الزوجة:

- كان همُّ القوة الأمنية البحث عن الأموال وحتى الحمام أمَّنوه

- اتهامه بغسيل الأموال نكتة الموسم، ولم يكن معنا إلا 200 جنيه

الأبناء:

- لا تحزن يا أبانا وسوف نشرفك في نتائج الثانوية والإعدادية والابتدائية

- جيراننا وأصدقاؤنا يعرفون أن والدنا شريف ومظلوم والحكومة ظالمة

 

الشرقية- حسن خضيري:

شهد له كل مَن يعرفه بأدبه الجم، وحرصه على دعوته، وحبه لإخوانه، وإصراره على تأدية كل شيء على أكمل وجه.. عمرو وخالد وفاطمة وأسماء ووالدتهم هي العائلة الصغيرة التي تحيا في كنف الأب الذي أخذته يد الظلم بعيدًا عنهم، إنها عائلة وليد شلبي الكاتب الإسلامي الذي تم اعتقاله فجر الخميس الماضي في حملةٍ أمنيةٍ مسعورة شملت العديد من قيادات ورموز الإخوان المسلمين في مختلف المحافظات.. لم يكن لهم مجرد أب عادي، بل كان القدوة والمعلم والمربي.. ورغم صغر سنهم إلا أنك تجد في عيونهم عزمًا لا يلين وإرادة صلبة وصبرًا لا حدودَ له، يحدوهم الأمل في نصر الله، والفرج القريب لوالدهم.

 

(إخوان أون لاين) التقى أسرة وليد شلبي؛ للوقوف على تفاصيل عملية الاعتقال الأخيرة، فإلى تفاصيل الحوار:

 

* بدايةً- كزوجة وأم- كيف تصفين وليد شلبي؟

** هو الكيان الأساسي، المعلم والمربي والقدوة، هو مَن عرَّفنا طريق الدعوة، ليس مجرد أب عادي، بل هو راعٍ وحريصٌ على رعيته ويتقي الله فيهم، وهو لنا ناصح أمين، كان حريصًا على توصيل رسائله الدعوية في كل موقف، كما كان حريصًا على رد أي شبهةٍ بالمنطق والعقل، كان يربط كل شيءٍ بالدعوة، ويقول عن الاعتقال إنه سنة الدعوات الصالحات، وهي مرتبطة بالدعاة في كل مكانٍ وزمان.

 

* صفي لنا شعور الأسرة عندما اقتحمت قوات الأمن المنزل؟!

** شعور ممتزج، فقبلها بخمس دقائق كنتُ أجلس معه هنا في نفس المكان الذي نتحدث فيه الآن، ونسمع صوتًا عاليًا من الشباب الساهر في الشارع، فقال لي: أين الأمن ليحاسب هؤلاء؟!، ولم تمض على كلمته خمس دقائق، حتى وجدنا طرقًا شديدًا على الباب، ففي الوقت الذي يتركون فيه السفهاء والمفسدين يعتقلون الشرفاء وأصحاب الضمائر النقية، يعتقلون الدعاة ويتركون المجرمين، وفي الوقت الذي تكثر فيه الجرائم، وتنتشر بشكلٍ يومي توجِّه الداخلية جهودها لاعتقال الشرفاء.

 

* وجه الاختلاف بين الاعتقالات السابقة وهذا الاعتقال الأخير.. هل هناك فرق؟

** هذه المرة تحديدًا كانت هناك رهبة وخوف من مجهول، شعور غريب انتابني بأن هناك شيئًا يدبر في الخفاء، شعرت أن الأمر ليس ككل مرة، طريقة التفتيش، وأسئلة الضابط الغريبة كانت توحي بأن الموضوع هذه المرة مختلف.

 

* كيف ذلك؟

** طريقة التفتيش كانت همجيةً وبدون وعي، وكانوا يبحثون عن الأموال بطريقةٍ سيئة، حتى إنني قلت لهم: ليس في البيت سوى 200 جنيه، هي باقي مصروف الشهر، ومع ذلك فتشوا غرف النوم، وقلبوا كل الأثاث بحثًا عن أموال ليست موجودةً إلا في خيالهم.

 

تأمين الحمام

* وماذا عن ردِّ فعله تجاه الأمن؟

** كان زوجي ثابتًا وكان سببًا وعاملاً أساسيًّا في ثباتنا، فبعد الشعور بالخوف تبدل الحال وقال لي: "اثبتي.. أنا عايزك ثابتة.. أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.. لا تحزني كل هذا في سبيل الله"، وكان يساعدهم في التفتيش، ويفتح لهم الأدراج، وينقل معهم الأثاث حتى يُسهِّل مهمتهم، وكان يرد عليهم بالحسنى، حتى عندما كنت أدعو عليهم قال لي: "بل ادعي لي.. ولا تدعي عليهم".

 

* مشهد عملية الاقتحام الأمني الهمجي للمنزل.. هل من الممكن أن تصفي لنا المشهد كاملاً؟

** في الوقت الذي كان الشارع ممتلئًا بالشباب الذي يملأ الدنيا صخبًا، فوجئنا بأربع عربات محملة بالمخبرين تقف أمام المنزل، ثم طرقات عنيفة على الباب، نظر زوجي في الأسفل، وقال لي: "أمن الدولة طالعين على السلم.. جهزي نفسك لاستقبالهم واطمئني على الأولاد"، ثم فوجئنا بطرقٍ شديدٍ على باب الشقة حتى ظننتُ أنهم قد كسروا الباب، فأسرع وفتح لهم الباب، فانتشروا داخل الشقة يفتشون كل شيء بحثًا عن الأموال التي جاءوا يبحثون عنها، وقلبوا كل شيء رأسًا على عقب، واستولوا على جهاز الكمبيوتر الخاص، ولم يعثروا على أية أموال؛ مما جعلهم يسألون زوجي أكثر من مرة: "أين الفلوس؟!"، وعندما استأذن زوجي للدخول إلى الحمام قبل ترحيله قاموا بتفتيشه تفتيشًا ذاتيًّا، ودخل مخبر ينظر داخل الحمام، وهو يقول: "عملية تأمين مش أكثر".

 

* نظرة الأبناء لوالدهم أثناء الاعتقال.. كيف تعامل معها؟

** رفض زوجي إيقاظ الأولاد ما عدا فاطمة، وقال لي سلمي لي عليهم، وطمئنيهم إن أنا بخير والحمد لله، أما الأبناء فقد تعودوا على ذلك من المرات السابقة؛ لكنهم صدموا حينما استيقظوا ولم يجدوا والدهم بينهم، وكان قد غطاهم وقبَّل رءوسهم قبل أن يناموا، خاصةً أنهم مقبلون على فترة الامتحانات، وكانوا يريدونه بينهم يراجع ويذاكر معهم دروسهم ويشجعهم، في نفس الوقت تأثر الأولاد كثيرًا، فأسماء ظلت تبكي كثيرًا؛ لكنهم جميعًا على يقين من أن هذا هو طريق الدعوة، وهذه هي الضريبة.

 

3 مرات اعتقال

 الصورة غير متاحة
 
* تعتبر هذه المرة الثالثة للاعتقال.. ما الذي يدفعكم لتحمل هذا الأذى والظلم الواقع؟!

** إنه في سبيل الله، وهذا هو طريق الدعوة؛ طريق كله أذى وأشواك؛ ولكننا ارتضيناه طريقًا للنجاة في الآخرة، وهذا البيت من الأساس بيت أتقياء أنقياء، محتسبين ذلك عند الله ومن أجل دعوته، ولله الحمد كل محنة تتلوها منحة وعطية من الله عز وجل.

 

تهم فكاهية

* وجهت نيابة أمن الدولة لزوجك تهمة غسيل الأموال.. كيف استقبلتم هذه الاتهامات؟

** هذه هي الفكاهة والطرفة في الموضوع، فزوجي موظف لا يمتلك إلا راتبه، لا يمتلك من الشركات والمزارع والأراضي ما يمتلكه رجال النظام الحاكم، فالموضوع كله لا أساسَ له من الصحة، والتهمة غير واقعية؛ لأنها تنافي الواقع، فعندما حضروا لم يكن في المنزل سوى 200 جنيه فقط هي باقي مصروف الشهر.

 

* في رأيك؛ لماذا يفعل النظام معه ومع قيادات الإخوان ذلك.. ولماذا هذه التهم المفبركة؟

**

النظام يداري فشله وعجزه، فقد فشل في إقرار الأمن في الشارع، عجز عن إقرار الأمن في النفوس في البيوت في القلوب، الكل يحيا حياة الخوف والقلق، فلا يمر يوم إلا وهناك جريمة قتل أو خطف؛ وذلك لأن النظام وجه جهوده لاعتقال الشرفاء وترك المجرمين والمفسدين.

 

* ماذا تقولين لزوجة كل معتقل وراء الأسوار؟!

** علينا أن نحتسب ذلك عند الله، نحتسب أزواجنا الذين يدفعون ثمن الحرية والكرامة، يدفعون راحتهم وحريتهم وراحة أبنائهم، في هذا التوقيت الحرج من حرية الآخرين وكرامة الآخرين من أجل مجد هذا الدين؛ فلنصبر ونحتسب، والله هو الذي يبارك ويقدِّر الخير حيث كان، ونسأله أن يرضِّنا به.

 

اندهاش الجيران

* كيف أثَّر الاعتقال على أحبابه وأصدقائه وأقاربه والمحيطين به؟

** لله الفضل والمنة، كان هناك تفاعل واضح من كل الناس الذين شاهدوا ما حدث، والذين عرفوا بعد ذلك، فتليفون المنزل لم يهدأ الكل يطمئن ويعرض خدماته؛ لكن العجيب أن الناس كانت مندهشة جدًّا، فهم لا يعرفون السبب، فليس هناك انتخابات أو غيره من مبررات الاعتقال الطبيعية.. والكل يسأل لماذا اعتقلوه؟!.

 

* الوحيدة من بين أخواتها كانت فاطمة- في الصف الثالث الإعدادي- هي التي استيقظت لترى ما حدث، وتروي لنا شعورها في هذه اللحظات العصيبة.. كيف كان شعورك وهم يفتشون البيت ويقلبون كل شيء؟!

** كنت خايفة جدًّا على بابا، عندما طرقوا الباب أغلقت باب غرفتي، ولم أشعر بأي شيء بس كنت خايفة جدًّا.. ورفض بابا أن يدخلوا غرفتي، وعندما انتهوا وأخذوا والدي نظرت إليه من البلكونة لأودعه، وكنت خايفة وقلقانة عليه جدًّا، وعندما ركب معهم شعرت أن قلبي ينسحب مني.. خاصةً نحن على أبواب امتحانات نريده بجوارنا نأنس به ويأنس بنا.

 

 الصورة غير متاحة

ما ذنب أبناء المعتقلين ليحرموا من آبائهم؟!

* ماذا تقولين لكل أبناء المعتقلين الذي هم في نفس موقفك الآن؟!

** أطلب منهم أن يجدوا ويذاكروا؛ حتى نفرِّح آباءنا ونفرِّج عنهم في محنتهم، وحتى يعلم الظالمون أننا أقوى بكثير مما يعتقد هؤلاء، فهم يعتقدون أنهم يستطيعون أن يشتتوا أفكارنا ويبعدونا عن أهدافنا. "وأنا عاوزة أقول حاجة لبابا..".

 

* ما هي؟

** أوعدك يا بابا أني أكون متفوقة، وأني سأرفع رأسك وسط كل إخوانك وأصحابك، وستفخر بي أمام الجميع، ولن يستطيع الظالمون الذين أخذوك من بيننا أن يبعدونا عن طريقنا أبدًا أبدًا أبدًا.. ثم انهمرت عيناها بالدموع.

 

عمرو.. الابن الأكبر

* عمرو وليد شلبي الابن الأكبر- في الصف الثالث الثانوي- له كلام مختلف حول ما حدث، وطلبنا منه أن يصف شعوره عندما لم يجد والده في المنزل صباح اليوم التالي للاعتقال؟!

** حزنت كثيرًا عندما علمت بالخبر، وعندما لم أجد أبي بيننا، ولكني لم أجزع أو أفقد تماسكي، فقط تذكرت قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "يَأتي على النَّاسِ زمانٌ الصَّابرُ فيهم على دينِهِ كالقَابضِ على الجمرِ"، هذه ضريبة الرسالة التي حملناها على عاتقنا، ونسأل الله أن يعيننا على الابتلاء، وأن يثبتنا، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتنا؛ دعوت على كل الظالمين الذين حرمونا من والدنا، وأن ينتقم من كل من ساعد في ترويع الآمنين والشرفاء، وأقول لهم لن تؤثروا علينا، فنحن ماضون في الطريق.. نحن لها بإذن الله.

 

* هل كان لهذا الاعتقال تأثير على دراستك ومذاكرتك وأصدقائك، خاصةً أنك في الثانوية العامة؟

** لا.. إطلاقًا؛ حيث تجاوزت المحنة سريعًا، وأعد أبي أن أكون خير خليفة له في بيته مع والدتي وإخوتي؛ حتى زملائي وقفوا بجواري فهم يعلمون طهارة أبي ونزاهته، ولم ينصتوا لتلك الأكاذيب التي ادعاها الأمن، وكلهم يعلم الدعوة التي نسير في ركابها، وأقول لأبي: "اطمئن وراك راجل وسترى منا كل خير، وبإذن الله ستفخر بي قريبًا في يوم نتيجة الثانوية العامة".

 

أما أسماء- 10 أعوام- فأرسلت رسالةً لوالدها تقول له فيها.. لا تحزن يا أبي إن شاء الله هنشرفك وهانجح وأرفع راسك، فقط كنت أريدك بجواري وقت الامتحان.

 

وختم خالد- 6 سنوات- اللقاء برسالة لوالده يقول فيها.. "أنا بحبك قوي يا بابا.. إن شاء الله ترجع بالسلامة قريبًا جدًّا".