الصورة غير متاحة

زهراء أمير بسام

 

وصل أبي إلى البيت, لكن فرحتنا بخروجه لم تكتمل، بل جاءت منقوصة؛ فبقية آبائنا ما زالوا سجناء في معتقلات الظلم والطغيان.. أشعر أنهم تعمَّدوا قتْلَ فرحتنا بتلك الأحكام الجائرة التي صدرت بحق آبائنا المعتقلين.

 

خرج أبي من السجن الأصغر إلى السجن الأكبر، كما أخبرَنا، وخرجنا نحن أيضًا من دوَّامة محاكمةٍ أَنبتَت أول ما أَنبتَت فينا روحَ الانتماء والتحدي، وأوجدت بداخلنا، كأبناء معتقلين، معانيَ لا تزرعها سوى المحن والابتلاءات، وبهذا انقلب السحر على الساحر.

 

فما أرادوه.. من اعتقالٍ وتغييبٍ ومصادرة أموال.. لم يكن فقط إثناءَ آبائنا وإرهابَ الآخرين، وإنما أضافوا طرفًا آخر للمعادلة، ظنُّوا أن به يكون الانهيار والانتهاء؛ هذا الطرف هو "نحن"؛ أبناء وبنات المعتقلين!.

 

فقد أرادوا بنا كلَّ سوء، وحاكوا لنا محكم الخطط؛ وذلك لكي نخرج بعد هذه المحنة وقد أخافونا، وأثنونا عن طريق آبائنا، وزرعوا فينا كره الوطن وبغضه!.

 

أرادوا ذلك بما فعلوه من تضييق علينا؛ هذا التضييق الذي وصل في بعض الأحيان إلى الضربِّ والسبِّ، كما حدث في جلسة المحاكمة الأخيرة؛ بما افتعلوه من تُهَم وقضايا وجلسات محاكمة هزيلة ومملَّة!.

 

أرادوه أيضًا بإعلام مشوَّه يطمس الحقيقة، ويصوِّر آباءنا أفظع الصور وأقساها, وظنُّوا بذلك أنهم هزمونا معنويًّا.

 

وقبل كل هذا أرادوه بمنعنا من حقِّنا في عيشٍ آمنٍ؛ وذلك باعتقال آبائنا المرَّةَ تلوَ الأخرى لتتلاحَق الضربات فنضعف، وتتزايد الضغوط، وتكثر الابتلاءات، فنختار الركون والسلبية، ولكن على العكس تمامًا.

 

فهذه الضربات وتلك الضغوط تصنع جيلاً تربَّى على المحن، فلم تعد تُقلقه التضحية، وتعرَّض للابتلاءات فهانت عليه المصائب.. جيلاً صقلته المشاهدات، وحنَّكته الظروف المريرة؛ فعلى مدى أكثر من سبعين جلسةً عسكريةً, تلت جلسات محاكم مدنية، وفيما بينهما كانت الوقفات الاحتجاجية والفعاليات الإعلامية، تعلَّمْنا أن نكون أصحاب قضية، وأن نعيش من أجل مبدأ.. أيضًا تعلَّمنا كيف تكون المواجهة, وكيف نأخذ حقنا بالطرق المشروعة.

 

إننا نتاجُ تربية أجيال سابقة، وحصاد ظلمٍ استمرَّ لسنوات طوال، ولكنه لن يستمرَّ مستقبلاً.