المنصورة- أم عمرو

* السلام عليكم ورحمة الله، أُرسل إليكم لمساعدتي في حلِّ مشكلة ابني البالغ من العمر 7 سنوات، والذي أُلاحظ عليه الكذب المستمر وعدم قول الحقيقة إلا عند التهديد بالضرب، والعناد المستمر والهروب من كُتَّاب حفظ القرآن، وعدم الصلاة والخروج والهرَب طوال النهار، مع العلم أن والده قد ضربه كثيرًا في صغره، وهو أيضًا- أي الطفل- لا يسمع الكلام ولا ينجز ما يُطلب منه..

 

برجاء مساعدتي في هذا الأمر، وجزاكم الله خيرًا.

** يجيب عن الاستشارة: الدكتور عمرو الشيخ- الاستشاري الاجتماعي للموقع:

بسم الله الرحمن الرحيم..

بدايةً.. حيَّاكِ الله يا أم عمرو، ونشكر لك حرصَك واهتمامَك بمتابعة ابنك، وبارك الله لكِ فيه، وأنبته نباتًا حسنًا، واستعمله لخدمة دينه.

 

أختي الكريمة.. دعينا نتفق على بعض النقاط الأساسية قبل أن نتطرَّق لحل هذه المشكلة:

هذه النقاط هي:

1- محاولة فهم مراحل أبنائنا العمرية، وفهم سماتها وخصائصها واحتياجاتها النفسية.

 

2- حسن التعامل مع هذه السمات المرحلية.

 

3- محاولة إشباع احتياجات الأبناء النفسية، وأهمها الحب والتقدير، والسماع والحوار، والأمن والتشجيع.

 

4- محاولة علاج سلوكياتنا وأخطائنا التربوية المتكررة تجاه أولادنا.

 

5- الحرص على قراءة أذكار النوم والرقية الشرعية؛ وهي موجودة بأي كتاب للأذكار، والمسح بها على أبنائك قبل النوم.

 

6- الدعاء.. فلا تنسي دعاء عباد الرحمن الخاشع السابغ: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: 74).

 

فسيكون بحول الله سبحانه قرَّة عين لوالديه ولأمته، وسيكون للمتقين إمامًا؛ علميًّا وخلقيًّا وسلوكيًّا.

 

الآن وقد اتفقنا على بعض النقاط الأساسية التي يجب عليك أنت ووالده مراعاتها في تربية الأبناء، تعالَي لنستعرض الحل الذي يتمثَّل فيما يلي:

1- لا بد أن تعزما عزمًا أكيدًا أنت وزوجك ألا تلجآ إلى الضرب أبدًا مهما حاول الطفل استفزازكما.

 

2- أن تَعِيَا تمامًا أن تعديل وتصحيح أي خطأ قام به الوالدان في التربية لا بد أن يستغرق وقتًا كبيرًا، ويتوقف هذا الوقت على مدى رغبتكما في التغيير ومدى صبركما، ومدى الاستعانة بالله.

 

3- لا بد أن تعيدا بناء العلاقة الودودة الدافئة بينكما وبين طفلكما؛ وذلك عن طريق:
* تخيَّري يوم إجازة لزوجك، واقترحي عليه أن تخرجوا جميعًا للتنزُّه في مكان مفتوح (حديقة- نادٍ،.. )، ولا تخبرا أي أحد من أبنائكما، بل اجعلي الأمر مفاجأةً، والأفضل أن توقظي أبناءك في الصباح على هذا الخبر الجميل بفرحةٍ وانفعالٍ سارٍّ، وذلك حتى يسعدوا بهذه المفاجأة، وقبل أن يقوم ابنك بأية مواقف استفزازية تعكِّر أو تفسد ما تخطِّطين له من إيجاد العلاقة الإيجابية بينكما، وجهِّزا لهذه النزهة، وحاولي أنت وزوجك أن تتغاضيا عن أية مواقف استفزازية يقوم بها ابنك في لحظات التأهُّب للخروج، بل عليكما بالتظاهر بعدم رؤيتكما لهذه المواقف، وحاوِلا إضفاءَ روح المرح على هذه الرحلة مهما حدث، وكرِّرا مثل هذه النزهات والرحلات بشكل دوري.

 

* اصطحاب الأب للطفل عند ذهابه للصلاة، وهذه فرصة رائعة لأن يعمِّق علاقته به ويغرس فيه من معاني الخير ما يريد.

 

* دائمًا أنصح الأمهات بأن يحدِّدن وقتًا للعب مع أبنائهن؛ فهي فرصة للمشاركة وإرساء المحبة والودّ بينهم، وكذلك الأب في الوقت الذي يوجد فيه مع أبنائه.

 

* لا تحاولا التركيز على كل أفعال ابنكما، ولا تُكثرا من الأوامر والنواهي.

 

* شجِّعا ابنكما على الاكتشاف والفكّ والتركيب، وتنمية مهاراته العقلية واليدوية وغيرها من المهارات.

 

* استمري في قصِّ القصص والحكايات؛ فهي من أمتع الأنشطة التي يرغب فيها الأطفال، ولا تجعلي همَّك في القصّ هو الوعظ والإرشاد، بل اجعلي طفلك يستمتع بهذه القصص دون أن تلمِّحي له فيها إلى أخطائه على لسان الحيوانات وغيرها، ومعظم القصص- خاصةً قصص الحيوانات والبطولات- بها أفكار جيدة وقيَم يتعلَّمها الأطفال، وتاريخُنا مليءٌ بصفحات مشرقة عن الأبطال التي تستهوي أطفالنا جدًّا.

 

* عبِّري عن حبِّك لابنك بشكلٍ ملموس؛ احتضنيه وقبِّليه من آنٍ لآخر، وحدِّثيه عن شوقك إليه أنت ووالده قبل أن يولَد، وكم كنتما تنتظران قدومَه بفارغ الصبر.

 

* اتركا للطفل فرصةً للاعتماد على نفسه في كل ما يستطيع أن يفعله من ملبسٍ ومطعمٍ وغيرهما.

 

* حاولا ألا تأمرا الطفل بأمر أو تطلبا منه شيئًا يفعله في الحال أثناء اندماجه في اللعب أو مشاهدة الكرتون مثلاً.

 

* احرصا كلَّ الحرص على عدم التذبذب في التربية والتوجيه؛ فلا تأمراه بشيء ثم تنهَياه عنه فيما بعد.

 

* بعد تنفيذ كل ما سبق، حاولي في هذه الفترة ألا تصطدمي مع ابنك؛ فعندما تطلبين منه شيئًا ويرفض أن يؤدِّيَه لا تقفي أمامه وتصرِّي على تنفيذ الطلب، بل يمكنك إبداء الغضب على وجهك مع القول له بصوتٍ حانٍ وحازمٍ: "فكِّر قليلاً قبل أن ترفض، وأنا منتظرة ردًّا آخر غير الذي رددته عليَّ"، واتركيه ليفكِّر قليلاً، فإذا أصرَّ على عدم تلبية ما تطلبين فعليك حينئذٍ ألا تتحدثي معه لفترة قصيرة، فإذا أتى إليك نادمًا يتحدَّث معك- وليس شرطًا أن يعتذر، وأنا أتوقع ذلك بعد تنفيذ النقاط السابقة- فتحدَّثي معه كأن شيئًا لم يكن، وإذا كرَّر هذا الموقف فكرِّري نفس الاستجابة.

 

أما إذا كرَّر ذلك للمرة الثالثة فعليك أن تقولي له: "لقد أعطتك ماما أكثرَ من فرصة، والآن أنا أنتظر أفعالاً لا أقوالاً واعتذارات".

 

* لا ترضخي لتنفيذ ما يطلب حينما يبكي أو يصرخ؛ فإن ذلك تعزيز للصراخ والبكاء، ولكن عليك أن تقولي له أثناء بكائه بصوت حازمٍ أيضًا: "هذا السلوك يغضب ماما"، واتركيه ليفكر فيما يمكن أن يفعله، فإذا استمرَّ في البكاء يمكن أن تنتظري لحظة هدوئه أو انخفاض صوته بالبكاء، فقولي له حينئذ: "أحسنت صنعًا.. الآن يمكن أن تتحدَّث إلى ماما وتطلب ما تريد، وإذا كان ممكن التنفيذ نفَّذته لك".

 

وفَّقك الله ويسَّر لك وأعانك على تنشئة ابنك وتربيته تربيةً إسلاميةً صحيحةً.. وتابعينا بأخباره.