د. أحمد عبد العاطي
إلى تلاميذ البنا.. وكلنا تلامذة البنا وامتداد لدعوة المصطفى محمد- صلى الله عليه وسلم-،
وحين أوجه حديث القلب إلى إخواني الذين تهفو إليهم نفسي وأعيش معهم وبهم في كلِّ أوقاتي، ولا أكون مبالغًا إن قلت إنهم باتوا يعيشون معي في خيالاتي وأحلامي، وأستشعر أني أخاطب نفسي الحاضرة معهم.
أما عن سبب هذه الرساله فهو حبي الشديد لإخواني النشطين على طريق الدعوة، وخوفي العظيم عليهم في هذه المرحلة الحرجة من عمر الدعوة وعمر الطريق الذي سلكناه عن حبٍّ واقتناع.
ولماذا الحديث للنشطين دون سواهم من الإخوه وكلهم كرام؟
لأنهم:
- الأكثر قدرةً على تنشيط العمل وتفعيل مساراته
- الأكثر وجودًا في ساحة العمل العام تأثيرًا فيه وتأثرًا به
- الأكثر تعرضًا للخطورة (الإعلامية والتربوية والأمنية....)
- الأكثر حاجةً إلى فهم قضايا الدعوة ومواقفها وحملها للخارج
فيا تلاميذ البنا..
إنما مبعث الخوف هو ما أراه يُحاك بنا وبدعوتنا من عدو خارجي لا يريد أن تنجح فكرتنا أو تتقدم أمتنا، وبالتالي فقد أعلن الحرب علينا بشتى صورها، مستخدمًا في ذلك كل آلياته، ومن أبرزها أذنابه من الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة بأجهزتها الإعلامية والأمنية وغيرها.
وأنا هنا أقر حقيقة ولا أهرب إلى نظرية المؤامرة التي يحلو للبعض تضخيمها أو تهوينها وأحيانًا تجاهلها، فبرغم ما لدينا من مشكلاتٍ شخصية ودعوية، إلا أنها يسيرة الحل في بيئة صحية وقابلة للتزايد في ظل التشويه والضغط والمؤامرات الدائرة.
بين يدي الأحداث
كثُرت في الأونة الأخيرة مشاركات الشباب في ساحة العمل العام بفضل التقنيات والمسارات الحديثه التي حفزت وسهلت وصول الأصوات الشابة وتعاليها وسط صخب المتغيرات العالمية والمحلية، والتي تدعو الجميع للتفاعل معها، فرأينا الشباب من خلال شبكة الإنترنت في المواقع، المنتديات، المدونات.. رأيناهم في الفضائيات، ومن خلال الصحف وكنا نحن شباب الإخوان بفضل الله في مقدمةِ هؤلاء دومًا بفضل تربيتنا على الإيجابية ووجوب المشاركة الفاعلة.
ووصلت فكرتنا وقضايانا إلى قطاعٍ عريضٍ ومتنوعٍ من البشر، وبلغاتٍ وأنماطٍ شتى ما كان لها أن تصله لولا توفيق الله لنا ببذل هذا الجهد، وهذا مما أسعدنا كثيرًا.
في ذات الوقت لمسنا البعض يكتب أو يحاور منفعلاً أو متأثرًا برأي ما أو موقف ما- وأنا منهم- وينشر رد فعله ثم يدافع عنه وأحيانًا يتجاوز البعض، ويحسب أنه في معركةٍ مصيرية لانتصار رأيه؛ لذا قلتُ لو وقفنا وقفةً متأنيةً نقرأ الأحداث ونحلل ونتناصح ونتعاهد فيها على تقويم المسير؛ لأن المنتظر منا معشر الشباب كثير ومتنوع، ويحتاج إلى أن نكون على بينةٍ ووضوح من أمرنا، وأنا هنا كما أخاطب نفسي في مجتمع الشباب، فقد سبقت هذا بمخاطبة أساتذتي وقيادتي من قِبيل النصح والدعم، ويمكن أن يسترشد في ذلك بـ:
الإخوان والتدوين http://abdelatti.blogspot.com/2007/10/blog-post_11.html
أجيال الإخوان http://abdelatti.blogspot.com/2007/10/blog-post_21.html
وقفة مع المدونات والمدونين
من أبرز الوسائل التعبيرية وأكثرها شهرةً اليوم هي المدونات، وهي تتميز بأنها فضاء رحب وسريع وتفاعلي ولا قيودَ عليه إلا ضمير المدون وثقافته ومنطلقاته، وبالتالي لاقت رواجًا بين شباب الدعوة أكثر مما لاقاه العديد من الوسائل الأخري، وبدأ الشباب في تفعيل دورهم والتواصل مع العالم الخارجي؛ فوجدنا مَن يكتب الشعر، ومَن يصمم الصور، ومَن يحلل السياسة، وَمن يدافع عن حقوق الإنسان، ومَن ينشر الأناشيد والفعاليات المُسجَّلة، وَمن................إلخ.
ورغم كل هذا التنوع والنجاحات الملموسة في وصول الخطاب الإخواني الشبابي والمواهب الصاعدة وإبراز قضايا الحريات ووجوب التغيير السياسي في المجتمع المصري بل وتعدي ذلك للساحة العربية- بمشاركة كل قوى الإصلاح في الوطن- إلا أن مَن استحوذ على النصيب الأكبر من الاهتمام إيجابًا وسلبًا كان هؤلاء الذين تحدثوا عن الداخل الإخواني، وخاصةً مَن أطلقوا شعارات التغيير والإصلاح والتمرد وإلقاء الأحجار لتحريك المياه والأمواج، ونقد الذات؛ وذلك لأنَّ كل المحيطين لم يعتادوا ذلك النوع من الحديث، ولا هذه المفردات، فقبل الانفتاح الإعلامي لم يكن غير الإخوان يعلم عن الأمور الداخلية للدعوة إلا بعض الأدبيات والرموز التاريخية وفكرة عامة عن الدعوة أنها قائمة على السمع والطاعة والانضباط الشديد لأفرادها والنشاط الموسمي في الانتخابات المختلفة، والوجود الواسع في بعض الميادين، والملاحقات الأمنية المستمرة للقيادات والأفراد والمؤسسات.
وأيضًا الصف الإخواني كان لا يعرف غير البريد الصاعد والهابط من وإلي القيادة بمستوياتها عبر الأسر والمؤسسات الداخلية بضوابطها، ومداها الزمني الطويل نسبيًّا فاستيقظ الجميع على لونٍ مختلفٍ من الحوار العلني والرؤى النقدية، وكان أغلبه إيجابيًّا من وجهة نظري في سرعةِ وصول الآراء المختلفة والشجاعة غالبًا في طرح الأفكار وإظهار الالتزام الدعوي والتنظيمي، ومد جسور التواصل مع عددٍ من الباحثين والمحللين والتيارات الأخري، والبعض منه كان سلبيًّا وحتى هذا السلبي كثيرًا منه تمَّ الاعتذار عنه أو إعادة توضيحه.
أما ما يُؤخَذ على شباب المدونين الذين تبنوا هذا اللون من الحوار الآتي:-
1- استخدامهم لمفرداتٍ تناسب الحزبيين والإعلاميين أكثر منها تناسب الصف الإخواني في حديثهم الموجه له، فمثلاً تم توجيه الكلام بصيغة النقد لا النصح، وطالب البعض بالإصلاح والتغيير بدلاً من التقويم والتطوير، ونادي البعض بالفصل بين الدعوي والسياسي بدلاً من احترام التخصص والمؤسسية داخل منظومة العمل الإخواني، وهكذا وربما يكون هذا للتأثر بالمحيط أو لجذب القارئ للاستماع لوجهة النظر.
2- خوض بعضهم لمناقشة بعض المشكلات الفردية بأسلوب التعميم، فمثلاً عندما يواجه أحدهم موقفًا سلبيًّا من مسئولٍ تربوي أو إداري فلا يصح أن يسحب الأمر على منظومة العمل التربوي والمناهج والمتابعة، مما يعكس صورةً سلبيةً عامة.
3- شخصنة البعض لكثيرٍ من الآراء والقضايا والمواقف بنسبها إلى فلانٍ أو إلى جيلٍ ما رغم أنك لو حدثت المنسوب إليه الأمر لوجدت الأمر مختلف رؤيةً وتعصبًا.
4- إفراد مدونات بذاتها لهذا الغرض؛ مما أعطى انطباعا لدى البعض بأن هناك تيارًا أو جيلاً يُريد أن يؤسس لمرحلةٍ جديدةٍ وبرؤيةٍ خاطئةٍ، وخطوات متسرعة، وقد يضر ذلك به وبالدعوة كلها؛ مما جعل البعض يُظهر قلقًا أو استنكارًا للوسيلة ككل، ويتعامل معها ومع نشطائها بنوعٍ من التحسس.
أما من هم خارج الإخوان فكلٌّ قد وجد مبتغاه في هذه الكتابات الشابة الجديدة:
- فالباحثون والنشطون السياسيون المحترمون وجدوها دليلاً على حيويةِ الجماعة وتجددها ووجود مساحاتٍ للحِراك الداخلي وتجربة محمودة للإخوان بأن سمحوا لأفرادهم بهذا، وهو موقف الغربيين خاصةً والمهتمين بشأن دراسة الحركات الإسلامية، وبالتالي بادروا بمد الجسور وتكوين العلاقات لإثراء أبحاثهم بمزيدٍ من التعرف على لونٍ من الداخل الإخواني.
- والمتربصون السياسيون بالإخوان وبمساعدةِ أجهزتهم الأمنية والسياسية والإعلامية وجدوها فرصةً سانحةً لالتقاط الخيط والنفخ في النار والحديث عن الانشقاقاتِ والتمرد، ورأوا أنهم ربما ينجحون في إشغال الجماعة داخليًّا وإرباكها على الساحة لمزيدٍ من تحقيق مخططهم، ولكن التجربةَ تقول عكس ذلك فلا الإخوان بهذه السطحية ولا الشباب هذا مستهدفه، ولا المنصفون يرون ذلك حادثًا بإذن الله.
أما عن أبرز المظاهر السلبية العامة للنشاط الإعلامي الشبابي مؤخرًا كما رصدتها كانت:
1- عدم اكتشاف بعض الشباب لذاته وقدراته، وبالتالي انطلق يشارك هنا وهناك دون أن يحدد أولوياته أو شكل عطائه، فأهدر كثيرًا من وقته وجهده في غير المفيد.
2- قلة الثقافة العامة لدى البعض؛ مما جعل ركيزتهم هي مختصراتِ الأخبار أو النقل عن بعض المصادر الإعلاميه غير الموثوق بها أو اجتزاء فهم الموضوعات مما أدى إلى ضعف الرؤية.
3- عدم التزام البعض بآداب الحوار سواء داخليًّا أو خارجيًّا، أي سواء كان الحوار مع أقرانه أو أساتذته في الصف الإخواني أو كان الحوار مع أو عن الآخر خارج الصف الإخواني، فرأينا مَن يضيق صدره بمَن يخالفه الرأي، ومَن يتهم النوايا ويُشكك في المقاصد، ومَن يهاجم دون تبين أو مَن يدافع دون استماعٍ أو تفهم، ومَن يجرح الأشخاص وينعتهم بأوصافٍ صعبة، ومَن يُسفِّه الآراء.. ومَن.. ومَن.. وكله لا يصح حتى مع مَن يخالفنا الوجهة.. ناهيك أن يكون منا.
4- إنزلق البعض في كتاباته وحواراته إلى (نحن وأنتم) حتى تخيَّل البعض أننا سنتحول إلى المحافظين والديمقراطيين أو إلى الصقور والحمائم؟؟!!
5- انحرفت بوصلة البعض فبات جلَّ همه أن يتحدث إلى نفسه أو عن نفسه (الدعوة) دون التطرق إلى الرؤية الشاملة، وبالتالي تحوَّلت كل السهام سواء الأعداء أو الأنصار وبعض الأصحاب إلى داخل الصف، وتركت الذود عن الحمى ورد الهجوم الخارجي أو على الأقل لم تتوازن في التعامل بينهم دون تقديرٍ للظرف الحادث في ظل متغيراتٍ داخل الصف وخارجه.
6- لم يحسن البعض اختيار العناوين أو الموضوعات أو وسيلة ومكان وزمان طرح الموضوع، فبتنا نرى آراء جيدةً تُحرَّف عبر وسائل مشبوهة أو منابر متحاملة فتشوه مضمون الرسالة، وتستعدي البعض عليها، وآراء أخرى ركيكة تدق لها الطبول وتُرفع الزينات لغرضٍ غير غائب عنَّا في إطار الحملة المسعورة علينا.
ومن وجهة نظرى أن هناك مجموعةً من الأسباب أدَّت إلى ذلك منها:
1- قصور في تربية النخبة والقيادات الشابة بحيث لا تسير التنمية الفكرية والدعوية والحركية بمعدل متوازنٍ وخطى تناسب في معدلها السرعة الفائقة للانفتاح العام الموجود.
2- انشغال معظم القيادات الوسيطة المحتكة بالشباب والقائمة على تربيته بالعمل التنظيمي؛ مما أفقدها القدرة على تفهم احتياجاته وعلاج أمراضه وتوظيف طاقاته.
3- الطبيعه التفاعلية والحماسية للشباب، والتي تناسب تمامًا الوسائل الحديثة كالمدونات والتعليقات وحوارات القنوات ومظاهرات الميادين والنقابات، في ذات الوقت حدث تراجعٌ أو توقف لبعض مسارات التربية الجماهيرية الداخلية مثل المؤتمرات والمخيمات والندوات والمسابقات، فبات الشباب يُنفق جُلَّ وقته في هذه الساحات التفاعلية.
4- اندفاع العديدِ من الشباب لخوض غمار العمل العام دون التحصن بالأخلاق المتكاملة والأفكار المتوازنة والرؤى الواضحة، وتزامن ذلك مع تنامٍ في إعلان الإخوان عن هويتهم للمجتمع، وبالتالى رفع الجميع الراية وصنع من نفسه رمزًا وحاميًا لحمى الدعوة ومعبرًا عنها، وقد يكون ضارًّا بها بأفعاله وآرائه أحيانًا، وفي ساحة العمل يصعب التمايز طبقًا لمستوى الفهم والتربية، ولكن يكون الحاكم القدرة على الأداء والنشاط والتأثير.
5- استخدام بعض وسائل الإعلام والأجهزه التي تشكل الرأي العام وتوجهه لموضوعات الإثارة والتسويق لشغل الرأي العام عن قضايا مهمة أو التمهيد لأهداف خاصة، وهم يرون الإخوان مادة خصبة لذلك، ويجيدون فتح المساحاتِ المحسوبة لبعضهم وتوظيف كلام وطاقات البعض الآخر.
وأخيرًا يا تلامذة البنا لننطلق نحو العلاج، وهذه بعض مرتكزاته:
1- وقفة جادة لكلٍّ منا مع نفسه تتسم بالصدق والشجاعة، يقيس فيها مدى القرب والبعد عن المنهج والأخلاق الصحيحة للدعوة، ويُشخِّص الداء ويصف الدواء لنفسه أو بمعاونة مَن يثق فيهم (كل امرئ بما كسب رهين).
2- تنقية السرائر ونزع الضغائن والتسامح مع المحبين والمخالطين، بل والمخالفين وتذكر أننا ننطلق من قاعدة الحب في الله في سباقٍ نحو الجنان.
3- أن نبادر نحن- المدونين- بعمل ميثاق شرف إعلامي داخلي يجمع بين أصول التعامل مع الوسيلة وتشجيع المبادرات وانطلاقًا من أخلاق الإسلام.
4- أن يزيد الشباب من احتكاكه بالعلماء والمشايخ والمربين والمتخصصين بنية التعلم والتبصر واستيضاح المواقف قبل الحكم عليها والتعامل معها.
5- أن تُركِّز الجماعة على برامج تربية وتأهيل الشباب وحسن استيعابهم، وأن تتعامل مع الأفكار والأطروحات الجديدة بمزيدٍ من الحوار والتفاعل، وأن ترحب بكل فكرةٍ أو نصحٍ بغض النظر عن لغتها أو قائلها ومكانها من منطلق (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها).
فإلي العمل الجاد الدءوب في ميادين الدعوة الرحبة
تبني سواعدنا بتوجيهات جماعتنا
صفًّا واحدًا متراصًا منضبطًا منطلقًا مبدعًا
شعاره: الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمي أمانينا.
ولمزيدٍ من التواصل والحوار حول هذه القضية: