقيادات العمل الإسلامي والمسئولين بالدولة، فما أهم الذكريات التي تحتفظ بها عن تلك الفترة؟
من أهم المواقف التي تعرضت لها في تلك الفترة واستفدت منها علاقتي بالأستاذ "عمر التلمساني"-رحمه الله- الذي كان على قدر كبير من السماحة وحسن الخلق وسعة الصدر والحرص على توصيل الدعوة للكافة، ففي إحدى المرات جاء يزور جامعة القاهرة وذهبت أحييه داخل سيارته، فرحب بي ترحيبًا بالغًا، وفاجأني بقوله: (إنت فين يا "حلمي" أنا بدوَّر عليك)، وصُدمت من معرفته بي لهذه الدرجة، وفي مرة أخرى كانت هناك أزمة في جامعة المنيا بين بعض الإخوان وسلطات الأمن، وطلب مني "التلمساني" التدخل لحلها، وقال لي: (لن أنام حتى تعود) فذهبت إلى المنيا وعدت في الواحدة والنصف صباحًا ففتح لي باب بيته مباشرةً بمجرد طرقه، فعجبت لرجل في مثل سنه ينتظر كل هذا الوقت للاطمئنان على أمر الدعوة.

أما عن مواقفي مع المسئولين فأشهرها لقائي برئيس الوزراء "ممدوح سالم" الذي داعبني وإخواني بقوله: (لكم مكاتب عندي في حزب مصر)، وفي إحدى المرات خلال إقامتي بالمدينة الجامعية فوجئت باتصال هاتفي من وزير الداخلية وقتها اللواء "النبوي إسماعيل" الذي طلب مني التدخل لدى طلاب جامعة المنيا؛ لتهدئة الوضع المشتعل في ذلك الوقت، وبالفعل سافرت والتقيت هناك بقيادات محافظتَي المنيا وأسيوط ورئيس جامعة أسيوط، وكانوا جميعًا يقدرون الإخوان بصورة كبيرة، كما ذهبنا لزيارة بعض الإخوان في السجن، دون ترتيب مسبَق، وفي تلك الفترة أيضًا قابلْتُ اللواء "عليوة زاهر" رئيس مباحث أمن الدولة حينئذ.

لقد كان تأثير ذلك كبيرًا على العلاقة بين الإسلاميين والحكومة إزاءَ مسيرة العمل الإسلامي، وبالرغم من أن تلك العلاقة كانت تتم مع الشباب، إلا أن تأثيرها كان كبيرًا في تحقيق الانفتاح والمصارحة بين الإخوان والحكومة وهو مطلب رئيس لدعوة الإخوان التي تطالب دائمًا بأن يسمع المسئولون منها وليس عنها، وهناك فارق كبير بين الأمرين.

ما الأسباب التي أدت إلى انتشار دعوة الإخوان- في رأيك- خلال تلك الفترة وبالتحديد وسط أجيال الشباب؟
لأنها دعوة معتدلة تفهم الإسلام فهمًا صحيحًا شاملاً ويتميز منهجها بالتدرج في الخطوات والموازنات والأولويات، وعدم الاكتفاء بالوعظ والارشاد، والعمل الجاد على الإسهام في حل المشكلات التي يعانيها المجتمع، كما أن جماعة الإخوان تميزت بأن معظم ما دعت إليه بالكلام حولته إلى برامج عملية، وأسهم ثبات أفرادها على المنهج، برغم العقبات التي واجهتهم من اعتقالات وتضييق وقتل في بعض الأحيان في زيادة ثقة الناس بهذا الطريق.

فضلاً عن روح الأخوة والحب الكبير الذي يشعُر به كل من يلحق بتلك الجماعة، أضف إلى ذلك العمق التاريخي في المجتمع المصري، والانتشار العالمي في مختلف القارات، ولا ننسى أنها جماعةٌ ترفض العنف وتختار لغة الحوار والتعامل مع الآخرين في إطار من التسامح والتضحية.
في إطار هذا النشاط المتميز، هل تأثر مستواك الدراسي والعلمي؟
بالعكس كان النشاط الطلابي دافعًا لنا للارتقاء العلمي والدراسي، إذ كنا نمثل قدوةً لدى الشباب في ذلك الوقت؛ مما دفعني إلى الاجتهاد واستمرار التفوق بعد التخرج، إذ انتهيت من الامتياز في 1/9/1981م وكنت كأي شاب أتطلع إلى المستقبل الطبي، وإذ بالاعتقالات تطاولني بعد يومين فقط من تخرجي حيث اعتقلت في 3/9/1981م، وخرجت من المعتقل في 3/9/1982م، ثم التحقت بالخدمة العسكرية وبعدها عملت بوظيفة طبيب مقيم ونائب تخصص تحاليل طبية بمستشفى بولاق الدكرور بالجيزة، ولم أمكث بها طويلاً، إذ تفرغت لإعداد رسالة الماجستير، وكان موضوعها جديدًا لأول مرة في مصر، إذ كان عنوانها (تأثير صيام رمضان على بعض مكونات الدم)، وحصلت عليها بدرجة ممتاز، ثم عدت إلى عملي مساعد أخصائي للتحاليل الطبية، ورُقيت بعد خمس سنوات إلى أخصائي، وكنت وقتها قد سجلت درجة الدكتوراه في موضوع فريد أيضًا هو (دراسة تأثير تناول عسل النحل على دهون الدم لدى مرضى الفشل الكلوي)، وأثبتت الدراسة أن تناول عسل النحل له تأثير ملموس في خفض نسبة الدهون لدى هؤلاء المرضى التي تسبب في العادة- إذا لم تعالج- مضاعفات كثيرة بالأوعية الدموية، والتي قد يكون تأثيرها أشدُّ خطرًا على الجسم من الفشل الكلوي، وبعد ذلك بفترة التحقت بالهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية في وظيفة زميل، وأعمل حاليًا رئيسًا لقسم التحاليل الطبية بمعهد السمع والكلام التابع للهيئة.

طموحي ودرس حياتي:
ما الطموح الذي لم يتحقق في حياتك؟
كنت أتمنى أن أكون عضوًا بهيئة التدريس بالجامعة لأني أرى في نفسي القدرة على توصيل المعلومات للآخرين، وأعتبر نفسي حققت ذلك جزئيًا بحصولي على الدكتوراه وتعييني بالمستشفيات الحكومية، كما حقتت تلك الأمنية من خلال العمل الدعوي؛ لأن الدعوة في حقيقتها تعليم وتربية، ولا يزال لديَّ طموح في استكمال البحوث والترقي داخل هيئة المستشفيات التعليمية، كما أن عندي طموحًا دعويًا أتمنَّى أن يتحقق، وهو رفع الحظر عن دعوة الإخوان لتقوم بدورها الذي يحتاجه المجتمع المصري، وتسهم في إعداد المجتمع لمواجهة الهجمات الشرسة الوافدة من الخارج إعلاميًا وأخلاقيًا وتربويًا.

ما أهم الدروس التي تعلمتها في حياتك؟
أهم درس تعلمته في حياتي أن القرب من الله هو السعادة الحقيقية، فمهما كان للإنسان من درجات علمية أو وضع اجتماعي فلا يعدل ذلك أن يكون الإنسان قريبًا من الله تعالى، كما أن العمل الإسلامي بشكل جماعي مرتب وهادف هو الوسيلة المثلى للقيام بأمر الدعوة إلى الله وتحقيق الهدف من الحياة، وتعلمت كذلك أن يرى الإنسان دائمًا نفسه في حاجة إلى مزيد من التعليم، ولا يتصور في يوم من الأيام أنه وصل إلى القمة، سواء في التعليم أو الواجبات الدعوية، وأيضًا حسن العلاقة مع الجميع باختلاف انتماءاتهم ودينهم عن طريق القدوة وعمل الخير لهم.


بمناسبة الحديث عن عمل الخير، كيف أثَّر انتماؤك للإخوان على قيامك بالعمل في خدمة الآخرين؟
من ثمار العمل في الجماعة أنها تفهم الإسلام فهمًا شاملاً، وتوجه أفرادها إلى كل أنواع الخير تنفيذًا للأمر الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الحج: 77).

ولقد يسر الله لي من خلال تواجدي في الإخوان العمل الطبي الخيري في إحدى المؤسسات التي أنشأها بعض رجال هذه الدعوة- وعلى رأسهم الدكتور أحمد الملط، رحمه الله- وأهم فوائد العمل الخيري- فضلاً عن تنفيذ الأمر الرباني- تلبية احتياج المجتمع الدائم لها ودورها كنوع من أنواع الدعوة التي لا تتعرض للعوائق مثل غيرها، ويستطيع كل صاحب مهنة أن يشارك في العمل الخيري، طالما أن هناك محتاجين لعطائه، بالإضافة إلى دور عمل الخير في تزكية نفس العاملين به.

الأسرة والقدوة:
أين نصيب أسرتك وسط هذه المشاغل والأعباء كلها؟
يدفعني سؤالك للتأكيد على أهمية انتقاء الزوجة، فهي التي تساعد الزوج بشكل كبير على الاهتمام بالأبناء، لكن هذا لا يغني عن المتابعة والتوجيه، وهذا ما أقوم به باستمرار، إذ أستمع مساء كل يوم إلى ما يشبه التقرير عن الأبناء وأحوال المنزل خلال فترة غيابي، أما حين أكون موجودًا بالمنزل فأقوم بدوري كاملاً، حيث ألاعب الصغير، وأوجه الكبير، وأصحح للمخطئ، وأشاركهم في الأعمال الدعوية والاجتماعية، فدور المنزل لا يمكن أن يضيع وسط المشاغل؛ لأن الشخص يجب أن يسعى وفق قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (التحريم:6).

لكن بعض الشباب يتكاسل عن العمل الدعوي بحجة الانشغال بالأعمال الدنيوية؟
هذا كلام غير منطقي، فالإنسان الواعي يعلم أن مستقبله الحقيقي ليس في الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة عند الله، وأن الدار الآخرة هي الحياة الحقيقية، وكل إنسان في حاجة إلى عمل موازنة دقيقة؛ كي لا ينسى مستقبله الحقيقي، وفي الوقت نفسه لا ينسى نصيبه من الدنيا، ويتوقف الأمر على توفيق الله وحسن ترتيب الأولويات، والتعاون مع الآخرين مفيد في ذلك؛ لأن الانسان لو تُرك وحده فإن الدنيا تشغله، أما إذا وُجد من يأخذ بيده فسوف يحقق هذا التوازن، خاصةً في الوقت الذي يعيشه حاليًا، وقد اشتدت على الأمة سهام الأعداء فيجب على كل صاحب جهد أن يبذله؛ كي يستنقذ نفسه ثم من يعول، فمن سيكون لهذا الدين غير أتباع النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن سيقوم بأعباء هذا الدين إذا تكاسل الملتزمون؟

البعض يقول إن القدوة غائبة أمام الشباب في الوقت الحالي؟
لا يُوجد غياب للقدوة بل تغييب لها، فالخير موجود في المشايخ والعلماء، لكن الإعلام لا يركز إلا على رموز الفن غير الهادف، ولاعبي الكرة؛ فلا يُظهر للناس إلا أشخاصًا لا يمثلون قدوة طيبة للمجتمع.. لكن لو زادت جرعة الحرية في الإعلام والعمل العام لظهر للناس أمثلةٌ كثيرة تصلح أن تكون قدوة لأجيال متعددة.

أخيرًا... ما النصيحة التي توجهها للشباب الملتزم؟
أنصحهم بالأمل في الله تعالى؛ لأن المستقبل لهذا الدين، مع الحرص الشديد على الازدياد العلمي والترقِّي المهني، والتميز والانفتاح على المجتمع بكل أطيافه، وعدم الاقتصار على التعامل مع فصيل واحد دون بقية فصائل المجتمع، مع الحرص على التلقي من أهل الثقة.