الصورة غير متاحة

 د. حلمي محمد القاعود

يمثل جلعاد شارون نجل الإرهابي النازي اليهودي الأشهر آرئيل شارون نمطًا من الجيل الثالث للغزاة النازيين اليهود في فلسطين المحتلة، فهو يؤمن بضرورة هزيمة العرب المجاورين والمسلمين المجاورين للعرب وخاصةً في إيران وتركيا، ويرى أن تقوية الكيان النازي الإرهابي اليهودي مسألة حياة أو موت لإرغام العرب على قبول الوجود النازي اليهودي في صورته المتوحشة الدموية لا الإنسانية الطبيعية، بالطبع فإن الحديث عن السلام والتسليم بحقوق الفلسطينيين، وعودة اللاجئين والتعويض عن النهب والتدمير والقتل، أمورٌ لا محلَّ لها في تفكير جلعاد وغير جلعاد من غزاة الجيل الثالث، مثلما كان الأمر في الجيلين الأول والثاني.

 

ويعتقد جلعاد شارون في مقال نشر له في (يديعوت) بتاريخ 8/3/2009م أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة فرصة ذهبية لمواجهة التغيير الديمغرافي في فلسطين المحتلة؛ الذي يميل لصالح الفلسطينيين بحكم الفارق بين التكاثر عند الطرفين: اليهودي والفلسطيني، لذا يقترح جلعاد انتهاز فرصة الأزمة الاقتصادية، وتهجير مليون يهودي من شتى أنحاء العالم، وخاصةً روسيا لتحقيق مجموعة أهداف إستراتيجية ترسِّخ الوجود النازي اليهودي في فلسطين وتثبته.

 

المليون مهاجر يهودي سيتركَّزون في النقب والجليل والقدس، المناطق التي تمثل تهديدًا بصورة ما للغزاة النازيين اليهود، وسيكون الاستيطان فيها مع تثبيته عاملاً مهمًّا في السيطرة الإستراتيجية على أرض فلسطين المحتلة، فضلاً عن تغطية الفارق الديمغرافي بين الغزاة والفلسطينيين، وخاصةً إذا تم ذلك من خلال التشجيع المالي وتحسين البنى التحتية للقطارات والطرق والمواصلات عمومًا كما يرى جلعاد.

 

يستعيد جلعاد الأثر النفسي الذي سبَّبته الهجرة السابقة على الفلسطينيين، ويقول: كان يكفي النظر إلى الأسى على وجوههم؛ كي نفهم كم يكون هذا مهمًّا لنا، ويضيف: إن كل الأحلام عن الانتصار الديمغرافي المأمول للفلسطينيين- حتى لو استغرق سنين- واعتقادهم أنه سيأتي؛ سوف تتحطَّم على عجلات الطائرات التي تهبط في مطار بن جورين وأقدام المهاجرين الذين يهبطون منها بانفعال.

 

ولا يقتصر الأمر على الناحية الديمغرافية والاستيطانية والإستراتيجية فحسب، بل إنه- كما يتصور شارون الصغير- سيُسهم في نقلة اقتصادية كبيرة تحلُّ الأزمة الاقتصادية الراهنة في الكيان النازي اليهودي، فهؤلاء المهاجرون يحتاجون إلى الشقق والبيوت؛ مما يقتضي إنشاء سوق كبير للعمل ينشط فيه المقاولون والكهربائيون ومنتجو المطابخ والحمامات والنجارون وصنَّاع النوافذ المعدنية، وغيرهم.

 

إن المهاجرين يحتاجون إلى الأكل والملبس، ويبدءون بالعمل والإنتاج بالشراء، فيحركون الاقتصاد في زخم متجدد.

 

إن جلعاد يذيع سرًّا خطيرًا لم يعترف به الغزاة أبدًا، وهو أن الانتفاضة الثانية أرغمت كثيرًا منهم على الهجرة المعاكسة؛ أي الخروج من فلسطين المحتلة، وقد بلغ عددهم نحو المليون، ذهب معظمهم إلى أمريكا الشمالية والمتبقون في غرب أوروبا وجنوب إفريقيا وغيرها.

 

والظروف الراهنة بأزمتها الاقتصادية فرصة ذهبية للغزاة كي يستعيدوا هؤلاء الذين أرغمتهم الانتفاضة على الخروج أو الهروب بمعنى أدقّ.

 

استجلاب المهاجرين إلى أرض فلسطين المحتلة يسميه شارون الابن استغلالاً للشر لعمل الخير!.

 

ووصول المليون يهودي إلى أرض فلسطين المحتلة يعني أعدادًا كبيرةً من الأطباء والممرضات، والمهندسين والفنيين والباحثين والعلماء، والضباط والجنود المتميزين.. إنهم سيوفرون مئات الآلاف من سنوات التعليم العالي وتكاليفها الباهظة، وسيأتون ومعهم ثقافة هائلة.. إنهم يمثلون حقنة الوطنية الحيويَّة للكيان النازي الصهيوني كما يتصور شارون الابن.

 

ولا شك أن التفكير النازي اليهودي يعمل في إطار جمعي جادّ لا يفتر ولا يسترخي؛ مما يحتِّم علينا أو على أجيالنا القادمة أن تفهم هذا التفكير وتواجهه بطريقة عملية فعَّالة.. أعلم أن بلادنا العربية مشغولة بالصراع فيما بينها، وبالمواجهة بين الشعوب والحكومات العربية، واستخدام الجيوش والجنود لقمع البشر والحجر، مع عدم الاقتراب من العدوِّ النازي اليهودي، أو التأثير عليه من قريب أو بعيد، ولكن المقاومة الفلسطينية وحدها- سواءٌ جاءت على شكل انتفاضة أو عمليات عسكرية محدودة- فإنها تمثل "ميزان رعب" يقلل من حجم الهجرة النازية اليهودية إلى أرض فلسطين، ولو أن المقاومة توحَّدت وتحسَّنت إمكاناتها وأسلحتها، فإنها ستقضي على هذه الهجرة نهائيًّا، وتمنعها تمامًا، بل ستحقق نجاحًا كبيرًا لإرغام الغزاة على الهجرة المعاكسة.

 

من المفارقات المثيرة للأسى والحزن أن يتوقف العالم العربي عند تشكيل الحكومة اليهودية النازية الجديدة، وتمتلئ أنهار الصحف الحكومية بالحديث عن أي النازيين اليهود أقلَّ إجرامًا ووحشيةً حتى يمكن التفاوض معه، وتقديم فروض الولاء والاستسلام، وطلب العفو والغفران!.

 

وينسى هؤلاء أن الغزاة القتلة لا يختلفون فيما بينهم على الهدف الأساسي، وهو إقامة دولة الغزو النازي اليهودي من النيل إلى الفرات، وأن خلافاتهم تصبُّ في خدمة هذا الهدف وتوظيفها من أجله؛ بل إن من يتصوَّرون حزبًا معتدلاً أو يساريًّا مثل "المابام" أو "العمل" أو حتى "ميرتس"، سيخضع للمنطق والأخلاق والقانون الدولي مخطئون، فالحزب اليساري (العمل) هو الذي قاد الحروب كلها باستثناء واحدة ضد العرب: 1948، 1956، 1967، قادها أقطاب العمل (بن جوريون، أشكول، جولدا مائير) وكان هذا الحزب في الحكومة عام 1973م، حيث صنع شارون الثغرة في غرب السويس تحت ظله، الحرب الوحيدة التي شنها الليكود اليميني بقيادة بيجين كانت ضد لبنان 1982م، وهي الحرب التي أكملها العمل ضد اللبنانيين والفلسطينيين بقيادة رابين وبيريز وباراك وأولمرت.

 

كلهم قتلة وأشدُّ وحشيةً من بعضهم البعض! (ليت القارئ يراجع مقال أمين هويدي رئيس المخابرات المصرية ووزير الدفاع الأسبق- (الأهرام) الخميس 12/3/2009م).

 

إن طبول الأنظمة الجوفاء تدقُّ في موضوعات هامشية بعيدة عن التفكير العملي في مواجهة عدو شرس متوحش، لا يعرف قيمًا ولا ضميرًا ولا خلقًا، ولا يؤمن إلا بالقوة المفرطة وسيلةً لتحقيق وجوده وحماية كيانه غير المشروع، والغريب أن تظهر في سمائنا العربية دعواتٌ وإعلاناتٌ عبر جمعيات ومراكز تعمل من أجل السلام مع هذا العدو، ويلحُّ القائمون على هذه الجمعيات وتلك المراكز على نشر دعاواهم بين الأطفال والشباب الغض، وكأنهم يقولون لهم: لا تفكروا في دماء أهليكم التي أُهدرت وسالت في ميادين القتال، ولا تحاولوا استرجاع أراضيكم التي سُلبت وسُرقت وصُودرت من جانب الغزاة اليهود، واستسلِموا للوحوش البشرية التي تؤمن بالنازية والقتل حتى تأمنوا على أنفسكم وذويكم، ثم فرِّطوا في دينكم وعقيدتكم وثقافتكم لصالح هذا السلام الزيف المستحيل!.

 

أليس من حق ابن شارون أن يخطط في حقل مستباح؟!

--------------

[email protected]