- الإحالة إلى المحاكمة العسكرية تعني عدم الثقة في القضاء الطبيعي

- مطلوب إلغاء كافة القوانين الاستثنائية بما فيها محاكم أمن الدولة

- التدخل الإداري في أحكام القضاء جريمة منصوص عليها في الدستور

- مصر تحتاج إلى حوار حول التعديلات الدستورية حفاظًا على كرامتها

 

حوار- حسن محمود:

تعدُّ إحالة المدنيِّين إلى القضاء العسكري من أبرز علامات ضرب استقلال السلطة القضائية في مصر، فالقضاء العسكري- كما يؤكد الدستور والقانون- خاصٌّ بالعسكريين فقط، وطوال تاريخ مصر لم نسمع عن نظر القضاء العسكري في قضية تخابر أو تجسس؛ حيث ينظر القضاء الطبيعي مثل هذه القضايا!! بينما يختلف الوضع مع معارضي النظام ومخالفيه في الرأي!.

 

وجماعة الإخوان المسلمين تحتل مكانةً متميزةً في القضايا التي نظرتها المحاكم العسكرية، أشهرها بالطبع قضية 1995م وما تبعها، انتهاءً بقضية المهندس خيرت الشاطر و39 من قيادات الإخوان، التي يحلُّ اليوم ذكرى أول عام على حكم المحكمة في قضيتهم التي استمر نظرها أكثر من 70 جلسةً، وشهدت مفارقات عجيبة ضربت القضية في مقتل، وكانت كفيلةً بإحالة الذين أعدوا القضية للمحاكمة بدلاً من المتهمين الشرفاء، الذين لم يقدِّم الادِّعاء في حقهم أيَّ دليل على أي تهمة.

 

وبمناسبة مرور عام على حكم العسكرية التقينا بالمستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر السابق ونائب رئيس محكمة النقض؛ الذي يعدُّ أحد العلامات القضائية البارزة التي تصدَّت لإحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، وأجرى خلال رئاسته للنادي حوارًا قضائيًّا رفيع المستوى لوقف هذه المهزلة، وواجه هو ومجلسه مع كثير من رجال القضاء- في اجتماعات موسَّعة بالنادي وندوات نقاشية ثريَّة وبيانات قانونية واضحة- الإصرارَ الحكوميَّ على عدم احترام القضاء الطبيعي.

 

وفي حوراه لـ(إخوان أون لاين) أوضح أن الأمر يمتد منذ عام 1986م؛ حيث وعد الرئيس مبارك القضاة في مؤتمر العدالة بوقف عسكرة القضاء ووقف إحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية.

 

كما طالب المستشار عبد العزيز بحوار مجتمعي جديد حول التعديلات الدستورية، وإعادة صياغة الدستور من جديد؛ بما يصبُّ في احترام الحقوق والواجبات، وصيانة الحريات، ووقف التضارب بين الهيئات القضائية؛ بسبب الرغبة في إصدار أحكام بعينها، وإلى نص الحوار:

 الصورة غير متاحة

* بدايةً.. كيف تقرءون إصرار النظام على إحالة المدنيين إلى محاكمات عسكرية؟

** وقف إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية كان أحد توصيات مؤتمر العدالة في أبريل 1986م، الذي حضره رئيس الجمهورية، وقال فيه إنه سيأمر بتنفيذ توصيات المؤتمر، وأضاف في نهاية خطابه أمام القضاة: "إن الحديث يطول عن رسالة القضاء ومكانة القضاة في نفوس الجميع، ولست أستطرد في القضايا التي تشغل اهتمامكم لهذا البلد ومن منطلق إحساسكم بالمسئولية، ولكنَّ هدفنا جميعًا أن نرفع الظلم عن كل المظلومين، وأن نحمي الحقوق، وأن نصون الواجبات".

 

ثم تحدث طويلاً عن وضع التوصيات موضع التفعيل، وتحميل القضاة المسئولية في حماية العدالة، ومنها ما قاله: "من جهة أخرى فقد حرصت على تأمين حقِّ كل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، حتى في أدقِّ الظروف وخلال الأحداث الطارئة؛ تمسكًا بحريات المواطنين وتعزيزًا للثقة في أهم مبادئ الحكم".

 

ونحن كقضاة طالبنا في إحدى التوصيات بمراجعة قانون الأحكام العسكرية على نحو ينحصر في اختصاص القضاء العسكري بالجرائم العسكرية في مدلولها الصحيح، وهي الجرائم التي يرتكبها العسكريون التي تخلُّ إخلالاً بمقتضيات النظام العسكري.

 

وفي نادي القضاة طالبنا بإعادة دراسة نصوص قانون القضاء العسكري رقم 25 لسنة 1966م؛ لأنها تؤدي بكثير من المدنيين إلى اختصاص القضاء العسكري في ظل عدم وجود ضمانات لحماية القاضي نفسه، ونظَّمنا في هذا الاتجاه ندوتَين في النادي خلال دراستنا للتعديلات الدستورية، وعرضنا القانون، وكان محلَّ تعليق كثير من الحضور، وكلهم كانوا من شوامخ القضاء المصري، وقلنا بعدم جواز إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري.

 

وضع استثنائي

* ولكن الأمر متجمِّد، وإحالة المدنيين تواصلت بعد إصداركم هذه التوصيات، ولم يتم تنفيذ أي منها!.

** نحن نعيش وضعًا استثنائيًّا، والأصل أن تنحصر، ويجب أن يتم إحالة المدنيين إلى قاضيهم الطبيعي وأن يحال العسكريون إلى القضاء العسكري، وبالجملة لا حلَّ إلا بإلغاء كافة القوانين الاستثنائية، بما فيها قضاء محاكم أمن الدولة، فرغم أن بعضها تم إلغاؤه إلا أن وجود بعضها يجعل هناك تدخلاتٍ من السلطة التنفيذية.

 

وبالجملة أيضًا أنا أطالب بتوحيد جهاز القضاء في مصر، فخطوة طيبة أن يتم إلغاء المدَّعي العام الاشتراكي وإلغاء محكمة القيم وقانون العيب، ولكننا رجعنا بعد هذه الخطوات عشرات الخطوات إلى الوراء باستمرار إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري، حتى وإن قال البعض إنه بعد التعديلات أصبح هناك محكمة للدرجة الثانية، يمكن فيها تداول الطعن على الحكم في أول درجة، فنحن نريد إصلاحًا قضائيًّا في مصر، ولن يحدث هذا إلا بتوحيد جهاز القضاء في جهة واحدة.

 

إخلال بالعدالة

 الصورة غير متاحة

أسر المعتقلين يطالبون بالعدالة

* ما تأثير إحالة المدنيين إلى غير قاضيهم الطبيعي على استقلال القضاء؟

** إحالة المدني إلى القضاء العسكري هو اعتداءٌ على استقلال القضاء، ومعناه عدم الثقة في جهة قضائية ما وفي أحكامها، والرغبة في إصدار أحكام بعينها، وبالتالي يُحيل رئيس الجمهورية من يريده من المدنيِّين إلى القضاء العسكري في ظل عدم وجود معيار ثابت لهذه الإحالة.

 

وأؤكد أن وجود نصوص جوازية بلا معيار واضح لها؛ يعني أن هناك ترسيخًا لعدم استقلال القضاء وإحداث تضارب بين الهيئات القضائية، فهذه تُصدر أحكامًا، وهذه تُصدر أحكامًا مضادة، وهذا له رأي، وهذا له رأي آخر؛ مما يصبُّ في الإخلال العام بالعدالة وترسيخها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ترسيخ الظلم ونصوصه، رغم الحديث اليومي عن العدالة وأهميتها!.

 

معنى الاستقلال

* تحدث الكثير من المراقبين عن وجود ضغوط إدارية على القاضي العسكري؛ لكونه ضمن منظومة تراعي الأقدمية، كيف يستقيم هذا أيضًا مع روح الاستقلال؟!

** لا أستطيع القول بهذا، فأنا لا أعلم آلية التعيين في القضاء العسكري، وهل يتم التعيين فيه لذات الضوابط التي تحدث في القضاء العادي أم لا، ولكن إذا كان هناك تدخل في أحكامه بطريقة إدارية فهذه جريمة منصوص عليها، ولا اختلاف في أن هذا عدوان آخر على القضاء.

 

وهنا أؤكد أن استقلال القضاء هو استقلال إداري ومالي؛ بحيث يبتعد عن أي سلطة أخرى، سواءٌ رئاسية أو إدارية، ويرسِّخ لحتمية تحلِّي القضاء باستقلالية لا ينازعه فيه أحد.

 

إعادة الحوار

* وما الحل من وجهة نظركم لضمان هذه الاستقلالية القضائية؟

** نحن نحتاج إلى مناخٍ ديمقراطيٍّ يُبيح مناقشة التعديلات الدستورية من جديد وتفعيل الحوار الذي دعا إليه الرئيس بشكل حقيقي؛ لأنه لا معنى إلى عقد استفتاء على مواد الدستور بالجملة؛ بحيث نرفض الـ34 مادة أو نوافق على الـ34 مادة، وقد سبق أن ناقشنا هذا الأمر في ندوة سابقة في نادي القضاة؛ حيث اشتدَّت حيرتنا، فهناك مواد مقبولة وهناك مواد مرفوضة، ولكن وجدنا أنفسنا أمام تصويت بالجملة وهو أمرٌ غريبٌ يتنافَى مع الحوار.

 

ولذلك أنا أدعو الآن إلى حوار واسع من جديد لدراسة تعديل الدستور من جديد والبعد عن ترميمه، وأرى كذلك ضرورة إعادة النظر في مواد الدستور كليةً، وإعادة صياغتها بشكل يتفق مع المناخ الصحي والتطورات العالمية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي وصل إليها العالم.