- القضية انتقام من النظام والعرض الرياضي شماعة "خايبة"

- كنت كهربائي العسكرية، وصممت "أباجورات" لكل الإخوان

- م. خيرت كان أبًّا لنا، والشرقاوي الأم الحنون، وعز الموسوعة

- العسكرية جعلت من الطفل "عاصم" خطيبًا كبيرًا ومتحدثًا محترفًا

 

حوار- إسلام توفيق:

"ياااااااااه.. هو عدَّى سنة.. دا العمر جري بسرعة والواحد مش واخد باله"، بهذه العبارة استقبل المهندس محمود المرسي أحد مجموعة الـ(15) المفرج عنهم في القضية العسكرية لقيادات، ورموز الإخوان المسلمين، اتصلنا تليفونيًّا لتحديد موعد لإجراء حوار معه بمناسبة مرور عام على أحكام المحكمة العسكرية.

 

المهندس محمود المرسي صاحب الـ48 عامًا رفض مصطلح حصوله على "البراءة" قائلاً: لم تكن هناك تهم من الأساس؛ حتى يصدر حكم بالبراءة له.

 

قابلنا في بيته مع ولديه عاصم وعامر، وفتح لنا قلبه، وروى تفاصيل جديدة عن المحاكمة العسكرية، وشعوره بعد عام على هذه الأحكام.. فإلى تفاصيل الحوار:

 

العرض الرياضي

 الصورة غير متاحة

الإحالة للمحاكمة العسكرية مدبرة ولا علاقة لها بعرض الأزهر

* لو عدنا بالذاكرة للخلف عندما نشرت بعض وسائل الإعلام صور العرض الرياضي الخاص بطلاب جامعة الأزهر، والذي تم اعتقال المهندس خيرت الشاطر على إثره، ثم توالى اعتقال قيادات الإخوان، وكنت أنت واحدًا منهم، هل شعرت وأنت تشاهد هذه الصور أن الأمر سيتطور إلى هذه الصورة؟!

** المعلوم لدى القاصي والداني أن إحالتنا للمحاكمات العسكرية لم تكن أبدًا بسبب العرض الرياضي لطلاب الأزهر، خاصةً أن هذا العرض الذي نُشر، وتناولته وسائل الإعلام لم يكن هو العرض الحقيقي؛ لأن العرض المنشور كان فيه عدد قليل جدًّا من العرض الذي أقيم في نفس الجامعة، وفي نفس المكان في العام الذي سبقه، وهو ما يوضح أن مسألة إحالتنا للمحكمة العسكرية كانت مدبرةً، ولها أسبابها واعتباراتها الأخرى، وأن العرض كان شماعةً؛ ولكنها شماعة "خايبة".

 

أما إذا كنت متوقعًا أن تتم إحالتي للمحكمة العسكرية أم لا، فأي فرد يمشي في طريق الدعوة معرض للاعتقال والمحاكمة، وبالتالي فإن أول ما تعلمناه في طريقنا هو قانون ورقة بن نوفل، عندما ذهب له الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع السيدة خديجة، وقال له نوفل: "هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو مخرجي هم؟" قال: "نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي".

 

فأي إنسان يسير في طريق الدعوة إلى الله، لا بد أن يتوقع الإيذاء، ولكن لا يمكنه أن يتوقع الصورة التي سيؤذى بها، أما الاعتقال والمحاكمة العسكرية فهذه لم أكن أتوقعها.

 

خبرات دولية

* وجودكم مع قيادات الجماعة أمثال المهندس خيرت والدكتور بشر وغيرهم.. ماذا مثَّل لكم؟

** على مدار 15 شهرًا قضيتها داخل المعتقل شعرت أنني في جامعة بها العديد من أعضاء هيئات التدريس، وأنا الطالب الوحيد فيها؛ حيث تعلمت من كل أخ من الـ32 أخًّا الموجودين في المعتقل معي.

 

وإذا أحببت أن أذكر بعض الأمثلة؛ فالمهندس خيرت الشاطر كان له أثر كبير علينا لما له من خبرة، ومشوار طويل في العمل الدعوي، وفي الإخوان كان أبًّا لنا جميعًا، وهوَّن علينا الكثير من الإجراءات التعسفية في السجن، فضلاً عن وجود العالم الكبير الدكتور خالد عودة نائب رئيس الفريق الجيولوجي الدولي، وكان يوضع اسمه أولاً قبل الآخرين لعلمه، فهو بالإضافة إلى هذا شخصية موسوعية في كافة المجالات، فله كتاب يحمل اسم "التشريع المالي في الإسلام" يستحق الدراسة؛ ولكنه لم يأخذ حظه، وكتاب "مشروع السياسة في الإسلام" يعرض من وجهة نظره، كيف تدار الدولة بمؤسساتها الحديثة من منظور إسلامي، ولا ننسى أنه ابن الشهيد عبد القادر عودة، وأنه قد أخذ منه الكثير.

 

أما الدكتور بشر ذلك المحكم الدولي في المنازعات الهندسية ووكيل نقابة المهندسين سابقًا، وشهدت النقابة في عهده العديد من الأنشطة، ولا أنسى الدكتور عبد الرحمن سعودي رجل الأعمال المشهور، والذي يعتبر خبرةً حياتيةً كبيرةً جدًّا تعلَّمت منه الكثير.

 

والدكتور محمود أبو زيد العالم المصري المتواضع الذي لم أره "زعلان" طيلة الـ15 شهرًا التي قضيتها معه، والدكتور صلاح الدسوقي رجل القرآن الرقيق الذي تسمع منه القرآن وكأنها تتنزل عليك، وكنا نستمتع بقراءته.

 

مواقف

* ما هي أصعب المواقف التي مرَّت بكم وأنتم خلف القضبان؟!

** صدقني إن قلت لك: إن أصعب موقف مرّ عليّ طيلة الـ15 شهرًا هو يوم النطق بالحكم، فلم تمر لحظة عليّ أصعب من هذه اللحظة، فبكيت بكاءً مرًّا، بعد ما رأيت هذا الكم من الظلم من مدد طويلة ومصادرة للأموال.

 الصورة غير متاحة

تألمنا لألم الحاج حسن زلط عند إصابته بالأزمة القلبية

 

* ما أبرز المواقف التي لا تنساها أثناء فترة اعتقالك؟!

** من المواقف التي لن تنسى، هو موقف الحاج حسن زلط الذي لم يجلس معنا إلا أربعة أيام تقريبًا، وفي اليوم الأخير جاءت له أزمة قلبية شديدة، وعندما خلونا للنوم جاءت له الأزمة، ولم يستطع أن ينادي على أحد منا، فقمنا مسرعين بالطرق على باب الزنزانة حتى يعلم العساكر بالخارج، وكانت اللحظة التي لا تُنسى هو أنني وجدت جموع الإخوان ملتفين حول الحاج زلط، وكأنه جزء منهم.

 

وهذا الموقف تكرر عندما اشتدَّ المرض بياسمين بنت الدكتور محمد حافظ، وأصبح الإخوان كلهم يدعون لها بالشفاء العاجل لدرجة أن أول زيارة حضرت فيها ياسمين بعد شفائها التفَّ الإخوان حولها لمعانقتها، والاطمئنان عليها، وكان آخر من استطاع الوصول إليها هو والدها.

 

كما تكرر هذا الموقف عندما علمنا بحادث محمد مصطفى شربي، وأخفينا عن والده الأمر، وظللنا أكثر من أسبوع نبكي ونتضرع إلى الله أن ينجيه ويخرجه من أزمته على خير، ووالده لا يعرف ماذا يحدث إلى أن أخبرناه بعد خروج محمد من أزمته واستعادته لصحته، فقد كان كل منا يحيا حياة أخيه وكأنها حياته هو.

 

رفقاء الزنزانة

* عندما كنت تخلو مع نفسك.. ففي أي شيء كنت تفكر؟!

** لم أشعر بأزمة الأمة إلا بعد هذه التجربة؛ حيث أدركت في هذه الشهور الأزمة الحقيقية الشرسة التي تواجه الأمة، فكنا نجلس نتأمل ونفكر، كيف تخرج الأمة الإسلامية من كبوتها!!.

 

* وكيف كنت تقضي يومك في السجن؟!

** على الرغم من أن جلسات المحاكمة كانت متلاحقة، والتي لم يسبق لها مثيل على مدار المحاكمات العسكرية أو غيرها، ولكن كما قلت: فالصحبة تعين على الخير، فعلى مستوى الزنزانة كنا نستيقظ قبل الفجر بساعة تقريبًا، وكل منا بين متهجد وقارئ للقرآن، ثم نصلي ركعات في جماعة، وبعدها نصلي الفجر، ونجلس بعد الفجر نوصي بعضنا بعضًا بالخواطر والرقائق التي كانت دائمًا تتجه نحو إشفاقنا على إخواننا بالخارج، وعن حال الأمة الإسلامية، فأنا لم أشعر أن الأمة في أزمة حقيقية إلا بعد هذا الابتلاء.

 

ثم نجلس للأذكار ونستريح قليلاً استعدادًا للزيارة، وتجهيز بعض لوازم الضيافة كالمشروبات والمأكولات، فقد كنا نعد هدايا للأطفال، ونجهز لأسرنا الإفطار، ومن لم يكن لديه زيارة يجلس بين قراءة وحفظ وتلاوة ورياضة وكتابة، وبعد الزيارة نستعد للغداء، وفي آخر النهار ما بين أذكار المساء وصلاة المغرب والعشاء، ومجالسة الإخوان؛ لنتدارس بعض المعاني، فأذكر أننا درسنا مع الدكتور فريد جلبط أستاذ القانون الدولي نصف كتاب "الموافقات"، وهو الكتاب الذي يتحدث عن مقاصد الشريعة، وهو أكبر موسوعة في أصول الفقه، وكنّا جميعًا حريصين على هذه الجلسة الدورية أكثر من حرصنا على الطعام والشراب، وأتصور أنني فهمت من هذا الكتاب وتعلمت عن الإسلام أكثر مما كنت تعلمته قبل الاعتقال.

 

ثم تُغلق علينا الزنازين فنبقى بين مدارسات، ثم يخلو كل منا إلى نفسه بين قراءة وحفظ وتأمل وكتابة تحت أنوار "الأباجورات" التي كنت مسئولاً عنها في السجن، كما كنت مسئولاً عن الدوائر الكهربائية المغلقة، وكثيرًا ما صنعت "أباجورات" هدايا لأسر إخواني.

 الصورة غير متاحة

الأب الحنون الحاج صادق الشرقاوي

 

* من كان معك في زنزانة واحدة؟!

** كان معي في الفترات الأخيرة صادق الشرقاوي، والذي كان بمثابة الأم الحنون لكل الإخوان في العسكرية، والمهندس ممدوح الحسيني، والأستاذ أحمد عز، والمهندس أحمد أشرف، والأستاذ مصطفى سالم، والدكتور محمد حافظ، ومؤذن العسكرية محمد مهني، والأستاذ السيد معروف.

 

* من كان أقربهم إلى قلبك؟!

** الحقيقة أن جميع من في الغرفة يستوون في حبهم إلى قلبي؛ لأن لكل منهم شخصية وميزة تجبرك على حبه، فالحاج صادق الشرقاوي كان نموذجًا للرقة والحنان، والمهندس ممدوح الحسيني كان يقرأ القرآن حتى وهو نائم، فكنا نستيقظ من نومنا على صوته، وهو نائم يردّد آياتٍ كان يقرأها قبل أن ينام، وكان يراجع لي ما أحفظه، كما كان الأخ محمد مهني نموذجًا للأخ الطائع الهين اللين، وكان الأخ مصطفى سالم يتمتع بصفة جميلة هي أنه دائمًا مرح والابتسامة لا تفارقه، أما الأخ سيد معروف فذو شخصية جميلة، وحتى إن أساء إليه أحد فلا يأخذ باله، وكان الأستاذ أحمد عز مصدرًا رائعًا للتاريخ والدعوة، خاصة أنه عاصر الكثير من أساتذتنا المرشدين السابقين بحكم عمله، في حين أن المهندس أحمد أشرف كانت ثقته في إخوانه عالية للغاية.

 

* هل تتذكر كيف مرّت عليك آخر ليلةٍ قضيتها في زنزانتك قبل الإفراج عنك؟!

** في الحقيقة لم تكن آخر ليلة، ولكن يمكن القول آخر ليلتين بعد إصدار الحكم يوم الثلاثاء، وحتى خروجنا يوم الخميس، ولك أن تتخيل الموقف، وأنت تقوم بترتيب أمتعتك للخروج من السجن، في حين أن أخاك المتهم بنفس التهم الواهية يؤسس للبقاء أشهر وسنوات جديدة، وأنا أعرف جيدًا أنه ليس متهمًا؛ كما أنني ليس متهمًا، وأعرف جيدًا أنه أفضل مني، ولم يرتكب مع غيره جريمة حتى يعاقبوا، ويدور في نفسي سؤال لماذا أتركهم وأخرج؟! ولكني أيقنت أن المرء يبتلى، ويثاب على قدر دينه، فهم كانوا أفضل مني؛ لذلك ابتلاهم الله بأشهر وسنوات الأحكام الجائرة.

 

* احكِ لنا عن أول ليلةٍ قضيتها في حجرتك بعد عودتك للبيت.. كيف مرَّت عليك؟!

** بقدر سعادتي برؤية أولادي وعودتي للبيت مرة أخرى، بقدر ما حزنت أن أولاد إخواني لم ينعموا بعد برؤية آبائهم أو الجلوس معهم، وحتى الآن أشعر بهذا الشعور؛ لأننا خرجنا وعدنا إلى بيوتنا، وما زالوا هم مفتقدين لأحضان آبائهم.

 

* لو خُيرت بين أن يحذف اسم المهندس محمود المرسي من كشف المفرج عنهم، ويوضع بدلاً منه اسم آخر، من تختار؟!

** يوضع أسماء كل الإخوان الموجودين بالداخل، على أن أقضي عنهم مددهم كلها على حدة.

 

* وإذا أردنا تحديد شخص بعينه.. من تختار؟!

** صعب.. لأنهم كلهم في منزلة واحدة، ولكن إذا نظرنا من الناحية العقلية؛ فسيكون المهندس خيرت الشاطر؛ لأنه أكثرنا نفعًا للدعوة، ولكن أؤكد لك أن الأمر صعب.

 

* من الأقرب إليك ممن حصل على البراءة خلال هذا العام؟!

** الدكتور خالد عودة، وبيني وبينه اتصال دائم، وقد كان بيننا تفاهم كبير خلال شهور السجن، وكان تدور بيننا نقاشات كثيرة جدًّا، وهذا شرف لي حيث تعلمت منه الكثير؛ لذلك أنا حريص على الاتصال والتواصل معه كثيرًا.. وهذا لا يمنع أيضًا أنني على تواصل مع جميع من حصل على البراءة.

 

الأسرة والجيران

 الصورة غير متاحة

عاصم وعامر ابنا محمود المرسي

* ماذا عن أثر تجربة الاعتقال والمحاكمات العسكرية على أسرتك؟!

** فترة السجن ساعدتني على تربية أبنائي تربيةً لم أكن أتخيلها لو كنت بينهم، فلم أكن أستطيع أبدًا، وأنا بينهم أن أجعل من عاصم متكلمًا ومتحدثًا أمام الكاميرات وجموع الناس، ويحفظ الشعر والزجل التي أكتبها له من السجن ليلقيها في المؤتمرات والندوات، فقد كنت أتمنى أن يكون عاصم خطيبًا، ولم أستطع قبل سجني أن أفعل ذلك، وساعدتني فترة السجن على تربيته على الخطابة.

 

وأشير إلى أن زوجتي وابنتي وابني أدركوا حقيقة الصراع بين الحق والباطل عمليًّا وليس نظريًّا، فلم أكن أبدًا أستطيع أن أوصل لهم حقيقة هذه العلاقة من خلال السيرة أو الفقه أو التاريخ، كما أدركوها خلال فترة العام ونصف العام التي اعتقلت فيها، فهم ضُربوا وأُهينوا في الشارع أمام المجلس القومي للمرأة وفي الهايكستب؛ لأن والدهم يقول: لا إله إلا الله، فعرفوا هذه العلاقة التي ستظل إلى الأبد.

 

* وما موقفكم من الاتجاه نحو رفع دعوى تعويض على ما حدث معكم؟!

** سنقاضيهم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهو من يأتي لنا بحقنا.

 

برقيات عاجلة

 الصورة غير متاحة

م. محمود المرسي

* كلمة توجِّهها إلى إخوانك في القضية، وما زالوا خلف القضبان, وللإخوان، وخاصةً الشباب منهم:

** في البداية أقول للمهندس خيرت وإخوانه خلف الأسوار جزاكم الله خيرًا على ما فعلتموه، فأنتم في الصفوف الأمامية للعمل الإسلامي الآن، وقدركم كبير في المجتمع بوجه عام، وفي الإخوان بشكل خاص، لأنكم تدفعون ضريبة التغيير في سبيل نصرة الحق فجزاكم الله خيرًا.

 

وأقول للإخوان لا تألوا جهدًا في سبيل نصرة الدعوة؛ حتى يحقق الله لنا نصرًا من عنده، وأقول لشباب الإخوان حاولوا أن تعملوا لدعوتكم بحماس الشباب، وأن تظلوا مرتبطين بالمنهج، وراجعوه دائمًا، حتى لا تحيدوا عنه، وارجعوا إلى مسئوليكم، وراجعوا عليهم تصرفاتكم.