لا يزال مستقبل حركة فتح معلقًا في الهواء؛ فقد أدَّت الانقسامات الداخلية والبرنامج السياسي المشوش- وهي مشكلات ربما تعود إلى عقود مضت- بهذا الحزب الفلسطيني التاريخي إلى مواجهة لحظة فاصلة، وليس من المبالغة إذا قلنا إن الأزمة الراهنة ذات أبعاد تكفي أن تجعل استمرار وجود فتح كقوةٍ سياسية معتبرة تحت التهديد.

 

ولعل أفضل ما يوضح ذلك حدث لم يتم؛ وتحديدًا المؤتمر العام السادس لحركة فتح- الذي مضى نحو 20 عامًا منذ آخر انعقادٍ له- ولا يزال لم يُقرر له بعد موعد أو مكان محدد، وتتردد الشائعات حول موعد المؤتمر؛ أو حتى ما إذا كان سينعقد من الأصل؛ أما ما هو معلن رسميًا هو أن ذلك التأخير المفرط يرجع إلى التحضيرات الضرورية اللازمة.

 

وهناك شيء من الصواب في المطالبة بضرورة تحقيق مستوى معين من الاتفاق بين الممثلين للحركة قبل انعقاد المؤتمر حتى لا يتحول إلى فشل ذريع، بالرغم من ذلك فهناك الكثيرون ممن يرون هذا التباطؤ بمثابة دليل على أن أولئك الذين في السلطة يخشون من نتائج الانتخابات الداخلية.

 

ويمثل المؤتمر أهميةً حرجةً بالنسبة لحزب يواجه مشكلات متعددة وجوهرية؛ وخاصةً المدى الذي وصل إليه الانقسام الداخلي في فتح.

 

وهو ما يتم في معظم الأحيان التقليل من شأنه والإشارة إليه كمجرد اختلاف بين "الجيل القديم" و"جيل الشباب"، إلا أن الحقيقة أكثر تعقيدًا.

 

وهناك بالفعل البعض ممن عادوا من المنفى في حقبة التسعينيات فقط؛ ليصبحوا نماذج للفساد والمحسوبية، كما أن السلطة الفلسطينية كذلك تضم بين مسئوليها قادة "محليين" من أبناء الضفة الغربية تصبُّ لديهم المصالح التجارية منذ إعلاء الصراع من أجل التحرير الوطني، هذا بالإضافةِ إلى التحزبات التي قام بتكوينها أفراد ممن تحيط بهم مراكز قوة موالية لهم.

 

وأحد أهم عوامل الانقسام هو عدم وجود اتفاق في الآراء حول برنامج سياسي بعينه؛ فالبعض لا يزال يعتقد في جدوى عملية السلام الدولية، بينما يرغب آخرون في العودة إلى المقاومة المسلحة؛ وعلى الرغم من ذلك فإن الكثيرين ممن ينتمون إلى المجموعة الأولى لا يعتقدون بثقة في أن المفاوضات سوف تسفر عن نتائج حقيقية، ومن ثم فهناك قيادات في فتح يدافعون عن استمرار السلطة الفلسطينية، وآخرون يرغبون في تفكيكها.

 

في الوقت نفسه، وعلى الصعيد الخارجي، لا تزال فتح تواجه تحديًا من قِبل حركة حماس، فمنذ انتخابات عام 2006م وسيطرة حماس بعد ذلك على قطاع غزة، مرورًا بعملية "الرصاص المصبوب" التي شنَّها الكيان الصهيوني عززت حماس من قوتها وشعبيتها؛ وذلك على النقيض من تصاعد خيبة أمل وازدراء الفلسطينيين إزاء فتح.

 

وقد ساهم في تفاقم هذه الحالة من الازدراء فشل عملية السلام الرسمية- وهي الإستراتيجية التي أقام عليها العديد من قياديي فتح حياتهم المهنية على أساسها- في إنهاء الاحتلال وتأمين الحقوق الفلسطينية السياسية والإنسانية.

 

وهذا هو حجم أزمة فتح الذي يجعل من عقد المؤتمر أمرًا ذا أهمية حرجة لها، وإن كان غير كافٍ إذا ما تم اعتباره حلاًّ في حدِّ ذاته، وحتى إذا ما كانت هناك تغييرات على مستوى الأفراد في كلٍّ من المجلس الثوري واللجنة المركزية لحركة فتح- كما طالب بذلك أعضاء محليون وقيادات بالحركة- فإن مشكلة البرنامج السياسي للحركة سوف تظل قائمة.

 

إن مستقبل فتح له تبعات مهمة بالنسبة للمنطقة، فبعد اتفاقية أوسلو صار مستقبل فتح ومستقبل السلطة الفلسطينية نسيجًا واحدًا إلى الحد الذي يمكن أن يجعل من الصعب الآن فصل مصالح إحداهما عن الأخرى، وسوف يكون للمعركة الداخلية لتحديد الاتجاه السياسي العام لحركة فتح كبير تأثير على المنحى الذي سيتخذه الفلسطينيون حيال ما يسمى بعملية السلام والمفاوضات مع "إسرائيل".

 

بالنظر إلى ما يكتنف الحركة من انقسامات داخلية، وما تواجهه من تحدٍّ صريحٍ من جانب حماس، والعجز الواضح في إبطاء- إذا تجاوزنا عن قول "وقف"- وتيرة الاستيطان "الإسرائيلي"، فإن مستقبل فتح يبدو قاتمًا.

 

إن اسم حركة فتح ربما سُجِّل بحروفٍ بارزةٍ في تاريخ الصراع الفلسطيني في القرن العشرين، إلا أنه يتعين القيام بالكثير قبل أن تتحول إلى مجرد هامش في المستقبل، وأخيرًا فإن عقد المؤتمر السادس وإجراء الانتخابات الداخلية يُعد خطوةً أولى جوهرية.

----------

* نُشر بصحيفة الجارديان البريطانية يوم الأحد 10/5/2009م

 

** بن وايت: كاتب وصحفي مستقل، يعيش في مدينة ساوباولو بالبرازيل، وتُعنى مقالاته بصورة أساسية بقضية الصراع "الفلسطيني- الصهيوني" وقضايا الشرق الأوسط.