د. حسن يوسف الشريف

 

احتفل الكيان الصهيوني الأسبوع الماضي باحتفالين، عمَّت الفرحة فيهما أغلبية الشعب اليهودي، وهما: فوز حكومة اليمين المتطرف جدًّا جدًّا جدًّا برئاسة نتنياهو، ومعه وزير الخارجية "المجنون صهيونيًّا" ليبرمان، والذي أعلن عن سياسة الحكومة الجديدة بأنه لن يقبل أي انسحاب من هضبة الجولان، أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو بذلك أحرج وسوَّد وجوه أصحاب خيار السلام الإستراتيجي الوحيد، وزرع الثقة في أنصار مشروع أن المقاومة هي الطريق البديل عند إنكار الحقوق من الأعداء، أما الاحتفال الثاني فهو ذكرى مرور ثلاثين عامًا على معاهدة السلام المصرية مع الكيان الموقّعة في مارس 1979.

 

فهل الكيان يريد السلام أو يحترم السلام؟! ونترك الإجابة إلى ما بعد عرض الوثيقة التي نشرتها "مجلة اتجاهات" أو "كيفونيم" الصهيونية، وذلك بعد عقد معاهدة السلام المصرية مع الكيان الصهيوني بثلاث سنوات؛ حيث نُشر المقال يوم 14/2/1982، ولقد لفت نظري في المقال عدة أمور، الأول: مدى فجور ووقاحة القيادات السياسية للدولة الصهيونية، فكيف ينشرون هذا؟! أليس هذا نسفًا للمعاهدة؟ أليس هذا إحراجًا للقيادة المصرية أمام شعبها؟ أم أنهم فهموا عنا وتأكّدوا بما قاله (موشي ديان) لناشر مذكراته، حينما سأله: لماذا استخدمت خطة حرب 1967 مثل خطة حرب 1956؟! فأجابه: "إن العرب لا يقرءون، وإذا قرءوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يعملون"، الأمر الثانى: أن مصر لم تفعل شيئًا قويًّا يفضح نيّات الكيان التدميرية تجاهها، خاصّةً أن الموضوع لا يحمل وجهة نظر شخصٍ صحفيٍّ، بل عنوانه هو"خطط الكيان الإستراتيجية" هل لم تعرف وزارة الخارجية المصرية؟ ماذا يفعل أعضاء السفارة المصرية هناك؟! أليس من واجبهم إرسال تقرير يومي أو أسبوعي إلى وزارة الخارجية؟ هل عرفوا وأرسلوا ولم تتخذ الحكومة أي إجراء؟ أم أن وزارتهم لم تكلف السفارة بذلك، فلا داعي للمعرفة، ولا داعي- لو عرفوا- بإخبار وزارة الخارجية المصرية؟

 

والوثيقة قسّمت العالم العربي إلى جبهتين: الغربية: وتضم دول "مصر والسودان وليبيا"، والجبهة الشرقية: وتضم "سوريا والعراق ولبنان".. لاحظ أن التقسيم ذكر كلمة الجبهة وهو مصطلح عسكري.. والوثيقة كل كلمة فيها هامة وتحتاج إلى دراسة شاملة، ولكن يهمنا كشف حقيقة ما ذكرناه في مقال سابق عن وزير خارجية فرنسا ميشيل جوبير: "إن إسرائيل لا تريد سلامًا مع العرب؛ إنما تريد هدنة طويلة الأجل".

 

فقد كتبت مجلة (اتجاهات) الصهيونية تحت عنوان "خطط إسرائيل الإستراتيجية": "... لقد غدت مصر- باعتبارها كيانًًا مركزيًّا- مجرد جثة هامدة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين، وينبغى أن يكون هدفنا السياسي هو تقسيم مصر إلى دويلات منفصلة، وبمجرد أن تتفكك أوصال مصر، فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى؛ مثل السودان وليبيا، ومن ثم فإن تكوين دولة قبطية في صعيد مصر بالإضافة إلى كيانات أصغر واقل أهمية؛ من شأنه أن يفتح الباب لتطور تاريخي لا مناص من تحقيقه، هذا على الجبهة الغربية، أما على الجبهة الشرقية فإن تجزئة لبنان خمس دويلات؛ سنية، شيعية، درزية، مارونية، مسيحية.. بمثابة نموذج لم يحدث في العالم العربي بأسره، وينبغى أن يكون تقسيم كل من العراق وسوريا إلى مناطق منفصلة على أساس عرقي أو ديني هو أحد الأهداف الأساسية لإسرائيل على المدى البعيد، والخطوة الأولى لتحقيق هذا الهدف هي تحطيم القدرة العسكرية لهذين البلدين".

 

هذه هي خطط الكيان الإستراتيجية السياسية، وهي تعلنها صراحة وتنشرها في إعلامها، لقد خططوا ونجحوا في إخراج مصر والأردن من معادلة الصراع العربي الصهيوني بمعاهدة السلام، واخترقوا شعوبنا ومؤسساتنا بتطبيع العلاقات، وبهذا يستطيعون عن طريق عملائهم في الداخل العربي تمزيق كل شعب عربي أقسامًا متناحرة، ثم منفصلة؛ فهم وراء حركة تحرير السودان التي تعمل لفصل الجنوب عن الشمال، والتي أسسها الصديق الحميم لأمريكا والكيان الصهيوني (جون جارنج) والذي كان لا يعجبه الرعاية الصحية إلا داخل مستشفيات الكيان.

كما أنهم وراء الكثير من الفتن الطائفية في مصر ولبنان والسودان وغيرها.

 

ولاحظ ما جاء فى المجلة الصهيونية: "ينبغى أن يكون هدفنا السياسي هو تقسيم مصر.."، وهي عبارة تحتاج أن نتوقف أمامها؛ وخاصة كلمتَيْ (..هدفنا السياسي..) وهو يعني أنهم وضعوا هدف تقسيم مصر على أنه "هدف سياسي" والذي ينبغي أن نعرفه أن أهداف الكيان العسكرية لا تعتمد في تنفيذها على نفسها؛ ولكن بالسلاح والمال الأمريكي، أما في أهدافها السياسية فهي تعتمد في التنفيذ على السياسة الأمريكية، والكثير يعلم أن الكثير من الأهداف السياسية يمكن تحقيقه عن طريق الاستخبارات وعملائها، وتظهر في صورة سياسية مثل الجامعة الأمريكية، كما ذكر ذلك رجل المخابرات الأمريكية فى كتابه "لعبة الأمم" فهنا تكون الثقافة، والبحث العلمي، والتحديث، ونقل التكنولوجيا، والتعاون في المجال الزراعي والاقتصادي؛ هي المدخل السليم إلى تحقيق أهدافهم، ومن المعروف أن مصر فى السياسة الأمريكية هي "دولة محورية" في منطقة الشرق الأوسط، وأن منطقة الشرق الأوسط هي هدف محوري في السياسة الأمريكية ومخابراتها (C. I. A.) بكل وسائلها؛ للسيطرة على الجهاز العصبي "مصر" ليسهل السيطرة على الجسم العربى كله.

 

ومن ثم تتفق الأهداف السياسية للكيان الصهيوني مع الأهداف السياسية لأمريكا؛ ولكن لتحقيق هذا الهدف السياسي الصهيوني- وهو تقسيم مصر وإنهاك قواها كما تقول الدراسة "جثة هامدة"- فلا بد من وسيلتين هما: تطويع العقول العربية أو تسميمها أو هما معًَا، أما "محاولات تطويع العقل العربي"، و"عمليات تسميم العقل العربي" فهما المقالان القادمان بإذن الله تعالى.

 

وسوف يعلم كل منصف صحة مقولة "الشيطان صهيوني" وأن السلام مع الكيان الصهيوني هو السلام مع الشيطان، وهل هناك سلام مع شياطين الجن؟! الحقيقة هنا لها جانبان:

الأول: أنه لا سلام بين الشياطين والمؤمنين، والثانى: نعم قد يكون هناك سلام؛ لكن بين شياطين الجن وشياطين الإنس، وأن هؤلاء المحتلين لفلسطين قال السيد المسيح لآبائهم السابقين"أجابوا وقالوا له: أبونا إبراهيم، فقال لهم يسوع: لو كنتم أبناء إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم.. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذلك كان قتالاً للناس" (يوحنا 8 :39-45)، وراجع بتوسع في: إعلانات المنطق المسيحى، الإعلان التاسع ص 397 مراكز القديس كيرلس السادس".

 

وهذا الوصف للقيادة اليهودية الصهيونية هو نفس وصف القرآن الكريم لهم ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًاً﴾ (المائدة: من الآية 64).

 

نعم إن هواياتهم المفضلة إشعال الحروب ونشر الفساد، وراجع ما كتبه عنهم رجل المخابرات الأمريكية جون بيتي في كتابه "السور الحديدي حول أمريكا" ودورهم في إشعال الحرب العالمية الأولى والثانية ودورهم فى إطالة أمدها،  ذلك كله قبل أن تكون لهم دولة في فلسطين، فكيف يكون شرُّهم بعد إقامة دولة لهم؟!

 

والغريب أنهم- لكي يغطوا جرائمهم الشيطانية- قد أسموا دولتهم "إسرائيل"؛ وهو نبي الله يعقوب بن نبي الله إسحاق بن نبي الله إبراهيم؛ ولكنهم نسوا أن الله سيفضحهم في الإنجيل والقرآن.

- - - - - - - - - - - - -

[email protected]