بسم الله الرحمن الرحيم

في الوقت الذي تنزف فيه القلوب دمًا نتيجةَ المحرقة والمجازر التي تقترفها الدولة الصهيونية بإخواننا في غزة، ومنظر الجثث والأشلاء والدماء والدمار الذي يحرك الحجر، فضلاً عن الضمير الإنساني والديني والأخلاقي والقومي والوطني، والذي دفع أحرار العالم، إضافةً إلى الشعوب العربية والإسلامية إلى التظاهر والإدانة والمطالبة بالوقف الفوري للعدوان الغاشم من أكبر آلية عسكرية في المنطقة على قطاع صغير محتل ومحاصر يفتقد فيه الأهالي معظم مقومات الحياة، في هذا الوقت يخرج علينا النظام المصري والعربي بمواقف هزيلة صادمة للمشاعر متخلية عن الواجب إن لم تكن داعمةً للعدوان.

 

إن الأنظمةَ العربية سنة 1948م سيَّرت جيوشها وفتحت حدودها للمتطوعين للجهاد بجانب إخوانهم الفلسطينيين ضد الغزاة العنصريين الصهاينة، واليوم تأبي هذه الأنظمة اتخاذ مواقف سلمية ضاغطة على العدو داعمةً للشقيق، وإن النظامَ المصري يرفض فتح معبر رفح بحجج متهافتة استنادًا إلى اتفاقية قديمة انتهى أجلها ولم نكن طرفًا فيها، فضلاً عن بطلانها، فأي اتفاقٍ على تجويع شعب وحصاره، اتفاق باطل، وادَّعاء بأن فتح المعبر سوف يكرس الانقسام الفلسطيني، إضافةً إلى تحميل مصر مسئولية القطاع، ولقد نفى أهل غزة هذه المزاعم، كما أننا لا نطالب النظام المصري بتحمُّل مسئولية القطاع، ولكننا نُطالبه بفتح المعبر لمرور مواد الإغاثة التي يُقدمها الشعب المصري، إضافةً إلى ما تُقدمه الشعوب والحكومات العربية والإسلامية وأحرار العالم، لا سيما وأنه يتعرَّض لحرب إبادة.

 

إن النظام المصري مطالب بإجراءات إيجابية- وإن كانت متواضعة- لتبرئةِ ذمته أمام الله ثم أمام شعبه ثم أمام الشعوب العربية والإسلامية وأمام أحرار العالم، بل عليه أن يقود النظام العربي والإسلامي في هذا المجال، وكذلك للضغط على النظام العالمي لوقف العدوان.

 

وتتمثل هذه الإجراءات في:

- سحب السفير المصري من الدولة الصهيونية وطرد السفير الصهيوني وإغلاق السفارتين.

- فتح معبر رفح لإدخال كل المعونات الإنسانية واستقبال الجرحى.

- قطع الغاز والبترول عن العدو الصهيوني مثلما كنا نطالب العرب بقطع البترول عن الدول المؤيدة للصهاينة سنة 1973م.

- قطع العلاقات الاقتصادية وإيقاف كل عمليات التطبيع مع الكيان الغاصب.

- السماح للشعب المصري بالتعبير عن مشاعره لنصرةِ إخوانه الفلسطينيين دون قمع.

 

* إن النظام العربي مطالب بالآتي:-

- تأييد المقاومة ودعمها بكل الوسائل.

- سحب ما تُسمَّى بمبادرة السلام المعروضة منذ سنة 2002م والمرفوضة من قِبل الكيان الصهيوني.

- كسر الحصار عن غزة والضفة.

- إحياء المقاطعة العربية الاقتصادية والسياسية مع هذا الكيان.

- قطع العلاقات الدبلوماسية بين هذا الكيان وبين الدول التي لها علاقات معه.

- السعي لتحقيق المصالحة الفلسطينية على أسس عادلة.

 

إننا هنا نُذكِّر بثلاث حقائق ينبغي ألا نغفل عنها:

الأولى: أن أهلنا في غزة إخواننا في العروبة والإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله"، ومن ثَمَّ يجب شرعًا دفع الظلم عنهم وعدم خذلانهم وعدم تركهم لعدوهم يستفرد بهم، لا سيما وفارق القوة المادية بينهما شاسع.

 

الثانية: أن فلسطين بالنسبة إلينا هي أرض المقدسات التي يجب علينا شرعًا تحريرها والحفاظ عليها، وأن قضيتنا بشأنها قضية عادلة لا يجوز التفريط فيها بحال، إضافةً إلى أنها تمثل أخطر عناصر أمننا القومي الذي يجب الحفاظ عليه والدفاع عنه.

 

الثالثة: أننا إذا ما فرطنا في واجباتنا تجاه هذه القضية- لا قدر الله- فإن الدولة الصهيونية ستفرض هيمنتها على المنطقة وتتلاعب بالحكام وتذل الشعوب وتسيطر على المقدرات وتُثير العداوات والحروب بغيةَ تحقيق أهدافها الكبرى، وليس من المستبعد أن نرى ما يحدث في غزة يحدث في أي عاصمةٍ عربية أخرى.. فهل نستيقظ أو نفيق؟

 

وأنتم يا أهل غزة الأبطال..

نحن نعلم أنكم تدافعون عن مقدساتكم وعقيدتكم وعن عروبتكم وإسلامكم وعن وطنكم وأمتكم.. ونعلم يقينًا أنكم تُمثلون حائط الصد وخط الدفاع الأول في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني.. نحن واثقون أن إرادتكم لن تلين، وعزمكم لن يضعف، ومقاومتكم لن تتراجع.. واثقون أنكم بصلابتكم وصمودكم وإيمانكم ستثبتون حتى النصر بإذن الله.

 

وإلى الشهداء الأبرار والجرحى المجاهدين أتوجه إليكم بالتحية أيها الأبطال.. تحيةَ الإعزاز والإجلال والتقدير.. فأنتم شامةً على رءوسنا ورءوس شعوبكم وأمتكم.. قلوبنا معكم ودعاؤنا لكم بأن يرفع الله لواءكم ويخذل أعداءكم، وثقوا أننا لن ندخر وسعًا أو جهدًا في سبيل دعمكم ومساندتكم والوقوف إلى جواركم بكل ما نملك والله المستعان وعليه التكلان.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)﴾ (آل عمران)، ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.

محمد مهدي عاكف
المرشد العام للإخوان المسلمين
القاهرة في: 4 من المحرم 1430هـ= الموافق الأول من يناير 2009م